طهران: في يوم شتوي بارد، تلمع الثلوج على قمم الجبال فوق مدينة طهران، ولكن في شوارع المدينة وطرقاتها، يخيم التشاؤم على الإيرانيين كسحابة التلوث الثقيلة التي تغطي سماء هذه المدينة.

في هذا البلد الذي يرضخ تحت عقوبات قاسية، وتهزه الاحتجاجات وتتنازعه التوترات العسكرية مع الولايات المتحدة، يجد العديد من الإيرانيين صعوبة في اخفاء شعورهم بالتشاؤم.

تقول رنا (20 عاما) التي تدرس البيولوجيا، أثناء مرورها في منطقة تجريش الراقية "الحياة صعبة للغاية الآن. ولا يمكن توقع ما سيكون عليه الوضع".

وفي هذا الجزء من المدينة لا تتقيد الشابات باللباس الاسلامي الذي تفرضه السلطات بالشكل المطلوب، فيرتدين المعاطف القصيرة ويضعن على وجوههن الزينة العصرية، ويرخين على شعرهن أغطية لا تخفي سوى القليل منه.

إلا أنه ورغم الحرية النسبية، تشعر رنا بأنها مقيدة.

تقول "نوعية الحياة ليست جيدة مطلقا. فنحن نعاني من التلوث وارتفاع الأسعار، والناس غاضبون"، وتشير كذلك الى "الفجوة الهائلة بين طبقات المجتمع" و"عزلة" إيران المتزايدة.

ويعاني الاقتصاد الإيراني بشدة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في 2018، وأعاد فرض العقوبات في حملة "الضغوط القصوى" على إيران.

وعندما رفعت إيران اسعار البنزين في نوفمبر، اندلعت احتجاجات في أرجاء البلاد وتحولت الى العنف قبل أن تخمدها قوات الأمن وقطعت السلطات الانترنت بشكل شبه كامل.

وتصاعدت التوترات بين طهران وواشنطن مطلع يناير عندما قتلت القوات الأميركية الجنرال الإيراني قاسم سليماني في ضربة جوية في بغداد.

وردت إيران باستهداف القوات الأميركية، ولكنها أثناء ذلك أسقطت طائرة ركاب أوكرانية ما أودى بحياة جميع من كانوا على متنها وعددهم 176 شخصا، في مأساة أثارت الغضب داخل البلاد وخارجها.

وتقول رنا إنها لا تزال تشعر بالحزن على ضحايا الطائرة الذين من بينهم العديد من الشباب الذين كانوا متوجهين للدراسة في الخارج.

"غاضب من ترمب"

اختارت المهندسة بيغاه غلامي (25 عاما) البقاء في إيران. وهي تتسوق حاليا استعدادا لحفل زفافها بعد ثلاثة أيام.

تقول غلامي التي كانت ترتدي معطفا أنيقا وحذاء جلديا طويلاً "الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد صعب للغاية خاصة بالنسبة للشباب".

وتضيف "اشعر بالحزن لأن أصدقائي قرروا ترك البلاد. وانا كإيرانية قررت البقاء وبناء بلدي".

على إحدى النواصي وقف عازف كمان وأخذ في العزف على آلته الموسيقية وسط ضجيج السيارات.

يقول الكهربائي بهرام سبحاني (47 عاما) إن كسب العيش أصبح أكثر صعوبة.

ويضيف سبحاني الذي أهمل لحيته وبدا عليه التوتر وخلا فمه من الأسنان تقريبا "من الصعب العثور على عمل هذه الايام... ".

ويتابع "لا شك في أن العقوبات أثرت علينا، ولكن علينا تحملها لأنه ليس بوسعنا أن نفعل أي شيء آخر. نحن نعيش في إيران وليس في بلد آخر".

كما أثر الوضع الاقتصادي على محمد رضا خادمي، نائب رئيس شركة دلهام تابيش لبيع الاجهزة التكنولوجية الذكية الايطالية للمنازل الفاخرة.

وتضررت شركته بعد تجديد العقوبات ما أدى الى زيادة التكلفة ثلاثة أضعاف. وقد أجبره ذلك على التخلي عن 20 من موظفي الشركة الثلاثين.

يقول "اواخر العام 2018 كانت مريعة، وعام 2019 بأكمله لم يكن جيدا مطلقاً".

ويضيف "سأواصل إدارة شركتين. سأحاول إنشاء خط انتاج محلي في إيران، ولكن التغيير صعب للغاية" مضيفا "أنا غاضب من ترمب".

"نشعر باليأس"

صحيح أن مشاعر التشاؤم تسود بين أبناء الطبقة العليا والمتوسطة الإيرانية، ولكنها أسوأ بين سكان المناطق الأفقر في المدينة البالغ عدد سكانها ثمانية ملايين.

في منطقة مولافي الجنوبية، تتكشف المباني ذات الطرازات المعمارية المختلفة عن شبكة من الزقاق والمحلات التي يمارس فيها الحرفيون مهنهم القديمة.

ولا يُشاهد في الشوارع سوى عدد قليل من النساء يرتدي بعضهن التشادور، ويحمل العديد منهن الخبز الطازج.

يبدو الارهاق على مهدي غولزاده الذي يستورد السلع من آسيا، اثناء توجهه إلى بقالته.

يقول "أصبحت المعيشة في إيران صعبة للغاية. مع هذا الوضع الاقتصادي لا يمكننا استيراد اي شيء، وإيران لا تملك المواد" الضرورية لانتاج مثل هذه البضائع.

ويضيف "أنا عازب .. ولا يمكن لأحد بناء أسرة بهذا الدخل الضئيل. نشعر باليأس".

أما أكبر غاريبفاند (50 عاما) وهو مالك متجر وأب لخمسة أطفال، فيقول ان دخله "لا يكاد يكفي الطعام والمعيشة اليومية".

ويتابع "هذه العقوبات تؤثر على الأمور بكل تأكيد ... والطبقة الدنيا هي التي تتعرض للضغوط".

ولكن ورغم الصعوبات، يقول أن إيران "ليست بلدا سيئا"، وهو يعتبر نفسه محظوظا مقارنة مع سكان الدول المضطربة المجاورة.

ويقول "نحن لسنا مثل العراق وأفغانستان وباكستان او غيرها من الدول التي تحدث فيها عمليات قتل يومية .. نحن أفضل لأننا نتمتع بالأمن".