بريشتينا: بينما يحيّي الأوروبيون العاملين في قطاع الصحة لديهم من شرفات المنازل كل مساء، اختار الكوسوفيون هذه الطريقة للاحتجاج على الطبقة السياسية في خضم أزمة قد تسقط الحكومة وسط تفشّي وباء كوفيد-19.

وفي ظل عدم قدرتهم على الاحتشاد في الشوارع، لجأ أهالي بريشتينا للطرق على الأواني المنزلية من الشرفات للتعبير عن استيائهم من السياسيين المتّهمين باستغلال حال الطوارئ الصحية لتحقيق مكاسب شخصية.

وقالت أزرا مارمولاكو التي تعمل في مجال الاقتصاد وانضمت للحركة الاحتجاجية "لم أكن لأتوقع هذا الأمر المؤسف في أسوأ كوابيسي". وأضافت بحسرة "موارد كوسوفو متواضعة جدا حيال وباء أدى إلى ركوع قوى دولية على ركبتيها".

وأشارت إلى أنه "بدلا من حشد كافة الإمكانيات في صراع البقاء، فإننا نضيع وقتنا وطاقتنا من أجل السلطة. إنه عار!".

وعبر العالم، جنّدت الحكومات طاقاتها لحماية مواطنيها من انتشار الفيروس الذي حصد أرواح أكثر من 11 ألف شخص.

لكن في كوسوفو، الجمهورية الأوروبية الديموقراطية الفتية وغير المستقرة، فإن التحالف الحاكم المشكّل حديثا على حافة الانهيار حيث يبدو غارقا في الخلافات مع تهديد الشريك الأصغر بالانسحاب.

وفي حين تم الكشف عن 22 إصابة بوباء كورونا المستجد في البلاد التي تعد 1,8 مليون نسمة، فإن عمليات الفحص الطبي لا تزال محدودة بينما يخشى كثيرون من أن وباء على نطاق واسع قد يقوّض نظام كوسوفو الصحي المتهالك أساسا.

- "الأفعى" -

واستلمت الحكومة مهامها منذ نحو شهرين فحسب، في هزيمة تاريخية للمتمردين السابقين الذين هيمنوا على كوسوفو منذ انفصلت عن صربيا قبل 20 عاما.

لكن التحالف بين رئيس الوزراء وزعيم حزب فيتيفيندوسي (تقرير المصير) اليساري ألبين كورتي وشريكه حزب "إل دي كي" (رابطة كوسوفو الديموقراطية) المحسوب على تيار يمين الوسط نشأ على أسس مهزوزة.

وطرد كورتي وزيرا من شريكه في الائتلاف لمخالفته التراتبية السياسية إثر دعمه الدعوات إلى إعلان حال الطوارئ بسبب فيروس كورونا المستجد بعد أسابيع من التوتر السياسي.

ووصف "إل دي كي" الخطوة بأنها "القشة الأخيرة" وأودع طلبا بالتصويت على حجب الثقة في البرلمان.

ويقول المحللون إن الأزمة تأتي في صالح الرئيس هاشم تاتشي، زعيم المتمردين السابق الملقب بـ"الأفعى" إبان التمرد والذي هيمن على المشهد السياسي في كوسوفو لأكثر من عقد.

ويتهمه منتقدوه بإغراق كوسوفو في وحل الفساد والفقر، بينما أكد رئيس الوزراء الجديد بشكل لا لبس فيه أنه يرفض إعادة انتخاب تاتشي في انتخابات 2021 الرئاسية.

لكن يبدو أن فيروس كورونا المستجد قدم خدمة لتاتشي، بحسب ما يشير المحاضر في العلوم السياسية في جامعة بريشتينا بيلول بيكاج.

ويقول المحلل السياسي إن تاتشي يحاول استعادة النفوذ عبر زرع الانقسامات في صفوف الائتلاف الحاكم والدفع نحو إعلان الطوارئ، وهي الخطوة التي ستجعله الآمر الناهي. ويضيف بيكاج أن تاتشي "يحاول استغلال الوضع الصحي الصعب لاستعادة الهيمنة على المشهد السياسي"، منوها إلى أن "المبادرة إلى وجوب إعلان حالة الطوارئ دليل واضح على ذلك".

- الورقة الأميركية -

ويقول المحللون إن تاتشي يسعى على وجه الخصوص إلى المحافظة على دور كبير المفاوضين مع صربيا التي لا تزال ترى كوسوفو مقاطعة متمردة وترفض الاعتراف بانفصالها بعد الحرب.

وانهارت المفاوضات التي رعاها الاتحاد الأوروبي بين الطرفين في أواخر 2018 إثر تطبيق كوسوفو رسوما جمركية بنسبة 100% على البضائع الصربية لتثير المزيد من التوتر.

ومذاك، حاولت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاهدة إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات بوجود تاتشي كمحاور.

ولذلك، ضغطت واشنطن على رئيس وزراء كوسوفو لسحب الرسوم لإقناع بلغراد بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

لكن كورتي وافق على رفع جزئي فحسب للإجراء مقابل مبادرات حسن نية من بلغراد، ليغضب بذلك واشنطن.

وأخاف رد فعل واشنطن حزب "إل دي كي" والذي سبق وطالب كورتي بسحب فرض الرسوم الجمركية مهددا بالانسحاب من الائتلاف.

واعتاد الكوسوفيون على التوترات السياسية حيث لم تكمل أي حكومة فترتها الدستورية منذ الاستقلال.

لكن العديد منهم أبدوا غضباً شديداً لرؤية هذه التجاذبات في وقت تبدو حياتهم في خطر.

ويقول الصيدلي أغيم بهرامي البالغ من العمر 42 عاما والذي انضم إلى حركة احتجاج القرع على الأدوات المنزلية "لا نملك ترف إهدار إمكانياتنا المتواضعة على هذا الصراع السياسي بينما يقترب فيروس كورونا من كوسوفو". ويضيف "لا نستطيع التظاهر في الشارع، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي بإمكاننا من خلالها التعبير عن خيبة أملنا الكبيرة".