ربما لا تكون المعارضة البيلاروسية قوية بما يكفي لتسيّد المشهد السياسي، لكنها تمكنت فعليًا من ضعضعة نظام ألكسندر لوكاشنكو، الذي اضطر اليوم إلأى تنفذي مراسيم تنصيبه رئيسًا سرًا بلا إعلان مسبق.

مينسك: لم يواجه ألكسندر لوكاشنكو يوما طوال 26 عاما حكم فيها بيلاروسيا بلا منازع، معارضة بحجم التي تتصدى له اليوم، غير أنه يتمسك بأسلوبه القيادي المطلق، رافضاً الاستسلام رغم موجة الاحتجاجات التي انطلقت منذ الانتخابات الرئاسية ولم تضعف بعد.

وفي مؤشر على وجود جو من القلق، أقسم لوكاشنكو الأربعاء اليمين سرياً وبدون إعلان مسبق. يقول معارضوه إنه كان يخشى أن تخرب التظاهرات حفل التنصيب.

أما هو فيعتبر، على العكس، أنه كسب اللعبة.

وأعلن الأربعاء مرتدياً الزي الرسمي في كلمة إلى عسكريين "أنقذتم السلام على هذه البقعة من الأرض، دافعتم عن سيادة واستقلال بلدنا"، في إشارة إلى مؤامرة غربية تقف خلف حركة الاحتجاج الأخيرة التي تريد إخراجه من السلطة.

ويتهم الرئيس البالغ من العمر 66 عاما بتزوير الانتخابات السابقة أو حتى بقتل معارضين. غير أن مدير المزرعة التعاونية (كولخوز) السابق لم يعد يوحي بالرعب في الجمهورية السوفياتية السابقة البالغ عدد سكانها 9,5 ملايين نسمة.

وفي الليالي الأربع الأولى التي تلت إعلان فوزه بولاية رئاسية سادسة بـ80% من الأصوات في انتخابات اتهمته المعارضة بتزويرها، قامت قوات مكافحة الشغب بقمع الاحتجاجات بعنف.

غير أن التعبئة ضده اشتدت وتتواصل رغم ضغط الشرطة، ففي كل نهاية أسبوع، ينزل عشرات الآلاف للتظاهر سلمياً في كافة أنحاء البلاد مطالبين بتنحي لوكاشنكو.

واعتبرت الفائزة بجائزة نوبل للأدب البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش في آب/أغسطس أن "هذا شعب مختلف تماماً، يتمتع بقوة غير معهودة. لقد خيب أملي مرات عدة سابقاً، لكن الآن، لم يعد الأمر كذلك".

وتنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي كما في التجمعات العامة التعليقات الساخرة ضد لوكاشنكو، فيوصف بـ"الصرصار ذي الشاربين" و"ساشا 3%" نسبة إلى اسمه ومعدل التأييد له بحسب تقدير معارضيه.

وألقى لوكاشنكو خطابا قبيل الانتخابات وصف نفسه فيه بأنه أب الأمة يبادله أولاده بنكران الجميل. وقال "أطعمتهم جميعهم من أحشائي".

وحظي لوكاشنكو الذي لقّب لفترة طويلة "باتكا" (الأب) بشعبية حقيقية في الفترة الأولى من حكمه، وخصوصا في المناطق الريفية وبين الأجيال التي كانت تحنّ إلى الحقبة السوفياتية.

وبعدما تولى إدارة مزارع تعاونية في الثمانينات، انتُخب رئيسا عام 1994 بعد استقلال البلاد، بناء على رسالة شعبوية تتعهد بمكافحة الفساد.

رفض أخذ البلاد في منحى رأسمالي، مفضلا الإبقاء على نظام سياسي واقتصادي من وحي سوفياتي. فأبقى على اسم "كاي جي بي" لجهاز الأمن وواصل مضايقة المعارضة وكبت حرية التعبير.

ولا يزال لوكاشنكو إلى اليوم يفرض هذا النظام مؤكدا أن البلاد بدونه "تنهار".

غالبا ما ينشر الرئيس صورا له في حقل أو باللباس العسكري أو في ميدان هوكي. ويوصي في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد بأخذ حمامات ساونا والعمل في الزراعة وشرب القليل من الفودكا.

وخلال الانتخابات الأخيرة، واجه لوكاشنكو الحريص على صورته الذكورية، فريقا من ثلاث نساء بقيادة المرشحة سفيتلانا تيخانوفسكايا التي حلت في السباق الرئاسي محل زوجها المسجون ونجحت في استقطاب حشود غفيرة من المؤيدين.

وتؤكد تيخانوفسكايا التي انتقلت إلى المنفى في ليتوانيا أنها "مستعدة ... للعمل كزعيمة وطنية" وأنشأت مجلس تنسيق للمعارضة.

في السنوات الأخيرة، واجه لوكاشنكو توترا غير مسبوق مع الشقيق الأكبر الروسي، دفعه إلى اتهام موسكو بإرسال مسلحين مرتزقة لمساعدة المعارضة على افتعال "مجزرة" قبل الانتخابات.

غير أنه مع تزايد الصعوبات بدّل نبرته ويحاول تلطيف الأجواء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعهد من مينسك بدعم أمني إذا لزم الأمر، وبقرض لبيلاروسيا قيمته 1,5 مليار دولار لدعم الاقتصاد.

ويتهم لوكاشنكو الآن الغربيين بأنهم يريدون الإطاحة به للسيطرة على بيلاروسيا واستخدامها في حرب ضد موسكو.

ويهدد الاتحاد الأوروبي من جهته بفرض عقوبات على مينسك لكنه لم يتمكن من اتخاذ قرار بهذا الصدد بسبب انقسامات داخلية.

وتعهد الرئيس البيلاروسي بدوره بإجراء إصلاحات دستورية لوضع حد للأزمة، رافضاً في الوقت نفسه الحوار مع المعارضة.