إيلاف من الرباط : توفي، الأحد، بالرباط، المحجوبي أحرضان، السياسي المغربي المخضرم والشاعر والفنان التشكيلي، عن عمر يناهز 100 سنة، وذلك بعد معاناة مع المرض.
وقال حزب الحركة الشعبية، الذي أسسه الراحل، على حسابه الرسمي بــ"فيسبوك"، إنه تلقى ببالغ الحزن والأسى خبر وفاة المحجوبي أحرضان "السياسي الكبير" و"رجل الدولة بامتياز".
وعُرف عن أحرضان، الذي لقب بـ"الزايغ" كما وصف بـ"سيزيف السياسة المغربية"، أنه "ملكي حتى النخاع، ومغربي حتى الثمالة"، هو الذي عايش ثلاثة ملوك: محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس.

شهادة
كتب الإعلامي حاتم البطيوي، على حسابه الشخصي بـموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، شهادة قوية ومؤثرة، اختصر بها علاقته بالراحل ومسار وسيرة رجل طبع تاريخ المغرب على مدى عقود طويلة: "ربطتني بالراحل علاقة صداقة منذ ساعدته في إحدى مواسم أصيلة الثقافية في عقد الثمانينيات، أنا وصديقي، محمد اولاد محند، الذي أصبح مخرجا ومنتجا سينمائيا معروفا، في تعليق لوحاته الفنية في معرض أقيم تحت عنوان "أحرضان مراجعة لأعماله". كان أحرضان وقتها وزيرا للتعاون. في عام 1990، بعد عودتي من سنة تدريبية في عاصمة الضباب لندن، في رحاب جريدة "الشرق الأوسط" بهاي هولبورن، كان من حظي أنني غطيت المؤتمر الصحافي الأول لأحرضان بعد سنوات من عبور الصحراء. كما غطيت لصحيفتي المؤتمر التأسيسي لحزب الحركة الوطنية الشعبية، الذي أقيم في فندق "النفيس" بمراكش. ومن هناك توطدت علاقتنا أكثر، وأجريت معه ما يزيد عن 10 حوارات صحافية، لدرجة أنني حضرت أحد اجتماعات قيادة الحركة الوطنية الشعبية في بيته لمناقشة مشاركة الحزب في إحدى الحكومات، ومن هم وزراء الحزب في الحكومة المرتقبة. وبما أن المجالس بالأمانات لم أنشر سطرا عما دار في ذلك اللقاء. مرت أمام عيني أشياء، وشاهدت شخصيات كيف كانت تتملقه أملا في الحصول على منصب وزاري. لكن بمجرد ما تحصل على مبتغاها تتلون، وتستأسد، ويصبح أحرضان فوضويا، وكما نقول بالدارجة المغربية "يتْسرح اللسان". الذكريات مع أحرضان تتطلب كتابا .. أذكر يوم توفي الملك العظيم الحسن الثاني، شاهدت أحرضان في نشرة الأخبار الليلية، وهو ينعي الملك الفقيد وقد توقف الدمع في مآقيه، وأصبح الكلام مستعصيا. وقتها كلمته هاتفيا من لندن، وأنا مكلوم مثل كل أفراد شعب المغرب الأبي من هذا الفقد، وقلت له "لقد أبكيتني يا السي أحرضان". أحرضان أو "الزايغ"، كما يلقب، ملكي حتى النخاع، ومغربي حتى الثمالة، عايش ثلاثة ملوك (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس). أنهى مساره السياسي بالاندماج في الحركة الشعبية بعد سنوات من الانشقاق والخلاف، لكنه لم يرغب أبدا في أن يرحل من دون أن يترك الحركة الشعبية، التي أسسها في سنوات استقلال المغرب الصعبة، مرصوصة البنيان، مسلما المشعل لمحند العنصر، الذي أزاحه عام 1986 في مؤتمر عقد بمسرح محمد الخامس، عن قيادة الحركة، في إطار ما سمي آنذاك بـ"حركة الأمناء الثمانية". فأضحت خلافات الحركيين من الماضي، وبدا لـ"سيزيف السياسة المغربية" أنه آن الأوان لكي يستريح وينهي كتابة مذكراته ويرسم لوحاته السوريالية.
في 3 مارس 2015 مات نصف أحرضان برحيل زوجته السيدة مريم .. توجهت إلى بيته رفقة معالي الأستاذ محمد بن عيسى لتقديم واجب العزاء لكن حارس بيته أبلغنا ان حالته تحول دون استقباله ضيوفا، فعدنا أدراجنا من حيث أتينا. قبل ذلك وبالضبط بعد انتخابات 2011، لبيت دعوةً مؤجلة لأحرضان لزيارة بيته في مسقط رأسه أولماس. توجهنا إليها ذات صباح نوفمبري مشمس بنكهة ربيعية، السي أحرضان، وصديقي محمد بوطالب، وزير الطاقة والمعادن السابق، وأنا، كانت أولماس تختزل في ذاكرتي وذاكرة كثيرين في مشروب "أولماس" الغازي، فإذا هي عوالم وخرائط كثيرة.. وتاريخ رجل شهم من رجال المغرب البررة. في بيت أحرضان بأولماس قضى الملك الراحل الحسن الثاني بضعة أسابيع، رفقة عائلته الملكية، قبل إعلانه حالة الاستثناء عام 1965. منزل أولماس الذي كان أحرضان يفيء إلى ظله كلما اشتد عليه خناق السياسة وهاجمته ذئبيتها، للانغماس في عوالم الرسم، وكتابة الشعر فوق قمة ربوة وارفة الظلال مجاور لبيته، هو أيضا حقل مواجع. ففيه يوجد قبر ابنه الشاب سليم، الذي قضى في حادثة سير مفجعة. وقبر زوجته مريم، وقبره أيضا الذي اختار مكانه بنفسه، يقول الوزير بوطالب. رحمك الله السي أحرضان .. ولترقد في سلام .. والعزاء لنجلك الصديق أوزين، ويوسف ومايا وكنزة وسانو".

شخصية فريدة
راكم أحرضان، الذي ولد سنة 1921 ببلدة والماس الأمازيغية (وسط المغرب) ودرس بمدينة آزرو قبل الالتحاق بالمدرسة العسكرية بمكناس التي تخرج منها سنة 1940 برتبة ضابط، ويتم توظيفه من قبل الجيش الفرنسي سنة 1949 قائدا بأولماس، وشارك كضابط في الحركة الوطنية المغربية وكان عضوا بالمجلس الوطني للمقاومة، (راكم) مسارا سياسيا طويلا، سواء إبان فترة الحماية الفرنسية، أو بعد مرحلة الاستقلال، طبع به تاريخ المغرب، لحضوره في محطات حكومية وسياسية كبرى، ومساهمته في تأسيس حزب الحركة الشعبية بعد استقلال المغرب بمعية الراحل عبد الكريم الخطيب، ولشخصيته الفريدة وطريقته الخاصة في الخطابة.

مسار ومسؤوليات
تقلد أحرضان، وظائف حكومية عديدة، حيث عين واليا على الرباط بعد الاستقلال مباشرة. وأصبح الكاتب العام (الامين العام) لحزب الحركة الشعبية في مؤتمرها الثاني بمراكش عام 1962. كما شارك في ثمان حكومات. ومن بين المناصب التي تقلدها وزير الدفاع في أول حكومة يشكلها الملك الراحل الحسن الثاني، ما بين 1961 و 1964، ووزير الفلاحة في اغسطس 1964، ووزير الفلاحة والإصلاح الزراعي في يونيو 1965. كما عين ما بين فبراير 1966 ومارس 1967، وزيرا للدولة مكلفا الدفاع الوطني. وفي 1 مارس 1977، عين وزير دولة. وفي 10 أكتوبر من نفس السنة عين وزير دولة مكلف البريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان عام 1977. كما عين الراحل وزيرا للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، ووزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني عام 1983 بصفته زعيم أحد الأحزاب الستة الكبرى في المغرب. وخلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية المنعقد يومي 4 و5 أكتوبر 1986، أعفي من مهامه كأمين عام للحركة الشعبية، فأسس، في يونيو 1991، حزبا جديدا أسماه الحركة الوطنية الشعبية الذي تقلد به منصب الأمين العام. وفي يونيو 1997، فاز أحرضان في الانتخابات البلدية. وفي مارس 2006 عملت قيادات الحركة الشعبية وكل الحركات المنشقة منها، بما فيها الحركة الوطنية الشعبية والاتحاد الديمقراطي، على توحيد صفوفها في حزب واحد هو الحركة الشعبية، وتم اختيار المحجوبي أحرضان رئيسا للحزب ومحند العنصر أمينا عاما، قبل ان يتسلم العنصر المشعل كاملا بقرار احرضان التواري.

هموم وهوايات
وعرف عن الراحل دفاعه، خلال تزعمه لحزب الحركة الشعبية، عن قضايا "البادية" المغربية. وعبّر، بعد أن وقع أول انشقاق في صفوف الحركة الشعبية عن توجهات أمازيغية في برامجه وخطاباته، محتفلا بالأصول الأمازيغية والتراث البربري، مطالبا بتدريس اللغة الأمازيغية ومواجهة الاتجاهات العروبية في المغرب.
وفضلا عن حضوره الذي طبع به تاريخ البلد على مستوى الممارسة السياسية، عُرف الراحل فنانا تشكيليا وشاعرا وروائيا. كما أصدر مذكرات تمحورت حول مساره السياسي وعلاقته بعدد من الأحداث التي عايشها.