مدريد: في اليوم العاشر من بدء سريان تدابير الحجر المنزلي في إسبانيا، يخلو حي الأعمال في مدريد من المارة ولا جموع في أي مكان سوى داخل المستشفى المجاور حيث توفي خمسة مرضى ليلا جراء فيروس كورونا المستجد وفق تأكيد أحد الممرضين.

في الشوارع المقفرة والهادئة على غير عادتها في المدينة التي تعد 6,5 ملايين نسمة وهي من الأكثر تضررا حول العالم جراء الوباء، يمكن تلمّس الازدياد في عدد الإصابات من خلال الحركة المستمرة لسيارات الإسعاف التي تجوب الطرقات حتى من دون إطلاق صفاراتها.

وفي منطقة مدريد وحدها، قضى 1535 شخصا بحسب أحدث حصيلة رسمية الثلاثاء. هذه الحصيلة تبلغ 2696 في كل إسبانيا.

وعلى مداخل قسم الطوارئ في مستشفى حي لا باز الجامعي، يجري تحميل عشرات أجهزة التنفس وسط حركة لا تهدأ لأطباء يدخلون ويخرجون باستمرار بأقنعتهم الواقية وقفازاتهم إلى خيمة بيضاء مقامة حديثا.

وتقول متحدثة باسم المستشفى لوكالة فرانس برس "منذ أمس (الاثنين)، نستقبل مرضى قد يكونون مصابين بفيروس +كوفيد (19)+ من دون أعراض قوية". كذلك "تصلنا بزات واقية وكمامات" للطواقم الطبية "لكن ثمة نقص مستمر".

ويوضح غيلن ديل باريو الممرض البالغ 30 عاما لدى خروجه من الدوام الليلي في قسم الطوارئ بالمستشفى، بصوت خافت عبر الهاتف "هذا وضع صعب للغاية، كان لدينا مساء اليوم أناس حرارتهم مرتفعة انتظروا ساعات طويلة في قاعة الانتظار، تطلب الأمر أحيانا مدهم بالأكسجين، كما كان هناك أناس مسنون جدا..."

ويؤكد الممرض "توفي خمسة أشخاص من المصابين بفيروس كورونا خلال الليل"، مضيفا "زملاء كثر يبكون لأن أناسا يموتون وحيدين من دون رؤية عائلاتهم والوقت المتوفر لدينا قصير جدا لمواكبتهم".

ويشير غيلن إلى أن وفاة ممرضة في سن 52 عاما الأسبوع الماضي في منطقة الباسك شمال إسبانيا، وهي الحالة الأولى في الجسم التمريضي في إسبانيا، "تذكرنا بأننا في خطر". هذا الإسباني الثلاثيني متزوج أيضا من ممرضة "مصابة بالفيروس وموضوعة في الحجر الصحي".

إلا أنه يرى أن "العبرة الواجب حفظها ترتبط بأهمية قطاع الصحة العامة: فقد جرى الاستغناء عن عدد كبير من الأسرّة بفعل الاقتطاعات في الميزانية بعد الأزمة الاقتصادية (في 2008) وبتنا نفتقد بشدة حاليا للمعالجين الذين سافروا للعمل في الخارج".

- الجيش ينقل الموتى -

في مركز المعارض الضخم في العاصمة الإسبانية، استصلح الجيش على عجالة "أكبر مستشفى في اسبانيا" مع قدرة على استيعاب 5500 مريض. ولا يمكن للصحافيين معاينة هذا المستشفى الميداني ووحدها سيارات الإسعاف تشي بوجود هذا المركز الاستشفائي.

وفي "بالاسيو دي هييلو" (قصر الجليد)، يدخل عسكريون ببزات واقية على متن مركبات حمراء، إذ إن جثث الموتى ستسجى في قاعة التزلج الواسعة في الموقع، وذلك بعدما استنفدت المنشآت التابعة لخدمات دفن الموتى طاقتها القصوى.

وأمام مبنى مجاور، يعقم موظفون في شركة لدفن الموتى أيديهم بعدما حمّلوا جثة في شاحنتهم الرمادية. ويوضح أحد هؤلاء "هذا ميت +عادي+" وليس جراء فيروس كورونا المستجد، مضيفا "الوضع جنوني، لدينا عمل كثير".

- "لا أحد يعلم أين يختبئ الفيروس" -

وفي وسط المدينة، لا يزال عمال البريد يوزعون الطرود البريدية فيما يبيع الخبازون الخبز ولا تزال أكشاك بيع الصحف مفتوحة.

ويقول كارلوس غارسيا وهو صاحب أحد الأكشاك في منطقة بويرتا ديل سول الشهيرة التي غاب عنها السياح "لم أعد أبيع شيئا، ما يعني أن الناس المنظمين بشدة لم يعودوا يخرجون إلا في ما ندر".

ويضيف الرجل البالغ 58 عاما "أضمن لكم أني ما كنت لآتي إلى هنا لو كنت خائفا. لكني أخاف على عائلتي لأن أحدا لا يعلم أين يمكن أن يختبئ هذا الفيروس".

وفي اليوم العاشر من تدابير الحجر، يقبع 46 مليون إسباني في منازلهم ولا يغادرونها إلا للحاجات الضرورية سواء للعمل أو لشراء الحاجيات الأساسية.

ويقول عامل التوصيل خيسوس سانتا روسا وهو فنزويلي في الثالثة والثلاثين من العمر "الوضع في المدينة محزن. علي أن أرسل المال إلى فنزويلا. وصلت إلى هنا قبل شهر وها أنا في عز الوباء".