أسامة مهدي: في موقف مثير واجهت الايزيدية العراقية أشواق آسرها ومغتصبها لمدة 77 يوماً في قاعة المحكمة التي حوكم فيها في بغداد حيث تم الحكم عليه بالاعدام شنقا حتى الموت.

وكان تنظيم داعش الذي اجتاح العراق وسوريا في عام 2014 قد ارتكب انتهاكات واسعة ضد شعبي البلدين ومنها الاستيلاء على نساء المناطق المُحتلة من قبله من الإيزيديات.

الداعشي في قفص الاتهام يستمع لضحيته

ولم يكن يخطر في مخيلة محمد رشيد سحاب مصلح المُكنّى داعشياً بـ(أبي همام الشرعي) أن يأتي اليوم الذي يقف فيه بقفص العدالة العراقية أمام ضحيته (أشواق) في مشهد بدا وأنه تتويج للعدالة حيث وقف بمواجهة القاضي في قفص الاتهام مستمعا الى ضحيته (أشواق) التي انطلق لسانها لتدلي لمن حضر جلسة المحكمة شهادتها التاريخية بحق جلادها قبل أن يكون سابيها.

وفي قاعة محكمة استئناف الكرخ الاتحادية في بغداد طلب القاضي من (أشواق) الإدلاء بإفادتها التي كشف عنها اليوم المجلس الاعلى للقضاء العراقي وتابعتها "إيلاف" قائلة:

اقتحام قرية أشواق

كنت أعيش في كنف أسرتي حياة رغيدة، قرية سنوني الهادئة في قضاء سنجار حيث مسكننا فيها ومدرستي المتوسطة التي أتلقى فيها تعليمي، كنت في فترة العطلة الصيفية أعمل مع شقيقي الأكبر في محل (الصالون النسائي) حيث كان عمري حينها 14 عاماً فقط حين احتل تنظيم داعش مناطقنا.

ففي صبيحة يوم الثالث من شهر اغسطس من عام 2014 استيقظ أهالي قريتنا وهم محاطون بالمئات من آليات تحمل مسلحين بعتادهم الثقيل، بعد أن ترجلوا وانتشروا في المنطقة طمأنوا الأهالي بعدم مسهم بسوء شريطة أن تُرفع الرايات البيضاء فوق سطوح المنازل. ولكن ما أن حلت الظهيرة واكتملت صفوفهم أعلنوا جهاراً بأن على أهالي القرية إشهار إسلامهم والا فمصيرهم القتل، مانحين لتهديدهم هذا مهلة تنتهي حتى الساعة الخامسة من مساء اليوم ذاته.

أيزيدية يعرضها داعش للبيع

الوقوع في أسر الدواعش

على اثر ذلك جمعنا والدي مقرراً الهروب من المدينة باتجاه الجبال، كان عدد أفراد الاسرة مجتمعين أكثر من سبعين فرداً من اخوتي واخواتي وابناء وبنات عمومتي وأخوالي حيث تجمعنا على عجالة واضعين خطة للهرب، فكان أن استقل أخي الاكبر مع اسرته السيارة ليتقدم الموكب.

بعد ان اقتفينا آثاره بسياراتنا احاطتنا عجلات الدواعش من كل جانب مدركين وقوعنا بأسرهم فكان أول ما قاموا به هو عزل النساء عن الرجال. كنت في الرابعة عشرة من عمري حينها، وبعد العزل مع الفتيات اللواتي بسني ومن بينهم شقيقتي الصغيرة اقتادنا الدواعش بعجلاتهم الى معسكرات في منطقتي (كوجو وتلعفر) بعد ذلك اخذونا الى سوريا وهناك فرقونا عن بعض، حيث قاموا بعزل الفتيات الصغيرات غير المتزوجات اللواتي تتعدى أعمارهن التاسعة عن ذويهن "وكنت إحداهن" ليأخذونا الى الموصل.

تهافت الدواعش على الصبايا الايزيديات

كنا أكثر من ثلاثمئة فتاة، وبعد أن وصلنا الى الموصل تهافت علينا عناصر التنظيم ليقوموا بتقاسمنا في مشهد بدا لي وكأننا سلع رخيصة تتهافتها أيدي المتبضعين في السوق.

رغم حالتي المأساوية كنت أحرص على عدم مفارقة أختي الصغيرة التي لم يتبق من أسرتي معي غيرها لكن في الوقت ذاته ذهلت للاثمان البخسة التي تسارع الدواعش لشرائنا بها وكان اعلاها مئة دولار وأرخصها علبة سجائر.

اصبحت من حصة (أبو همام) الذي شدني من شعري واقتادني لغرفة ممارساً عملية الاغتصاب بحقي التي ما كنت أدركها جراء صغر سني حينها، اذا وضعت أسيرة في منزله "المُغتصب" من اسرة ايزيدية وكان يعتدي علي جنسيا بمعدل ثلاث مرات يوميا ثم يمارس الضرب الجسدي ضدي لاكثر من مرة باليوم.

ومن الممارسات التي اثارت اشمئزازي هي اجباره لي بتضميد جرح غائر في ظهره الأمر الذي كان يشكل عندي عبئاً اضافيا على ما أتعرض له منه. لم أكن بالمنزل لوحدي فقد كن معي عدد من الفتيات الايزيديات اللواتي سباهن ثلة أخرى من افراد التنظيم لكنهم لقوا حتفهم على ايدي القوات العراقية ليصبحن ودائع عند أبو همام.

الهروب الى الحرية

سبعة وسبعون يوماً أمضيتها مع الاخريات كن أسيرات فيها عند هذا الوحش المتجرد من الروح الانسانية، لكن في أحد الأيام التي مضت علي بذات الوقع من الإرهاب والقسوة تمكنت من الحصول على هاتفه الشخصي لاتصل على الفور بشقيقي الذي شرحت له حالتي وما مررت به متفقة واياه على ايجاد وسيلة للهروب.

كان أهم ما اتفقنا عليه هو تنويم الارهابي ومن يكون معه بالمنزل ليتسنى لنا الخلاص من قبضته، ارشدني الى نوع معين من المنوم، فافتعلت اصابة طالبت على اثرها من (ابو همام) علاجي في المستشفى.

وهناك افهمت احدى المعالجات بنوعية الدواء الذي أطلبه متذرعة بالأرق الذي يلازمني منذ السبي لتزودني به. وفي ليلة الثاني والعشرين من اكتوبر 2014 قمت بإعداد الطعام له ولرفاقه الدواعش المتواجدين بالمنزل حيث دسست المنوم بكميات كبيرة في الطعام.

مختطفة ايزيدية تعود إلى عائلتها بعد 3 سنوات من اختطاف داعش لها

وبعد أن اطمأننت مع الفتيات على سريان المنوم في اجساد المجرمين هربت في منتصف تلك الليلة تحت سماء ممطرة سالكين طريقاً وعراً تلفه المخاطر، سرنا لسبع ساعات دون انقطاع بمناطق جبل سنجار لنسلم أنفسنا الى أقرب نقطة للجيش العراقي الذي نقلنا عبر طيرانه الى ذوينا في محافظة دهوك.

في اواخر العام ذاته تقدمت بدعوى قضائية ضده وباسمه الصريح لتتحقق العدالة الالهية وحكمة القضاء العراقي بوجودي في هذا اليوم حرّة طليقة أشهد للعالم قسوة جلادي الحبيس أمامي في قفص الاتهام.

في قفص الاتهام القيادي الداعشي يتحدث

بدا محمد رشيد سحاب مصلح (ابو همام الشرعي) شارد الذهن يائس الحركة وهو يستمع بإصغاء من قفصه لشهادة (أشواق) ثم تحدث قائلا:

انني من مواليد 1984، كنت قد قضيت في السجن عدة أعوام جراء جريمة جنائية ارتكبتها مع شقيقي وابن خالي تمثلت بقتل شخص من أهالي قضاء هيت في محافظة الأنبار.

تنقلت من سجن الى آخر حتى استقر بي الحال الى سجن بادوش الذي فيه منحت عهداً لـ(أبو حمزة) بالانتماء لداعش بعد ان تلقيت دروساً شرعية على يد (ابو معاذ).

هربت من السجن من جملة من هربوا منه بعد اجتياح داعش للموصل. ثم بايعت داعش وانتقلت الى البعاج التي فيها اسندت إلي مناصب شرعية سادها الطابع التحريضي على القتال.

اجتياح سنجار واقتسام النساء بالقرعة

اجتاحت داعش سنجار والمناطق المحيطة بها من ثلاثة محاور. كنت أحد الفرق الغازية للمنطقة، أثناء الاجتياح اصبت بطلقة قناص إيزيدي وقف مدافعاً عن منطقته، اخليت على اثر الاصابة الى مستشفى نينوى لتلقي العلاج وبعدها انتقلت الى البعاج لتلقي علاجي ثم نقلت الى قرية الرمبوسي.

بعد ان تشافيت هناك دخلت الى المضافة (احد منازل الايزيدية) في منطقة (الرمبوسي) حيث تم اهدائي السبية (أشواق) عبر القرعة كمكافأة لي على مشاركتي بالغزوة واصابتي بها.

اعتراف بالاغتصاب والتعذيب

أعترف بأنني نكلّت بأشواق ومارست بحقها الاغتصاب والتعذيب، وقد استخدمتها رغم صغر سنها كممرضة لتضميد جراحي رغم أنها كانت تشعر بالهلع مما عرضتها له وهي بهذه السن الصغيرة.

وفي يوم 23 أكتوبر من عام 2014 وبعد إفاقتي من نومي مع رفاقي اكتشفت أن أشواق والسبيات الأخريات اللواتي كن في منزلي قد لذن بالفرار.

بعد هروب أشواق مني عملت في الانبار ثم تنقلت الى عدة مناطق فيها حتى تحريرها كليا على يد القوات العراقية في عام 2017 لافر الى سوريا واقيم بولاية البركة.

لكنني عدت الى العراق متسللاً عبر حدوده من الباغوز السورية مرة اخرى وكان يرافقني (ابو جراح) حيث وقعنا في قبضة القوات العراقية بعد ان اعدت لنا كميناً محكماً نجحت عبره بالإيقاع بنا. اصبت مع ابو جراح جراء اطلاق النار وتم اسعافنا لنقع في قبضة العدالة.

وحكمت المحكمة على أبي همام بالاعدام شنقاً حتى الموت وفقا لأحكام المادة الرابعة /2 من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005.