قدّم فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق في حوار خصّ به "إيلاف"، وصفته للاصلاح في البلاد، وحدّد علاجات أربعة باتت ضرورية من أجل النهوض بالاقتصاد وتجنيب البلاد مزيدا من المتاعب، وتلك العلاجات هي: خفض الانفاق، واعادة النظر في معدلات الفائدة وأسعار الصرف، والاصلاحات القطاعية، ثم الاصلاح الإداري.

إيلاف من الرياض: في خضم ما يعيشه لبنان من أزمة اقتصادية حانقة، بدأت الخميس الماضي بعثة صندوق النقد الدولي اجتماعاتها في بيروت تلبية لدعوة حكومة لبنان لتقديم المشورة التقنية لكيفية خروجها من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.

وبالأمس ، عقد الرئيس اللبناني ميشال عون جلسة للحكومة اللبنانية شدد خلالها على أن المرحلة الراهنة هي مرحلة عمل لأن الوضع العام في البلاد يفرض ذلك، مشيراً إلى أن ثمة إجراءات ستتخذ حيال كل فرد ليتحمل مسؤوليته فيما حدث.

"إيلاف" بدورها حاورت فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الذي قدم تصوّره للاصلاح في خضمّ أزمتين اقتصادية وسياسية غير مسبوقتين.

لبنان يحتاج إلى "الواقعية"

عند سؤاله عن رأيه في بعثة صندوق النقد الدولي، قال الرئيس فؤاد السنيورة إنّ صندوق النقد الدولي يمثل مصدراً للخدمات التقنية والاستشارات المالية لدول العالم، فأي دولة تتعرض لمشكلات اقتصادية مثل ميزان المدفوعات والاستقرار النقدي والمصرفي فإن المكان الأمثل للتشاور هو صندوق النقد في حين أرى أن حصول بلد ما على مساعدة نقدية وتوقيع برنامج تعاون مع الصندوق يعتمد على تقديرها لمشكلاتها".

يضيف: "أعتقد أن لبنان في الفترات الماضية مر بمرحلة من المفترض على الشعب والمجتمع السياسي هناك أن يكونوا أكثر تبصراً وحكمة في معالجة المشكلات التي أرهقت كاهل لبنان وكانت هناك فعلياً حالة من الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات في القطاعات كافة التي يحتاجها لبنان، وبالتالي تراكمت هذه المشكلات".

ويقول السنيور: "أرى أن لبنان يجب أن ينظر إلى الأمور بواقعية، ومعرفة أنه بحاجة ماسة للعلاج، لما وصل إليه من استعصاء وابتعاد عن القيام بالإصلاحات في القطاعات كافة، فالبلد الأن أقرب إلى "مريض" يجب عليه الذهاب إلى المستشفى ويعترف بمرضه، وفي اعتقادي أن جمهورية لبنان بحاجة إلى مجموعة أدوية من ضمنها أدوية مالية مثل تخفيض النفقات وزيادة إيرادات الخزينة العامة من دون أن يؤدي ذلك إلى الضغط على مستويات النمو الاقتصادي".

علاجات مستحقّة

حسب رئيس وزراء لبنان الأسبق، فإن بلده يعاني لأول مرة من انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي يصل إلى حدود متدنية، في المقابل ارتفاع كبير في مستويات العجز في الموازنة والخزينة بالإضافة إلى عجز مستمر على مدى عشر سنوات في ميزان المدفوعات وبالتالي على لبنان أن يلجأ إلى اتخاذ الإجراءات المالية التي تساعده اولاً في تخفيض الإنفاق وزيادة الواردات، مشيراً إلى أن هذا هو العلاج الأول للحد من الأزمة.

ويرى أن العلاج الثاني هو علاج نقدي يتطلب النظر لمعدلات الفائدة وأسعار الصرف ومن جهة أخرى سلامة الجهاز المصرفي، بما يعيد الثقة في هذا الجهاز الذي شيده اللبنانيين بعرقهم ودموع اعينهم، على حد تعبيره.

وأشار السنيورة إلى أن العلاج الثالث الذي ينبغي على حكومة لبنان اتخاذه هو الإسراع في الإصلاحات القطاعية مثل قطاع الكهرباء، والاتصالات، والطيران المدني، مضيفاً علاجاً رابعاً للحكومة وهو الإصلاحات الإدارية التي يرى أنها تؤدي الى ترشيق الدولة اللبنانية وزيادة فعاليتها وإنتاجيتها.

ويخلص إلى أنّ هذه العلاجات الأربعة جميعها ليست كافية في نظره إذا لم تترافق مع الإصلاحات السياسية التي تعني أن هناك خللا في التوازن السياسي الداخلي في لبنان وخللا في سياسته الخارجية. خصوصاً في ما يتعلق في موضوعات أساسية مثل أن يتمسك لبنان بالمبادئ، وإعادة الاحترام إلى اتفاق الطائف والدستور اللبناني، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للدولة وسلطتها واحترام الشرعية العربية والدولية".

يقول السنيورة لـ"إيلاف": "أعتقد أن الإجراءات او "الأدوية" التي ذكرتها ينبغي على لبنان اتخاذها لأهميتها البالغة وأن الإصلاح أمر تضطلع به الأمم عندما تمتلك القدرة عليه في المقابل لو تأخرت عنه ستكتشف عند قيامها به في وقت آخر أنه باهظ الكلفة ووجعه بالنسبة للشعب كبير، وفي اعتقادي أن هناك حالة من المصارحة الحقيقية التي يجب أن تسود لدى المجتمع السياسي والمواطنين في لبنان في هذه المرحلة ليدركوا الوضع الراهن وضرورة العمل المشترك والإجماع للخروج من هذا المأزق."

أزمة الكهرباء

تسأل "إيلاف" رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة عن قطاع حيوي خصّه بضرورة الاصلاح، ألا وهو قطاع الكهرباء الذي يحتاج حلولا فورية وناجعة.

يجيب السنيورة: "الاستعصاء والفساد السياسي اوصلنا لما نحن عليه في لبنان، نعم هناك حلول لأزمة الكهرباء، ودول العالم استطاعت إيجاد حلول كهربائية، في المقابل بلدنا عرضت عليه الصناديق العربية والدولية حلولا لزيادة الطاقة الإنتاجية، وتطبيق القانون الصادر عام 2002 القاضي بإنشاء هيئة لتنظيم قطاع الكهرباء وما زال هناك استعصاء للقيام بهذه الإصلاحات".

وقال صندوق النقد الدولي مؤخرا إنّ قطاع الكهرباء فى لبنان من أبرز الملفات التى توصي جميع المؤسسات والتقارير الدولية بضرورة معالجتها بصورة فورية، لما يتسبب فيه هذا القطاع من تكلفة باهظة بالنسبة لخزينة الدولة مع استمرار تراكم الخسائر توازيا مع انخفاض إنتاج الطاقة. وأوضح أن ملف الكهرباء يمثل عبئا كبيرا على مالية الدولة مع تخصيص الاعتمادات المستمرة سنويا لمؤسسة كهرباء لبنان (مؤسسة الكهرباء العمومية) لدعم تكلفة الإنتاج، وخصوصا دعم كلفة الوقود السائل الذى يشغل محطات الإنتاج والتوليد فى حين أن الإنتاج فى تراجع ولا يلبي الطلب المحلي.

وأكد "الصندوق" أن الحكومة اللبنانية يتعين عليها اتخاذ مجموعة من الخطوات العاجلة لإيقاف "النزيف المالي" الناتج عن عجز الكهرباء، لاسيما وأن اهتراء هذا القطاع يعوق استقطاب استثمارات خارجية إلى لبنان، مشيرا فى هذا الصدد إلى وجوب العمل على إجراء مناقصات عمومية شفافة لبناء محطات إنتاج الكهرباء وتزويدها بالغاز الطبيعي بدلا من الوقود السائل باهظ التكلفة.

أزمة الديون

مع اشتداد أزمته الاقتصادية، يواجه لبنان استحقاق دفع ديونه لعام 2020، فعلى حكومته تسديد هذا العام، ما يقارب الأربعة مليارات ونصف المليار دولار، ويجب دفع الجزء الأكبر من المبلغ في شهر مارس المقبل.

وتنقسم الآراء في البلاد، بين من يدعو إلى وجوب دفع لبنان ديونه ولو على حساب ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان المركزي، وبين من يدعو إلى التوقف عن تسديد الديون، أي إلى المواجهة مع الدائنين.

وفي سؤال حول مدى صحة التقارير التي تقول إنّ لبنان اتخذ قرارا بتأجيل دفع ديونه عبر إعادة جدولتها، يجيب السنيورة بأنّ هذا الموضوع "ما زال موضع اخذ ورد لدى السلطة السياسية وبالتعاون مع الوزراء المعنيين ومصرف لبنان والمستشارين وبعثة صندوق النقد الدولي.. لكنه يبقى في النهاية قرار الحكومة اللبنانية".

يضيف: "أرى أننا وصلنا الى نقطة يجب فيها اتخاذ قرار بهذا الشأن حيث أن لبنان طوال السنوات الماضية كان يحترم التزاماته تجاه الآخرين كافة، وعلى لبنان تطوير سياسة واضحة المعالم في برنامجه الإصلاحي الذي سيعتمده ليمكنه من التفاوض مع الدائنين على آلية تضمن للبلد تخطي أزمته، حتى لو اقتضى الأمر أن تكون هناك إعادة جدولة للدين العام فهذا أمر ربما أفضل من تأدية هذه المستحقات الأن، وبالتالي لا ندري ماذا سيكون علينا بعد ذلك من مستحقات في الأشهر المقبلة، وفي اعتقادي أن هذا الامر يجب ان يكون ضمن خطة كاملة قابلة للتنفيذ وتكسب ثقة اللبنانيين".