واشنطن: منذ الأيام الأولى لولايته، عمل جو بايدن على تأكيد القطيعة مع سياسة سلفه دونالد ترمب الخارجية عبر إعادته واشنطن إلى اتفاقات دولية وتصريحاته الودية لحلفاء انتقدهم ترمب. لكن في الكثير من الملفات الأساسية وأبرزها المنافسة مع الصين، يبدو أن استمرارية السياسة السابقة هي التي ستحكم المشهد.

وتعهد الرئيس الأميركي الجديد في حفل تنصيبه بـ"أننا سنعيد ترميم تحالفاتنا". وعكس ذلك التعهد في أولى الاجراءات التي اتخذها.

فانضمت واشنطن من جديد إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، في إشارة إلى عودتها للمؤسسات متعددة الأطراف بعد أربع سنوات من نهج أحادي متشدّد. وفي خطوة أثارت ارتياح المجتمع الدولي، فتح بايدن الطريق أيضاً أمام تمديد العمل باتفاقية "نيو ستارت" لخمس سنوات إضافية، وهي آخر معاهدة دولية كبيرة مع روسيا في مجال الحد من التسلح النووي.

هدف نهائي

وبعيداً عن مواقف القطيعة تلك ذات الرمزية، قد تكتفي إدارة بايدن في بعض الملفات بتغيير في النبرة والأسلوب، لا بتغيير تام للاستراتيجية.

ويرى بول بوست الأستاذ في جامعة شيكاغو أن السياسية الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة هدفت دائماً إلى إبقاء الولايات المتحدة في الطليعة، وأصبح هذا التحدي أكثر إلحاحاً مع صعود قوة الصين.

وقال لفرانس برس "ربما يتغير الخطاب قليلاً لكن لا يهم من هو الرئيس، الهدف النهائي يبقى نفسه. ومع بايدن، لا أنتظر تغييراً في ذلك".

ووصل الأمر بإقرار بلينكن أمام مجلس الشيوخ بأن دونالد ترمب "كان محقاً في اتخاذ موقف حازم أكثر تجاه الصين". كما أكد وزير الخارجية الأميركي المقبل أن واشنطن ستواصل اعتبار المعارض خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا، واصفاً الرئيس نيكولاس مادورو بـ"الدكتاتور الوحشي"، وهي عبارة لم يتوان سلفه مايك بومبيو عن استخدامها.

بالإضافة إلى ذلك، لا توجد نية من المعسكرين اليمني أو اليساري في الولايات المتحدة بالتراجع عن الانسحاب من أفغانستان والعراق بعد سنوات من "حروب لا نهاية لها".

كما أكد بلينكن أنه لن يتراجع عن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل، الذي أحدث ضجة عالمية حينما أعلنه ترمب في بداية ولايته.

بداية جيدة

في هذا الإطار، ترى فيليس بينيس من مركز دراسات "انستيتوت فور بوليسي ستاديز" المقرب من اليسار الأميركي أن في ذلك الموقف دليل على أن بايدن لن يكون راديكالياً في مجال الدبلوماسية كما في مجالات مكافحة التفاوتات الاقتصادية والعرقية والتغير المناخي.

واعتبرت أن "الاجراءات التي اتخذها ترمب هدفت إلى إرضاء العناصر الأكثر تطرفاً في المشهد السياسي الاسرائيلي، وما لم يقم بايدن بإلغائها، سيتحول الموقف الأميركي إلى وسيلة لتطبيع تلك الحالات المتطرفة".

ينطبق ذلك على الموقف من إيران أيضاً.

ويريد بايدن العودة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 الذي انسحب منه ترمب لاعتباره غير كاف في ردع أنشطة طهران النووية. لكن بلينكن وفريقه أعربا عن موقف صلب ضد "أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار"، وحذرا من أن على الجمهورية الاسلامية ان تقوم بالخطوة الأولى، ما ينذر بمفاوضات شاقة في هذا الإطار.

وفيما يتعلق بالصين وإيران وكوريا الشمالية، يبقى العنوان العريض للإدارة الجديدة "التنسيق مع حلفائنا"، في تعارض مع ترمب الذي غالباً ما اختار اللعب وحيداً في تلك الملفات.

لكن في العمق، يبدو أن سياسة أنتوني بلينكن، الذي من المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على تعيينه في الأيام المقبلة، تحظى حتى الآن بإعجاب الجمهوريين.

وقال السناتور ليندسي غراهام أبرز داعمي ترمب خلال فترة ولايته "إنها بداية جيدة" في تعليقه على السياسة الخارجية للإدارة الجديدة.