لا نعرف بعد إن كان النظام العالمي ما بعد جائحة كورونا أفضل من الذي انقضى أم أسوأ. الثابت إلى الآن أن ما بعد كورونا لن يكون في أي حال شبيهًا بما قبل كورونا.

إيلاف من دبي: يأمل أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة ، أن يصبح العالم أفضل مما كان عليه قبل أزمة كورونا، كاتبًا في مقالة بعنوان "التعافي من أزمة فيروس كورونا يجب أن يؤدي إلى عالم أفضل"، نشرتها صحيفة غارديان: "على دول العالم أن تضمن تعاملًا عالميًا ومنسقًا بقدر كافٍ مع الوباء ثم تؤسس قدرة على المرونة والتعافي من أجل المستقبل". هذا على المستوى الصحي، لكن ماذا سيحصل على المستوى الكلي؟

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل نتجه إلى نظام عالمي أفضل بعد كورونا؟". شارك في هذا الاستفتاء 655 قارئًا، أجاب 332 منهم بـ "نعم"، بنسبة 51 في المئة؛ فيما أجاب 323 منهم بـ "لا"، بنسبة 49 في المئة.

ستغير العالم إلى الأبد

إذًا، ينقسم الناس مناصفة تقريبًا في توقع ملامح مرحلة ما بعد كورونا. يقول هينري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إدارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، إن العالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، متوقعًا اضطرابات سياسية واقتصادية تستمر أجيالًا بسبب هذا الوباء، وتفككًا في العقد الاجتماعي دوليًا.

في مقالة بعنوان "جائحة كورونا ستغير العالم إلى الأبد"، نشرها في صحيفة وال ستريت جورنال، كتب كيسنجر: "تتماسك الأمم وتزدهر عندما يمكن أن تتنبأ مؤسساتها بالكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار. وعندما تنتهي هذه الجائحة، سيُنظر إلى المؤسسات في العديد من البلدان من منطلق فشلها. لا يهم إذا كان هذا الحكم عادلاً بشكل موضوعي. الحقيقة هي أن العالم لن يكون بعد كورونا كما كان قبلها. إن الجدال الآن حول الماضي يجعل من الصعب القيام بما يجب القيام به".

اضاف: "عملت الإدارة الأميركية قويًا لتجنب الكارثة الفورية. والاختبار النهائي هو إذا كان ممكنًا إيقاف انتشار الفيروس ثم عكسه على نطاق يحافظ على ثقة الجمهور في قدرة الأميركيين على إدارة أنفسهم بأنفسهم"، مشددًا على ضرورة ألا تضعف جهود الأزمة، "مهما كانت ضخمة، المهمة العاجلة المتمثلة في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا، فالقادة يتعاملون مع الفيروس من منطلق وطني، لكن تأثيراته التي تذوب في المجتمع لا تعترف بالحدود".

برأيه، الاعتداء على صحة الإنسان سيكون مؤقتًا، "لكنه سينتج اضطرابات سياسية واقتصادية ربما تستمر أجيالًا عديدة، ولا يمكن أي دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، أن تتغلب على هذا الفيروس بجهد وطني محض، بل يجب أن تقترن معالجة ضرورات اللحظة برؤية وبرنامج عالميين. وإذا لم نتمكن من القيام بالأمرين معًا، فسوف نواجه أسوأ ما في كل منهما". بعد هذا كله، لا ندري إن كان كيسنجر يظن أن الآتي أفضل أم أسوأ.

أقل انفتاحًا.. أقل عولمة

في مقالة أخرى بموقع "فورين بوليسي" الأميركي، قال ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، إن الوباء العالمي سيعزز مفهوم الشوفينية، وستتمسك الحكومات بالإجراءات الطارئة المتخذة لمقاومة الوباء ما بعد انتهاء الأزمة، متوقعًا أن لا يساهم الوباء الحالي في تغيير السياسة العالمية التي يطبعها الصراع، فالأوبئة السابقة لم تضع حدًا للتنافس بين القوى العظمى ولم تكن نقطة بداية لحقبة جديدة من التعاون العالمي. وقال: "المعركة ضد الوباء ستقدم عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية". ربما هذا أمر إيجابي في النهاية.

وقال روبن نيبليت، المدير التنفيذي للمعهد الملكي ببريطانيا، إن كورونا ستنهي العولمة الإقتصادية؛ إذ اجبر انتشار الفيروس الحكومات والشركات العملاقة على الدخول في عزلة ذاتية، ما يصعّب العودة إلى العولمة بشكلها القديم.

لكن يقول كيشور محبوباني، الباحث في معهد آسيا للبحوث بجامعة سنغافورة الوطنية، إن هذه الجائحة "لن تؤثر في الاتجاهات الاقتصادية العالمية، لكنها ستسهم في تسريع تغيير كان قد بدأ بالفعل، هو الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول الصين"، لافتًا إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة أصبحت سامة، سواء في ظل حكم الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو غيره، وأثمر انفتاح الصين على العالم انتعاشًا عزز ثقة الشعب الصيني بثقافته، فبات الصينيون يؤمنون بقدرتهم على المنافسة في أي مكان من العالم.

لن يتعلموا

يقول معارضو فكرة العالم الجديد بعد كورونا إن هذه الفكرة تقوم في الأصل على نزعة تجددية، لكن ماذا الذي تغير بعد جائحة الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918؟ ألم يعد العالم بعد سنوات قليلة إلى حرب كونية ثانية أودت بحياة نحو 55 مليون نسمة؟ فماذا تعلم البشر عن قدسية الحياة البشرية أو عن أساسيات الحياة على الأرض؟

لا شك في أن تحديات المرحلة المقبلة لن تكون عادية، وأولها كيفية تجنب تكرار ما حصل، لكنّ عددًا كبيرًا من الناس مؤمن بأن الدول قليلًا ما تتعظ، خصوصًا أن الكثير من هذه الدول ليس ليبراليًا في التفكير المؤدي إلى التطوير. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما أن تتدنى أعداد المصابين بكورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية، بؤرة الوباء الأولى، حتى عاد الناس إلى عاداتهم الأولى بتناول القطط والكلاب وحتى الخفافيش، وهو السبب المعلن حتى الآن لتفشي جائحة كورونا.

في سبيل آخر، أثبتت التجارب التاريخية أن الأوبئة أثرت في الفكر والفلسفة والدين؛ إذ رأى فيها الناس عقابا إلهيًا على فساد إنساني، ما سيعزز الاتجاهات الدينية التي كانت سائدة قبل كورونا، إن في البلدان الإسلامية أو في أوروبا مع اليمين المسيحي المتطرف.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مواقع عدة. الأصول منشورة على الروابط الآتية:

https://www.wsj.com/articles/the-coronavirus-pandemic-will-forever-alter-the-world-order-11585953005

https://foreignpolicy.com/2020/03/20/world-order-after-coroanvirus-pandemic/

https://www.forbes.com/sites/kenrapoza/2020/04/03/the-post-coronavirus-world-may-be-the-end-of-globalization/#378f57c17e66

https://www.theguardian.com/world/2020/mar/31/how-will-the-world-emerge-from-the-coronavirus-crisis