بيروت: تكثّف فرق الانقاذ المحلية والأجنبية الجمعة جهودها في مرفأ بيروت للعثور على المفقودين الذين تعيش عائلاتهم ساعات انتظار صعبة، غداة توقيف السلطات مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة المرفأ والجمارك للتحقيق معهم.
وبينما بدأت المساعدات الدولية تجد طريقها إلى لبنان، تعقد فرنسا في الأيام القليلة المقبلة مؤتمرا دوليا لدعم لبنان، وفق ما أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون خلال زيارته الاستثنائية الخميس إلى بيروت، حيث دعا القادة السياسيين الى ميثاق سياسي جديد وتغيير عميق في أدائهم.
ولم يستفق لبنان بعد من هول التفجير الضخم الذي ضرب الثلاثاء مرفأه، المرفق الحيوي الذي تعتمد عليه البلاد لاستيراد الجزء الأكبر من احتياجاتها الأساسية، في فاجعة أودت بحياة 154 شخصاً، بعد انتشال أربع جثث جديدة من تحت الأنقاض، وتسبّبت بإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين.
في مرفأ بيروت، الذي أصبح أشبه بساحة خردة ضخمة، انهمك عمال إنقاذ منذ ساعات الصباح الأولى بمواصلة البحث عن مفقودين بين جبال من الأنقاض وأكوام الحبوب التي انتشرت في كل مكان في محيط الإهراءات المتداعية جراء الانفجار.
وشاهد مراسل وكالة فرانس برس في موقع البحث آليات ثقيلة وجرافات تعمل على رفع الركام وقطع القضبان الحديدية الضخمة ونقل حاويات الشحن، تمهيداً لفتح ممر بين الأنقاض ومحاولة الوصول الى العالقين من موظفي المبنى.
وتبحث فرق إنقاذ فرنسية وإيطالية وألمانية وروسية في الموقع عن سبعة موظفين على الأقل كانوا يعملون في غرفة الإدارة والتحكّم في اهراءات القمح بينهم غسان حصروتي، الموظف في المرفأ منذ 38 عاماً.
وكتبت شقيقته إميلي حصروتي على حسابها على تويتر "أنتظر خبر انتشالك حيّاً يا حبيبي، لم تخيّب أملي يوماً وأنت أخي الأكبر والأجمل والأكرم. لم أترك باباً لم أطرقه لأعرف ما حلّ بك، والآن وقد اقتربت اللحظة المنتظرة أجدني مرعوبة حتى الشلل".
وأضافت "عدْ يا نور عيني بخير، نحن بانتظارك".
"صدمة نفسية"
في موقع الانفجار، يخرق صوت الجرافات الهدوء وسط الدمار الكبير. هياكل سيارات وحاويات في كل ناحية وصوب، وأكوام ركام وحديد وبضائع مبعثرة، بينها أكياس من البطاطس المقرمشة وجبال من حبوب الضرة.
وتسبّب الانفجار بتشريد نحو 300 ألف شخص من سكان العاصمة ممن تصدّعت منازلهم أو تضررت بشدة، وفق محافظ بيروت مروان عبود، الذي قدّر كلفة الدمار بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير الخميس إن من بين المشردين نحو ثمانين ألف طفل. وأوضحت "من المحتمل أن يكون من بين الضحايا أطفال وأولئك الذين نجوا يعانون من الصدمة النفسية".
ويخيم الحزن على شوارع بيروت المتضررة وسكانها والعابرين فيها. ولا يتمكن كثر من حبس دموعهم من شدّة التأثر والحزن أثناء تجولهم أو قيادة سياراتهم. وعلى شاشات التلفزة المحلية، تتحدث أمهات وزوجات واصدقاء مفجوعون بخسارة أحبائهم.
في مستشفى ميداني روسي، كانت خيامه العشرون قيد الانشاء الخميس في ملعب المدينة الرياضية في جنوب بيروت، بدأ توافد مصابين لتلقي العلاج حيث يستقبلهم مسعفون وطواقم طبية.
في إحدى الخيام، يتلقى طفل سوري لاجئ في الثالثة من عمره العلاج بعدما أصيب جراء سقوط الزجاج على رأسه. وفي خيمة أخرى، رجل مسن (93 عاماً) يشكو من آلام في الصدر والضهر جراء قوة الانفجار.
وتجري الأجهزة القضائية اللبنانية تحقيقاً في الانفجار الذي قالت السلطات إنه ناجم عن تخزين 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم منذ ست سنوات.
وأعلن مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي الخميس توقيف 16 شخصاً بينهم مسؤولون رفيعون في مرفأ بيروت على ذمة التحقيق، على خلفية الانفجار.
ومن بين الموقوفين، وفق ما قال مصدر أمني لفرانس برس، رئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم.
وتمّ استجواب أكثر من 18 شخصاً، وفق عقيقي، من "مسؤولين في مجلس إدارة مرفأ بيروت وإدارة الجمارك ومسؤولين عن أعمال الصيانة ومنفذي هذه الأعمال في العنبر رقم 12" حيث تمّ تخزين نيترات الأمونيوم، إضافة "إلى مواد ملتهبة سريعة الاشتعال وكابلات للتفجير البطيء".
وأوعز مصرف لبنان إلى المصارف تجميد حسابات سبعة من مسؤولي وموظفي المرفأ على الأقل، وصدر قرار قضائي بمنعهم من السفر.
وبينما كانوا يتابعون بعجز انهيار الاقتصاد في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهش الذي أضيف إليه وباء كوفيد-19، أتى انفجار مرفأ بيروت ليشكل أكبر كوارث اللبنانيين.
وحمل اللبنانيون مسؤولية الإنفجار للسلطة الحاكمة، التي انتفضوا ضدها قبل أشهر مطالبين برحيلها. واندلعت ليلاً مواجهات محدودة بين عشرات الشبان الغاضبين والقوى الأمنية في وسط بيروت.
تحقيق دولي
دعت جهات عدة بينها منظمات دولية في بيروت أبرزها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية إلى إجراء تحقيق دولي لكشف ملابسات الإنفجار الضخم.
وأعرب الرئيس الفرنسي خلال زيارته بيروت عن تأييده "إجراء تحقيق دولي مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الأمور أولاً ولمنع التشكيك".
وخلال زيارة لبيروت استمرّت ساعات الخميس، دعا ماكرون المسؤولين اللبنانيّين المتّهمين بالفساد والعجز وهدر المال العام، إلى "تغيير عميق" عبر "تحمّل مسؤوليّاتهم" و"إعادة تأسيس ميثاق جديد" مع الشعب لاستعادة ثقته.
والى جانب رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، التقى ماكرون في اجتماع موحّد ثمانية من رؤساء أبرز الكتل السياسية، بينهم ممثل عن حزب الله الذي يتحدث أمينه العام حسن نصرالله عصر الجمعة.
واستمع ماكرون إلى غضب اللبنانيّين خلال جولة له في شارع متضرّر في العاصمة، معلناً عن مؤتمر دوليّ لتقديم المساعدة إلى المتضرّرين "في الأيام المقبلة".
ومن المقرر أن تصل الجمعة مساعدات من إيران والإمارات والسعودية إلى لبنان يوم الجمعة بعد وصول مساعدات من فرنسا وروسيا وقطر والكويت ودول أخرى.
التعليقات