تتبع الحكومة اللبنانية الجديدة تكتيكات حديثة لمراقبة محادثات المتظاهرين عبر تطبيق واتسآب، لاعتقالهم من منازلهم، ما أثار ردات فعل عنيفة.

"إيلاف" من بيروت: يُعد الفضاء الإلكتروني ساحة معركة جديدة بين المتظاهرين وأجهزة الأمن في لبنان، حيث زادت هذه الأخيرة، وفق تحقيقٍ أجرته "الإذاعة الوطنية العامة" الأميركية غير الربحية أميركية، من الإجراءات لكبح المعارضة وتخويف منتقدي الحكومة واعتقالهم بسبب خطابهم عبر الإنترنت.

طرائق جديدة للقمع

يستخدم العديد من اللبنانيين تطبيق واتسآب، لإرسال رسائل نصية وصوتية إضافة إلى إجراء مكالمات مجانية، في بلد تعتبر فيه مكالمات الهاتف العادية باهظة الثمن.

استخدم العديد من المتظاهرين مجموعات الدردشة على واتسآب لانتقاد الحكومة، وتشجيع الناس على النزول إلى الشوارع، ومشاركة مقاطع الفيديو الخاصة بالاعتقالات والإصابات الناجمة عن الرصاص المطاطي.

إلا أن السلطات اللبنانية ابتكرت طرائق جديدة للقمع؛ إذ يقول محمد نجم، المدير التنفيذي لـجمعية "سمكس" المعنية بشؤون التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، في حديثٍ مع المؤسسة الأميركية، إن هناك نوعًا مختلفًا من لعبة "القطة والفأر" تمارسها الحكومة اللبنانية الجديدة، حيث يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتحديد هوية المتظاهرين وماذا يفعلون وشبكاتهم وغيرها من المعلومات.

يرى نجم أن وسائل الإعلام المطبوعة في لبنان، من صحف ومجلات، محمية بالقوانين، لكن التعليقات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تتمتع إلا بقدر ضئيل من الحماية. يضيف: "القانون سيء، يوجد فيه الكثير من المناطق الرمادية. يعتمد حقًا على مزاج المدعي العام، ونوع الويسكي الذي يشربه في الليل، ومن يتحدث إليه. هكذا في الحقيقة تتم عملية اتخاذ القرارات في هذا البلد".

قوانين بالية

تشير منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى أن الزعماء السياسيين والدينيين الأقوياء في لبنان يستخدمون قوانين التشهير لترهيب وخنق المنتقدين. وفي هذا السياق، تذّكر المؤسسة الأميركية باستدعاء السلطات في بيروت المخرج والناشط ربيع الأمين في ديسمبر 2019، لانتقاده سياسات مصرف محلي على الإنترنت. استجوبه المسؤولون ساعات طويلة مستفسرين عن أكثر من 25 منشورًا على موقع "فايسبوك"، قالوا إنها تحتوي على "إهانات".

يقول الأمين في حديثٍ مع المؤسسة إنه طُلب منه حذف المنشورات أو تعديلها، كما طالبه المسؤولون بالتوقيع على تعهد بعدم إهانة المصرف مرة أخرى كشرط لإطلاق سراحه. وفي وقت لاحق، هاجمه رجل مجهول عندما كان يشارك في اعتصام أمام مبنى البرلمان وكسر أنفه.

فر الأمين منذ ذلك الحين إلى أوروبا هربًا من عقوبة سجن قد تصل إلى ثلاث سنوات، واستطاعت المؤسسة الأميركية التواصل معه عبر تطبيق واتسآب، وصرح بما يأتي: "يمكن أن يقتادوك إلى السجن لقولك شيئًا ما على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا إذا كنت تقول شيئًا يمكن اعتباره تشهيرًا بأصحاب بعض المناصب العامة، الجيش، الرئيس، أو علم الدولة".

مراقبة الواتسآب

تولى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي التحقيق في المزيد من القضايا بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2015 بسبب أزمة النفايات في بيروت. وبين يناير 2015 ومايو 2019، عمل المكتب على 3599 تحقيقًا يتعلق بالقدح والذم، وهو رقم صادم نشرته "هيومن رايتس ووتش" في نوفمبر 2019.

تكثفت الإجراءات الرامية إلى قمع المنتقدين مرة أخرى مع استمرار حركة الاحتجاج الأخيرة وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان. وتبنت السلطات اللبنانية أساليب جديدة، بما في ذلك التسلل إلى مجموعات الدردشة على واتس آب للتعرف على منظمي الاحتجاجات واعتقالهم، كما يصرح المحامون الذين يتولون القضايا للمؤسسة.

يصف المحامي خالد مرعب، الذي يمتلك مكتب محاماة في مدينة طرابلس اللبنانية، ما يحدث بقوله: "تستخدم الحكومة وسائل التواصل الاجتماعي لتعقب المحتجين والمنظمين. إنهم يرسلون عناصر مدسوسة للانضمام إلى مجموعات واتسآب ومعرفة من يتحدث".

بدورها، تقول ناشطة كانت تعمل على تنظيم الاحتجاجات، رفضت استخدام اسمها خشية أن تتعرض للاعتقال، إنها تعتقد أن عملاء الحكومة انضموا إلى مجموعة على واتسآب هي تديرها بشكل مجهول لمراقبة المحادثات، ثم أرسلوا سريعًا صورًا ورسائل تبدو غير منطقية لتعطيل وتفريق المجموعة.

لا تتردد الناشطة في التعبير عن خوفها من غزو خدمة رسائل مشفرة تحتوي على أرقام هواتف محمولة وتعليقات معادية للحكومة يمكن أن تستخدمها القوات الأمنية لتحديد قادة الاحتجاج. وتستطرد قائلةً: "إنه تكتيك مخيف لإخبار الناس أنهم يعرفون من أنت وماذا تفعل وأنهم سيمنعونك من ذلك. ببساطة، يحددون هوية هذا الشخص ويذهبون لتوقيفه على أساس أنه كان ضد السلطة الحاكمة".

اعتقال بلا سبب

منذ يناير المنصرم، استدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية ما لا يقل عن 60 ناشطًا للتحقيق معهم. ويقول بعض المحامين إن المكتب كان يستهدف قادة الاحتجاجات، وإنه اعتقلهم في منازلهم وليس في ساحات الاعتصام.

لكن اللافت في تحقيق المؤسسة الأميركية كان انتقاد وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن نهج الحكومة الجديدة؛ حيث صرحت: "كان لدينا أسماء الأشخاص، على الأقل القادة منهم، لكننا لم نعتقل أحدًا. أما اليوم اتخذت السلطات تكتيكًا مختلفًا. إنها تعتقلهم رغم عدم وجود أي احتجاجات في الشوارع".

تشرح الحسن بأن التكتيك يأتي من الحكومة الجديدة المدعومة من حزب الله وحلفائه. وتضيف أن هذه الجماعة المسلحة التي تدعمها إيران تلعب دورًا أكثر قوة في السياسة اللبنانية، ما يثير المخاوف بشأن قدرة البلاد على مواجهة الانهيار الاقتصادي الوشيك.

مقاومة حقوقية

قام خالد مرعب بتعبئة المحامين في طرابلس للتوجه إلى مراكز الشرطة بعد حملة الاعتقالات الكبيرة، وقد أنشأت لجنة من المحامين خطًا ساخنًا لمساعدة المحتجزين الذين يتعرضون للضرب والتهديد من قوات الأمن اللبنانية للحصول على كلمات مرور هواتفهم المحمولة.

عن هذه الخطوة، يقول مرعب: "لا تفتح هاتفك أبدًا، إنه طلب غير قانوني، يمكننا مقاضاتهم".

أضاف: "أعتقد أن النظام السياسي خائف بعض الشيء. في البداية، حاولوا استخدام القوة، فازدادت أعداد المتظاهرين. واليوم يراجعون حساباتهم."

في 24 فبراير المنصرم، تم استدعاء مدون ومراسل تلفزيوني وناشط من قبل قسم التحقيقات الجنائية بتهمة "نشر أخبار مزيفة" عن حزب سياسي محلي و"التحريض على الطائفية والعنصرية". سارع ملحم خلف، رئيس نقابة المحامين في بيروت، إلى السجن حيث احتُجز المعتقلون الثلاثة للدفاع عنهم، واستطاع إطلاق سراحهم في غضون ساعات.

شكل خلف فريقًا يضم أكثر من 700 محام متطوع لزيارة السجون في جميع أنحاء لبنان والتبليغ عن الانتهاكات، ويعبر عما يقوم فيه بالقول: "إنها مهمتنا، أعتقد أنه يتعين علينا إعطاء الأمل لشبابنا. أعتقد أنه يتعين علينا أن نبني لبنان من خلال الحقائق وليس الكلمات. إن ما تروه من خلال كل هؤلاء المحامين الذين أتوا إلى السجون، والذين حضروا إلى مراكز الشرطة، ليس سوى تذكير للأقوياء بأن حماية حقوق المواطنين أمر بالغ الأهمية".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "الإذاعة الوطنية العامة". الأصل منشور على الرابط:

https://www.npr.org/2020/03/09/809684634/lebanons-government-is-accused-of-swarming-whatsapp-to-catch-protesters