إيلاف من لندن: ناقش مثقفون وإعلاميون عرب استراتيجية مقترحة لمواجهة الإرهاب فكرياً وإعلامياً، وأكدوا أن ضرورة وجود استراتيجية مواجهة الإرهاب تتطلب بُعداً وقائياً وبُعداً علاجياً للجذور والأسباب.

ودعا المشاركون في ندوة لمنتدى الفكر العربي، يوم الأربعاء 2/12/2020، في لقاء حواري عبر تقنية الاتصال المرئي، إلى أهمية تعزيز الإنسان ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً تجنباً للوقوع في فخ الإرهاب.

وخلال الندوة حاضر الدبلوماسي المصري السابق والأكاديمي والمحلل السياسي د. عماد عوّاد حول استراتيجية مقترحة لمواجهة الإرهاب والتعامل مع تداعياته.

مداخلات
وشارك في المداخلات في اللقاء، الذي أداره د. محمد أبو حمور الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى، كل من: الفريق الركن المتقاعد فاضل علي فهيد مدير الأمن العام الأسبق في الأردن ونائب رئيس جمعية الشؤون الدولية بالأردن عضو المنتدى، ود. عبد الله الجحلان أمين عام هيئة الصحفيين السعوديين ونائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، و د. عصام ملكاوي أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية – سابقاً في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض عضو المنتدى.

وناقش المحاضر د. عماد عوّاد استراتيجية التعامل مع الإرهاب ومواجهته وقائياً وعلاجياً، مما يعزز الحماية من الأعمال الإرهابية ومضاعفاتها، ومعالجة جذور الإرهاب في الفكر المتطرف والممارسات المترتبة عليه. مع الحرص على عدم السماح لأية ظروف طارئة بتحويل مسار مواجهة الإرهاب إلى معارك جانبية من أجل تحقيق أهداف فرعية أو ثانوية، قد تبدو مثمرة على المدى القصير وإن كانت آثارها مدمرة على المديين المتوسط والبعيد.

خطط تنموية
وأشار المتداخلون إلى أهمية وضع خطط تنموية تدعم المواطن على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية من أجل تلبية حاجاته وتحقيق الحياة الكريمة له، وبحيث لا يعاني من الإحباط المؤدي للتطرف، وبذلك يتم الحفاظ على الهوية والانتماء والتماسك المجتمعي تجنباً للوقوع في الإرهاب. إضافة إلى أهمية التعامل مع تداعيات الإرهاب على الصعيد الفكري والإعلامي وعدم الاقتصار على الحلول الأمنية والعسكرية، وتقوية تبادل المعلومات والدراسات على المستوى الدولي وعن طريق المراكز الفكرية.
وبيّن د. عماد عواد أنه بالرغم من الصعوبات التي تحيط بعملية رسم الملامح الرئيسية لاستراتيجية التعامل مع الإرهاب، فإن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية التنفيذ الدقيق لخطط العمل على المستويات المختلفة: الوطنية والإقليمية والدولية.

فمن الأهمية بمكان أن تنطلق الاستراتيجية من تحديد دقيق للخصم الذي يلزم مواجهته، والهدف المراد تحقيقه، دون السماح لأية ظروف طارئة بتحويل المسار أو الانسياق إلى معارك جانبية لتحقيق أهداف فرعية أو ثانوية قد تبدو مثمرة على المدى القصير وإن كانت آثارها مدمرة على المدى المتوسط والبعيد.

الحلول العسكرية
وأشار د. عواد إلى أنه لا يمكن الاكتفاء بالحلول العسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب، لأن الأولى تكون متاحة فقط عندما يتم تحديد موقع الخصم ومن ثم التعامل معه، بينما يصعب تحديد مكان وجود التنظيمات الإرهابية بشكل دقيق، حيث أنها تنقسم إلى قيادات وخلايا تتحدد درجة انتشارها بدرجة انتشار التنظيم في حد ذاته. ولا بد من معالجة أعراض المرض بمواجهة فعلية لكل مكوناته للتمكن من اقتلاع جذوره.

وقال د. عواد إن استراتيجية التعامل مع الإرهاب تتطلب بُعدين أساسيين، أولهما البُعد الوقائي وثانيهما البُعد العلاجي. ويشمل البُعد الوقائي مجموع التدابير التي يتم اتخاذها تحسباً لوقوع مشكلة، أو لنشوء مضاعفات لمشكلة قائمة، ويكون هدف هذه التدابير القضاء الكامل أو الجزئي على إمكانية وقوع المشكلة أو المضاعفات أو المشكلة ومضاعفاتها معاً. وتشمل هذه الوقاية تضافر جهود العديد من المؤسسات المجتمعية وأهمها الأسرة، المؤسسة التعليمية والدينية، والإعلام. أما البُعد العلاجي فيهتم بمعالجة جذور الإرهاب والعوامل والأسباب المؤدية إليه من الصور النمطية، وما رافق بعضها من مفهوم "الإسلاموفوبيا" والكراهية، والفكر المتطرف بكل توجهاته الطائفية والعرقية وغيرها، ثم إحلال قبول الآخر وقبول الاختلاف وحرية التعبير والاعتقاد مكانها.

مواجهة الفكر الظلامي
ومن جهته، أوضح أمين عام المنتدى د. أبو حمّور في كلمته التقديمية أن مواجهة الفكر الظلامي يجب ألا تغفل تلبية حاجات الإنسان التي تضمن له عدم استغلاله وجرّه إلى الوقوع في فخ التطرف والإرهاب، وبالتالي غرقه في تلك الاتجاهات والأفكار المتطرفة، وتفاقم مشاعر النقمة والحقد واليأس لديه، مما يجعله مُسخراً لغايات الإرهاب أو خدمتها حتى من دون وعي أحياناً. وأن الاستراتيجيات التنموية في هذا الصدد ينبغي أن توائم بين تمتين الروافع الثقافية وإصلاح التعليم، وتمكين الشباب في التعليم والعمل والمشاركة، وتحسين مستوى العيش من جهة، ومعالجة قضايا البطالة والفقر وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، والعمل على توطين التكنولوجيا من جهة أخرى.

نوعان من الإرهاب
وأوضح مدير الأمن العام الأسبق ونائب رئيس جمعية الشؤون الدولية الفريق الركن المتقاعد فاضل علي فهيد أن الخطط الموضوعة للتعامل مع الإرهاب لم تتفق على مفهوم دقيق وواضح له، والسببب في ذلك وجود نوعان من الإرهاب ألا وهما إرهاب دول وإرهاب أفراد، ونعاني اليوم من النوع الأول الأغلب، الذي تتدخل فيه دول بدول أخرى.

وهكذا بات الإرهاب مشكلة دولية معقدة، يتغذى بشكل خاص في بيئات تفتقد مفاهيم العدالة والديمقراطية، وتزداد تعقيداً مع اختلاط المفاهيم وعدم التمييز ما بين التحرر الوطني من الظلم والاحتلال وما بين العمل الإرهابي.

الرؤية السليمة
وقال أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين د. عبدالله الجحلان: إن الرؤية السليمة لمواجهة الإرهاب تكمن في الفهم السليم لكيفية التعامل معه، فعلى الرغم من النجاحات التي تحققها المواجهات العسكرية والأمنية، إلا أن طريقة التعامل الأنجع تكمن على الصعيدين الفكري والإعلامي، وتبادل الدراسات والمعلومات بين الدول عن طريق مركز فكري دولي يتم تأسيسه من أجل ذاك التبادل بمساهمة المراكز الفكرية المختلفة. إضافة إلى الجهود الفكرية في الكشف عمّن يدّعي المظلومية والخلل في نظم الدول، فإن المنظومات الإرهابية تستغل الواقع السياسي لتقوم بتجييش عناصر تعادي دولها وشعوبها وتقوم بالأعمال الإرهابية، خاصة في نطاق الدول العربية والإسلامية.

خطاب ديني رقمي
وهذا كله يستدعي وجود خطاب ديني رقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوضّح الكثير من الأفكار التي يتشبث ويتعلق بها القائمون على الإرهاب ومنه الموجّه في حقيقته ضد مبادئ الدين الإسلامي على وجه التحديد.

وأشار أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية – سابقاً - في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية د. عصام ملكاوي إلى أن الإرهاب يبدأ من التطرف والتشدد، ثم التعصب، وصولاً للإرهاب. فالسلوك المؤدي للعمل الإرهابي إنما هو وليد التطرف الناجم بدوره عن الوضع المحبَط الذي يعيشه الفرد في مواجهة واقعه، فالفرد المحبَط يرى عيباً في كل ما حوله وينسب مشكلاته لفساد عالمه، وبذلك يريد التخلص من نفسه ومن محيطه وصهرها في كيان جديد يرنو إليه. وعن طريق الوعود بتحقيق هذا الكيان الذي يؤمن به الفرد المُحبَط، يقوم القائد الراديكالي بتجنيده وتوريطه بالعمل الإرهابي.