ظل الناشط الروسي مجال مكافحة الفساد، أليكسي نافالني، لزمن طويل الوجه الأبرز للمعارضة الروسية للرئيس فلاديمير بوتين.

ولدى المدون البالغ من العمر 44 عاما ملايين المتابعين الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تمكن من إيصال بعض مؤيديه إلى المجالس المحلية في سيبيريا في انتخابات عام 2020.

ويقول نافالني إن حزب "روسيا المتحدة" الذي يتزعمه بوتين يغص بـ "المحتالين واللصوص"، ويتهم الرئيس بأنه "يمتص دم روسيا" عبر "دولة إقطاعية" تحصر وتركز السلطة في الكرملين.

وقد قاد احتجاجات في عموم البلاد ضد السلطات. لكنه لم يتمكن من تحقيق، ما يعد على الأرجح، حلمه الأكبر في تحدي بوتين في صناديق الاقتراع.

فقد مُنع من الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2018 بسبب إدانته في محكمة روسية بتهمة الاختلاس.

ونفى نافالني بشدة الاتهامات الموجهة إليه، قائلاً إن مشاكله القانونية كانت انتقاما للكرملين منه بسبب انتقاداته الشديدة.

النجاة من التسمم بنوفيتشوك

وباتت معركة نافالني ضد الرئيس الروسي البالغ من العمر 68 عاماً، معركة شخصية بشدة الآن: فهو يتهم بوتين بإصدار أوامره لعملاء الدولة السريين بتسميمه في هجوم كاد أن يقتله في أغسطس/آب 2020.

وقد تدهورت صحة نافالني وهو على متن طائرة فوق أراضي سيبيريا ونقل إلى المستشفى في أومسك، بعد الاشتباه في تسممه. ودخل في غيبوبة. وأقنعت جمعية خيرية مقرها ألمانيا، المسؤولين الروس بالسماح لها بنقله جواً إلى برلين من أجل تلقي العلاج.

أليكسي نافالني بمع زوجته وابنه في أكتوبر/تشرين الأول 2020
BBC
أليكسي نافالني بعد تعافيه في برلين، مع زوجته يوليا وابنه زاخار في أكتوبر/تشرين الأول 2020

وفي النهاية، كشفت الحكومة الألمانية في 2 سبتمبر/أيلول أن الاختبارات التي أجراها الجيش وجدت "دليلًا لا لبس فيه على وجود عامل أعصاب كيميائي حربي من مجموعة نوفيتشوك".

ونوفيتشوك هو السلاح الكيميائي الذي كاد أن يقتل الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبيري، بإنجلترا ، في مارس/آذار 2018. وقد توفيت امرأة محلية أيضاً في وقت لاحق جراء تماس لها مع (سم) نوفيتشوك.

ونفى الكرملين أي دور للدولة في الهجوم على نافالني - الذي يتجنب بوتين دائمًا ذكر اسمه علناً - وينفي المزاعم المتعلقة بتسميمه بنوفيتشوك.

لكن بوتين، اعترف بوضع بلاده لنافالني تحت المراقبة، وقال إن ذلك كان مبرراً، لأن جواسيس الولايات المتحدة كانوا يقدمون المساعدة للمدون حسب زعمه.

وأشار عمل استقصائي قامت به مجموعة التقصي "بيلينغكات" ، إلى قيام جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي) بتتبع نافالني، على الرغم من النفي الرسمي. وسمت بيلينغكات عملاء يشتبه في قيامهم بتسميم نافالني.

لقطة من فيديو نافالني لدى اتصاله بأحد القتلة المزعومين
Reuters
تظاهر أليكسي نافالني بأنه مسؤول أمني في مكالمة هاتفية مع أحد عملاء جهاز الأمن الفيدرالي

ثم تخفّى نافالني، متظاهراً بأنه مسؤول أمني روسي كبير، في اتصال عبر الهاتف بأحد العملاء، وسجل اعترافاً من هذا العميل.

وفي تشرين الأول/أكتوبر، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ستة مسؤولين روس كبار ومركز أبحاث أسلحة كيميائية روسي، متهما إياهم بالتورط المباشر في تسميم نافالني. وردت روسيا بفرض عقوبات مقابلة.

وكانت هناك هجمات سابقة على نافالني: ففي عام 2019 ، شخصت إصابته بـ "التهاب الجلد التماسي" أثناء وجوده في السجن، حيث أشار طبيبه وقتها إلى أنه ربما تعرض لـ "عامل سام".

كما اُستهدف مرتين بصبغة خضراء مطهرة تعرف باسم "زيليونكا" وتعرض لحروق كيميائية في أحد عينيه.

مدون بارز

وعلى الرغم من أن نافالني، كان شوكة في خاصرة الكرملين لفترة طويلة من الزمن، لكن لديه أيضاً منتقدين ضمن جماعات المعارضة، لأسباب مختلفة ليس أقلها ما يراه البعض نزعنه القومية الروسية.

وفي عام 2014 ، سُئل عن ضم الرئيس بوتين لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، في مقابلة مع محطة "إيخوموسكوفي" الإذاعية. فكان رده هو أنه على الرغم من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم كان انتهاكا للقانون الدولي، إلا أن "الحقيقة هي أن شبه جزيرة القرم هي الآن جزء من روسيا" وشدد على القول "القرم لنا".

بدأ صعود نافالني كقوة في السياسة الروسية في عام 2008 عندما بدأ في التدوين عن مزاعم سوء إدارة وفساد في بعض الشركات الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة.

وكان أحد تكتيكاته هو أن يصبح مساهماً في أسهم الأقلية (المعروضة للبيع للمستثمرين من الناس في الشركات التي تملك الدولة الحصة الأكبر فيها)، في شركات النفط الكبرى والبنوك والوزارات، ومن ثم يبدأ في طرح أسئلة محرجة حول "فجوات" وتسريبات في تمويلات الدولة.

وقد وصل إلى المتابعين الشباب في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر استخدامه لغة نقدية حادة ومثيرة، وسخريته من المؤسسة الموالية للرئيس بوتين.

وقبل الانتخابات البرلمانية لعام 2011 ، التي لم يخضها كمرشح، حث قراء مدونته على التصويت لأي حزب باستثناء حزب روسيا المتحدة، الذي أطلق عليها اسم "حزب المحتالين واللصوص". وظلت العبارة عالقة في الأذهان.

وفاز حزب روسيا المتحدة بالانتخابات، ولكن بأغلبية أقل بكثير، وشابت فوزه مزاعم، انتشرت على نطاق واسع، عن تزوير الأصوات؛ قادت إلى احتجاجات في موسكو وبعض المدن الكبرى الأخرى.


أليكسي نافالني: معلومات أساسية

  • وُلد نافالني في 4 يونيو/حزيران 1976 في منطقة بايتن بموسكو.
  • درس القانون وتخرج من جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عام 1998
  • أصبح زميلا (زائرا) في جامعة ييل الأمريكية في عام 2010
  • يعيش في موسكو مع زوجته وطفليه

ألقي القبض على نافالني بعد الاحتجاج الأول في 5 ديسمبر/كانون الأول 2011 ، وسُجن لمدة 15 يوماً، لكنه ظهر للتحدث في أكبر التجمعات التي أعقبت الانتخابات في موسكو في 24 ديسمبر/كانون الأول، وحضره حينئذ ما يصل إلى 120 ألف شخص.

وفاز بوتين في وقت لاحق في الانتخابات التي أجريت لإعادة انتخابه كرئيس بسهولة، وشرعت لجنة التحقيق الروسية القوية في تحقيقات جنائية في أنشطة نافالني السابقة، حتى أنها شككت في أوراق اعتماده كمحام.

وعندما سُجن لفترة وجيزة في يوليو/تموز 2013 ، بتهمة الاختلاس في مدينة كيروف، نُظر إلى عقوبة السجن لمدة خمس سنوات التي تلقاها على أن وراءها أسبابا سياسية.

وسُمح له، بشكل غير متوقع، بالخروج من السجن للمشاركة في انتخابات رئاسة بلدية موسكو، حيث حصل على المركز الثاني بنسبة 27 في المئة من الأصوات، بعد حليف بوتين، سيرغي سوبيانين.

واعتبر ذلك نجاحاً كبيراً لأنه لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى التلفزيون الحكومي، وظل معتمداً فقط على وسيلتي الإنترنت والكلام الشفهي.

وفي نهاية المطاف، ألغت المحكمة العليا الروسية إدانته عقب صدور حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه لم يُمنح جلسة استماع عادلة في المحاكمة الأولى. ثم أدين للمرة الثانية عندما أعيدت محاكمته في عام 2017، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ. ووصف الحكم بأنه هزلي، قائلا إنها كانت محاولة لمنعه من خوض انتخابات 2018.

كان على نافالني السفر على متن القطار لمدة 12 ساعة ذهاباً وإياباً لحضور جلسة المحكمة في كيروف.
AFP
كان على نافالني السفر على متن القطار لمدة 12 ساعة ذهاباً وإياباً لحضور جلسة المحكمة في كيروف.

"أموال قذرة"

ويقارن البعض نافالني بميخائيل خودوركوفسكي، السجين السابق وأحد رجال الأقلية الروسية الثرية الذي ينشط في حملات ضد بوتين من سويسرا. وكان أمضى نحو عقد في السجون الروسية.

وقال نافالني لبي بي سي إن أفضل ما يمكن أن تفعله الدول الغربية من أجل العدالة في روسيا هو اتخاذ إجراءات صارمة ضد "الأموال القذرة".

وأضاف: "أريد منع الأشخاص المتورطين في الفساد والاضطهاد من دخول هذه البلدان وحرمانهم من تأشيرات السفر".

عندما سُجن نافالني في عام 2013 ، قال للقاضي إنه سيحارب مع زملائه "لتدمير الدولة الإقطاعية التي يتم بناؤها في روسيا، وتدمير نظام الحكم الذي يمتلك فيه نصف عدد السكان، 83 في المئة من الثروة الوطنية".

و تحدث نافالني في مناسبات أقامها قوميون متطرفون، مما تسبب في قلق الليبراليين.

وكان القوميون الروس أيضاً حذرين من صلاته بالولايات المتحدة بعد أن أمضى فصلاً دراسياً في جامعة ييل في عام 2010.

وعلى الرغم من شبكته المنظمة جيداً لمكافحة الفساد ، ثمة شكوك حول قدرته على حشد دعم كبير له خارج موسكو وعدد قليل من المدن الأخرى.