يبدو أن التعليم عن بعد ليس تجربة ناجحة، حتى الساعة، عربيًا على الأقل، فثمة مشكلات كثيرة تحول دون تحصيل الطلاب ما عليهم تحصيله من خلال هذا النمط الجديد في تلقي العلوم.

إيلاف من بيروت: فرضت جائحة كورونا نمطًا جديدًا من الحياة على الصعد المختلفة، لكن أكثر من تأثر بها هي فئة الطلاب بالمراحل التعليمية كافة، إذ اضطر الطلاب إلى الجلوس في المنازل، وتلقي التعليم عن بعد. لكن يبد أن هذه التجربة لم تكن ناجحة إلى الآن.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل أنت مقتنع بفاعلية التعليم عن بعد؟" قال 25 في المئة فقط من المستجيبين للاستفتاء إنهم مقتنعون، في مقابل 75 في المئة أجابوا بـ "لا"، معبرين عن عدم اقتناعهم بفعالية هذه المقاربة التعليمية.

غير راضين

في المغرب، أظهرت نتائج دراسة حول نجاعة التعليم الجامعي عن بُعد خلال فترة الحجر الصحي أن 79 في المئة من الطلبة الجامعيين راضون إلى حدّ ما، أو غير راضين تمامًا عن النتائج.

وفق النتائج الأولية للدراسة التي أنجزها ستة أساتذة بالتعليم العالي وشملت 200 أستاذ جامعي و1340 طالبًا، 10 في المئة فقط من الطلبة عبّروا عن ارتياحهم لما تحقق، وقال 28.4 في المئة من الطلبة إنهم تأخروا جدًا في مواكبة المقرر الدراسي، في مقابل 8.3 في المئة قالوا إنهم واكبوا دروسهم بشكل عادي. وقال طالبان من كل ثلاثة طلاب إنهم عانوا مشكلات في الاتصال بشبكة الأنترنت.

تعليقًا على التجربة الفتية، قال الدكتور خالد كموني، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث)، لـ "إيلاف" إن التعليم عن بُعد تجربة اضطرارية، "أجبرتنا عليها ظروف جائحة كورونا، وهي ربما حققت قليلًا من التواصل بين الأستاذ والطالب، لكنها لم تجاوز بالفعل تقنية التواصل إلى مرحلة تحقيق المُراد من الحصة التعليمية وأهدافها، إضافةً إلى عوائق التخلف العامة في البلاد، من ضعف الشبكة، والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، وعدم قدرة شريحة كبيرة من الطلاب على اقتناء أجهزة كومبيوتر أو هواتف ذكية خاصة"، لذا يؤكد أنه غير مقتنع بجدوى هذه التجربة، إلا في حال توافرت سبل إنجاحها.

اللقاء المباشر ضروري

ثمة من يضيء على مزايا للتعلم عن بعد، أبرزها أنه يوفر مادة علمية للطلاب طوال الوقت ويسمح بالتواصل بين المعلمين والطلاب طوال الوقت، فلم يعد التواصل بينهم يقتصر على ساعات اليوم الدراسي.

ويقول متحمسون لهذه التجربة إن التعليم عن بعد يحد من القلق والتوتر الذي يتعرض له الدارسون في مواقف التعلم التقليدية، ويمنحهم هدوءًا يساعدهم على التركيز.

لكن كموني يتحدث عن أسباب اجتماعية –نفسية تدفعه إلى عدم الاقتناع بالتعليم عن بعد. يقول إن الهدف التربوي يحتاج إلى اللقاء المباشر، وإلى تحقيق الغاية الشعورية الجسدية اللمسية الأدائية التعبيرية لتوصيل المعلومة.

يقول: "الفلسفة مثلًا ليسة رزمة معلومات، بل حبكة تعريف بكل معلومة في هذا الكون، وهنا أهمية حضور الفاعل، لأن التفاعل هو الأساس لتحقيق أساس التفلسف وهو الجدل".

آراء متعارضة

يبدو أن كموني لا يوافق آراء الأساتذة المغاربة الذين شاركوا في الدراسة المذكورة أعلاه. فقد رأى 66.6 في المئة من هؤلاء الأساتذة الذين شملتهم الدراسة أنهم راضون، عمومًا، عن النتائج المحققة من التعليم عن بُعد.

وعبر 61.5 في المئة من هؤلاء الأساتذة عن عدم موافقتهم الآراء التي تقول إن التعليم عن بُعد لم ينجح في تعويض التعليم الحضوري.

نظرًا إلى الوضع الراهن الآني للكورونا، يأمل كموني بسياسة عربية "تقرر وتفرض على وزارات الطاقة والتربية إلزامية تأمين الكهرباء الدائمة، وتقوية شبكات البث والانترنت، وتأمين أجهزة الحاسوب الشخصي لكل طالب، عندئذ يمكننا الحديث عن تعليم من بعد".

ويؤكد كموني لـ "إيلاف" ضرورة تأهيل برامج مرجعية تعليمية متخصصة لكل فرع من العلوم، "قابلة لأن تعطى عن بعد، وتغيير قاعدة الامتحان، وتجديد المناهج التربوية العربية بما يتلائم مع هذا الفعل الطارئ، وحتى تأهيل المعلمين لتقددم المناهج المقررة بأسلوب يختلف عن الأسلوب التقليدي في التعليم".