تايبيه: شددت رئيسة تايوان تساي إنغ-ون في خطاب بمناسبة تنصيبها وللاحتفال بنجاح الجزيرة في مكافحة فيروس كورونا المستجد، الأربعاء أنه على بكين أن تجد طريقة للعيش بسلام جنبا إلى جنب مع تايوان ديموقراطية لن تقبل قط بالخضوع للحكم الصيني.

وكانت تساي حققت فوزا ساحقا في انتخابات يناير، لتتولى الرئاسة لولاية ثانية في نتيجة شكّلت ردا واضحا من الناخبين على حملة بكين المتواصلة لعزل الجزيرة.

تثير تساي حفيظة بكين لأنها تعتبر تايوان دولة ذات سيادة بحكم الأمر الواقع، لا جزءا من "الصين الواحدة". ومنذ وصولها إلى السلطة عام 2016، رفضت الصين التحاور معها وكثّفت الضغوط الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية على الجزيرة.

وتؤكد بكين أن تايوان جزءا من أراضيها وتعهّدت بالسيطرة عليها بالقوة، إذا لزم الأمر.وتتطلع الصين إلى تطبيق نموذج قائم على مبدأ "بلد واحد بنظامين" كما هو الحال مع هونغ كونغ، الذي من شأنه أن يسمح لتايوان بالمحافظة على بعض الحريات مع خضوعها لسلطة الصين القارية.

لكن تساي أوضحت فأن تطبيق هذا المبدأ في تايوان غير مقبول. وقالت في خطاب "لن نقبل باستخدام سلطات بكين (نموذج) +بلد واحد بنظامين+ للتقليل من شأن تايوان وتقويض الوضع الراهن عبر المضيق".

جددت دعوتها إلى بكين للتحاور بينما حضّت الرئيس الصيني شي جينبينغ على العمل معها لتخفيف التوتر. وقالت "لدى الجانبين مهمة إيجاد طريقة للتعايش على الأمد الطويل ومنع ارتفاع منسوب العداوة والخلافات".

وحُكمت تايوان (التي تعرف رسميا بجمهورية الصين) بشكل منفصل عن البر الرئيسي الصيني منذ 1949 بعدما خسر القوميون الحرب الأهلية أمام الشيوعيين وهربوا إلى الجزيرة لتأسيس حكومة موازية.

وعلى مدى عقود، اعتبر قادة تايوان أنفسهم الممثلين الحقيقيين للصين بأكملها رغم اعتراف غالبية الدول دبلوماسيا ببكين.

لكن مع انتقال الجزيرة إلى الديموقراطية منذ تسعينات القرن الماضي، ظهرت هوية تايوانية فريدة ولم يعد كثيرون يسعون لأي شكل من أشكال التوحيد مع الصين.

أثار الأمر قلق بكين التي تشدد على أن أي إعلان استقلال رسمي من قبل تايوان سيشكّل تجاوزا للخط الأحمر. وعلى الرغم من قربها جغرافيا واقتصاديا من الصين، تمكّنت تايوان من احتواء فيروس كورونا المستجد على أراضيها. وقد أعلنت عن 440 إصابة بينهم سبع وفيات.

جبهة ضغط جديدة ضد الصين
مع نجاحها الملحوظ في مكافحة فيروس كورونا المستجد واعتمادها لقيم ديموقراطية، تحظى تايوان بدعم قوي من الولايات المتحدة التي تحرص قيادتها على تقديم هذه الجزيرة كنموذج بمواجهة الصين.

إلا أن الخبراء يشككون في أن يكون لهذا الدعم أثر ملحوظ بالنسبة الى تايوان، بل يخشون أيضاً أن يرتد عليها، في حال أرادت بكين أن تعيد النظر بعلاقتها المعقدة مع الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، من بوابة التوتر المتصاعد مع واشنطن.

ويتلمس بعض المسؤولين الأميركيين تغيراً في سياسة تايوان التي كانت لوقت طويل موالية لبكين، مع إعادة الانتخاب المدوية للرئيسة تساي إينغ-وين، التي ترفض مبدأ الصين القائل إن الجزيرة تنتمي إلى "الصين الواحدة".

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان مع إعادة تنصيب إينغ-وين لولاية ثانية الأربعاء "شجاعتها ورؤيتها في قيادة ديموقراطية تايوان الحيوية تشكل مصدر إلهام للمنطقة والعالم".

واعتبرت الصين الأربعاء موقف بومبيو خطوة "خاطئة بل وخطيرة للغاية". وقالت وزارة الدفاع الصينية في بيان إن "الخطوة الأميركية (...) تتدخّل بشكل خطير في شؤون الصين الداخلية وتضر بشكل خطير بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان".

يتشارك الحزبان الأميركيان الرئيسيان هذا الموقف إزاء الرئيسة التايوانية، إذ كتب المرشح الديموقراطي لرئاسة الجمهورية جو بايدن رسالة تهنئة مماثلة لتساي إينغ-وين قال فيها إن "ديموقراطية تايوان المزدهرة واستجابتها لوباء كوفيد-19 تشكلان مثالاً للعالم أجمع".

وقبل ذلك بيوم، ندد بومبيو بشدة بمنظمة الصحة العالمية لاستبعادها تايوان من جمعيتها السنوية، في وقت يهدد فيه الرئيس دونالد ترامب بتعليق عضوية بلاده في هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة لاعتباره أن استجابتها للوباء كانت بطيئة.

وعمد ترمب في الأسابيع الماضية على مهاجمة منظمة الصحة العالمية والصين حيث ظهر فيروس كورونا المستجد أواخر العام الماضي، وسط انتقادات لطريقة إدارته لتفشي الوباء في الولايات المتحدة التي ارتفع فيها عدد الوفيات حتى 92 ألفاً، الأعلى في العالم.

تعتبر الصين تايوان، التي فر إليها القوميون الصينيون بعد هزيمتهم في عام 1949، مقاطعة صينية تسعى لضمها، ولو لزم الأمر، بالقوة، كما سعت مراراً لاستبعادها من المنظمات الدولية.

مركز جديد للتناحر الصيني -الأميركي؟
رغم قربها من الصين وعلاقاتها التجارية معها، لم تسجل تايوان إلا سبع وفيات بوباء كوفيد-19، بعد فرضها في وقت مبكر من بدء تفشي الفيروس تدابير قاسية من ضمنها حجراً صحياً إلزامياً لكل الوافدين إلى الجزيرة.

شكك أبراهام دنمارك مدير برنامج آسيا في "مركز وودرو ولسون الدولي للعلماء"، في أن تكون الصين قلقة بشدة من التصريحات الأميركية في هذه المرحلة، فهي نجحت في إبقاء تايوان خارج منظمة الصحة العالمية، فيما خففت من وطأة الانتقادات ضدها عبر موافقتها على إجراء المنظمة تحقيقاً بشأن مصدر الوباء.

واعتبر دنمارك أن "الخطر يكمن في أن تبدأ واشنطن أو بكين برؤية تايوان من زاوية منافستهما الاستراتيجية المحتدمة". وأضاف "إذا حصل ذلك، ستتصرف بكين بشكل أكثر عدوانية ضد ما ترى أنه محاولات واشنطن استخدام مسألة تايوان لتقسيم جمهورية الصين الشعبية، وإضعاف الحزب الشيوعي الصيني، واحتواء صعود الصين".

ولم تتردد إدارة ترامب في شن هجمات ضد الصين على عدة جبهات، من التجارة إلى الدفاع وصولاً إلى السباق في مجال تطوير الجيل الخامس من الانترنت.

ورغم موقفها المنحاز إلى تايوان، لم تتخل إدارة ترامب عن سياسة الاعتراف ببكين فقط القائمة منذ أربعة عقود، رغم أن القوانين الأميركية تتيح بيع الأسلحة لتايوان لتأمين قدراتها في الدفاع عن النفس. لكن رأى دنمارك أن الوباء قد يشكل نقطة تحول في طريقة مقاربة الدول لصعود الصين ورؤية ذلك بمنظور أكثر تشكيكاً.

وقال إنه "في الوقت نفسه، قد يزداد استعداد المجتمع الدولي إلى التعامل مع تايوان وفق الأسس نفسها للعلاقة التايوانية-الأميركية غير الرسمية، نتيجة لأداء تايوان الرائع خلال الوباء، رغم المعاملة السيئة التي نالتها من الصين".

دعم أميركي واسع
بعد سنوات من التقارب والتودد من المسؤولين الأميركيين ومراكز الأبحاث والصحافيين، نجحت تايوان في انتزاع الدعم من الأطياف السياسية الأميركية كافة.

وتسترعي خصوصاً المبادئ التقدمية لتساي التي تلقت تعليمها في الغرب، انتباه حزب بايدن الديموقراطي، فهي من بين أبرز المناصرين لحقوق المثليين في آسيا. وأقر الكونغرس بالإجماع في مارس قانوناً يجعل الدعوة إلى ضم تايوان إلى المنظمات الدولية سياسية أميركية.

في الوقت نفسه، يشير راين هاش كبير مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما حول الصين وتايوان إلى أن إدارة ترمب أضعفت موقف الولايات المتحدة بتهديدها قطع كافة تمويلاتها لمنظمة الصحة.

وقال إن "الموقف المبدئي" باسم تايوان في منظمة الصحة العالمية متوافق مع سياسة أميركية طويلة الأمد، وليس مرجحاً أن يؤثر على علاقات تايبيه وبكين. إلا أنه أوضح أن الولايات المتحدة لا يمكنها في نهاية المطاف تحقيق نتائج لتايوان في المنظمات الدولية بدون موافقة من الصين.

وأضاف هاس الذي يعمل باحثاً في مركز "بروكينغز" أن "بكين قبلت في الماضي بمثل هذه الترتيبات وتعاملت مع موقفها من هذه المسائل على أنه ورقة ضغط للتأثير على سياسات تايوان".

من جهتها قالت إليزابيث إيكونومي من "مجلس العلاقات الخارجية" إن تايوان لطالما تمتعت بدعم كبير من واشنطن، إلا أن الإدارات السابقة كانت قلقة من الإخلال في "التوازن الهش" بين الصين وتايوان والولايات المتحدة.

ولفتت إلى أن "إدارة ترمب غير معنية بالسوابق التاريخية"، مضيفةً أن "أداء تايوان النموذجي استجابة لوباء كوفيد-19 رفع من مكانتها لدى الإدارة الاميركية".