في منتصف كل أغسطس، نتذكر في إيلاف راحلًا كبيراً. إنه غازي عبد الرحمن القصيبي، السياسي الليبرالي والدبلوماسي والأكاديمي والمحامي والأديب الروائي والشاعر السعودي. إيلاف تسجل في الذكرى شهادات حياة عن الراحل الكبير، وتنبش في أوراق قديمة عن سيرة عطاء لا ينضب.

إيلاف: في "تويتر" صفحة باسم الوزير والأكاديمي والسفير والشاعر والروائي والكاتب السعودي الراحل غازي القصيبي، تنقل في تغريداتها الكثير مما قاله الراحل، وتعرف عن نفسها بأنها "صفحة اقتباسات غازي القصيبي".

في سلسلة من التغريدات على هذه الصفحة سجل عن علاقة ثرية وجميلة ربطت بين القصيبي وعثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها؛ جميلة لأن فيها من التناقضات ما يجمع ولا يفرق، وثرية لأن هذه التناقضات تتحول قشورًا فيما الجوهر يكمن في ما وجده كل منهما في الآخر من رفقة الكلمة الحرة، بلا قيد أو شرط.

مرحٌ كان القصيبي، خصوصًا حين أفشى سرّ كلمة العمير "يا مولانا". فبحسبه، ليست هذه تفخيمًا، إنما هي دليل على أن العمير لا يتذكر اسم محدثه، أو لا يريد تذكره، فالعمير – بحسب القصيبي – لا يتذكر اسماء من لا يستطلفهم.

أراح واستراح!
يتذكر القصيبي أيام رئاسة العمير لتحرير صحيفة "الشرق الأوسط" وطريقته "الثورية" في إدارة جريدة كانت قبلة العرب الباحثين عن الخبر وتداعياته، عن النبأ وتردداته. تنبئ ذكريات القصيبي هذه الكثير عن شخصية الصديقين الزميلين، وعن طينة رجلين صنعا للخبر العربي مهابته، بالكلمة القصيبية الرمح، وبالطريقة العميرية الفريدة.

يقول القصيبي: "صديقنا عثمان العمير ودّع رئاسة تحرير الشرق الأوسط الغرّاء، فأراح واستراح. لا بُدّ أن أقول للتاريخ: إن رئاسته كانت من نوع فريد: الاستشعار عن بعد. كان يحمل الكومبيتر في يد، والموبايل في يد، ويضرب في الآفاق. يقرّر، وهو في طوكيو، كيف ستظهر الصفحة الأولى".

يضيف في تغريدة ثانية: "ويأمر، وهو في مراكش، بحذف صورة هذا السفير، أو ذاك (الأغلب هذا السفير!) ويوافق أو لا يوافق، وهو في طائرة تعبر المحيط الهادي، على نشر هذا الموضوع أو ذاك. وهكذا، وألّا فلا تكون اللامركزية!"

يا مولانا
بحسب القصيبي، "أثبت عثمان العمير، بالدليل الحيّ، أن كل نظرياتي في الإدارة خطأ في خطأ، أؤمن بالتقيد الدقيق بالمواعيد، ولم يتقيد عثمان، عبر حياته كلّها، بموعد واحد. أؤمن بالدوام من الساعة الأولى إلى الأخيرة، ولم يداوم عثمان، في حياته كلها، يومًا كاملًا واحدًا".

يؤمن القصيبي بالعلاقات الإنسانية، "ولا يؤمن عثمان إلا بالعلاقات مع الذين يستلطفهم (وعددهم محدود جدًا). وعلامة الاستلطاف عند عثمان أن يتذكر اسم محدثه، إذا قال لك: ’يا مولانا!‘ فاعرف، يا مولانا، أن عثمان لا يتذكر اسمك، ولا يود أن يتذكر".

قراءة ما لا يُقرأ
يتابع القصيبي: "لا بأس! لا أعتقد أني أصلح صحفيًا ناجحًا (أو فاشلًا). لم يدّعِ عثمان أنه يصلح بيروقراطيًا ناجحًا (أو فاشلًا ). بعد هذا كله، وهذا كله حق، تبقى كلمة حق لا بد من قولها بعد أن فقد صاحبنا القدرة على حذف صورة هذا السفير أو ذاك.. أو قصيدته. ترك عثمان حيث حلّ من الصحافة بصمات لا تمحى".

يضيف القصيبي: "أستطيع أن أقول بلا مبالغة إنه كان أول من أدخل عنصر الإثارة الحقيقية في الصحافة السعودية.كان أول من أغرى القارئ بقراءة ما لا يُقرأ، وبفهم وما لا يفهم. هذا الإنجاز يغفر له ما سببه لي من عذاب وأنا أبحث عنه، عبثًا، كل صباح في مكتبه. ويغفر له أنه لم يجيء إلى دعوة من دعواتي إلّا متأخرًا".

يختم القصيبي تغريداته: "هذا إذا جاء! يا أبا عفان! سنفتقدك عندما نقرأ، في الصباح، ’خضراء الروابي’. أما في المساء، فأعاننا الله على وجودك معنا (هذا إذا جئت!)".