يقول جاسر الجاسر إن السعودية حصانة الخليج والكل يستهدفها بسبب مكانتها، وإن المملكة تتبوأ مرتبة متقدمة في مكافحة الفساد، وبرأيه تصنيف الحوثي إرهابيًا خطوة متأخرة.

إيلاف من الرياض: في حديث لـ "عكاظ" السعودية، يقول الكاتب والصحافي السعودي جاسر الجاسر، رئيس التحرير السابق لصحيفتي "الوطن" و"الشرق" ومدير عام قناة "الإخبارية" سنوات عدة، ومسؤول التحرير في "الحياة"، إن مواقع التواصل الاجتماعي "ساحة متدللة تتطلب حضورًا وتواجدًا وتفاعلًا مستمرًا لا يمكن أن تكون اتجاهًا أحاديًا وإلا فقدت دلالتها... سريعة وعجلى وآنية؛ عمرها أقصر من الشهيق والزفير، دورتها مثل الأخبار العاجلة لا تدوم سوى الفترة التي تسبق الموجة التالية من مثيلاتها، كما أنها مجال متداخل مثل سوق الخضار؛ خليط صاخب، حاد النبرة يكسب فيها الصوت الأعلى ولا يكون الحوار سوى مساومة".

لا يخشى جاسر على المرتزقين في الإعلام، إذ برهنت التجارب على سرعة تبدلهم، وقدرتهم على التلون، والتماهي الفوري مع أي سوق جديدة، فهي خبرة تراكمية اكتسبت مع الأيام مواصفات جينية، وما دام في الخليج لهم متسع من المساحة والمال والفرص فإنهم يتزايدون ولا ينقرضون.

يقول: "في البدء كانت نشأتهم أيديولوجية بحتة؛ تركز على الترويج للجمهوريات الناشئة ومهاجمة المملكة تحديدًا لكنها تحت ضغط الجمهوريات الناشئة شكلت ارتزاقًا قسريًا بسبب الحالة القمعية للأنظمة الجديدة التي أخرست كل صوت يحاول التمرد على خطها فاستحال إيمانهم الأولي إلى أول أشكال المرتزقة إذ لم يعد حتى الصمت مقبولًا".

أوهام السلطان

يرى أن السعودية ستظل مستهدفة لثقلها على المستويات كافة، ومواقفها القوية، ونموها المذهل، ما يغيظ خصومًا يشتغلون في الخفاء. وكانت عواصم العالم العربي والغربي الحضن للإخوان المسلمين، "وحين فضحت السعودية أمرهم وصنفتهم جماعة إرهابية، وتكشّف دورهم الفاضح واللئيم في تخريب العالم العربي، أصبحت تركيا مركز تجمع شتاتهم لتستخدمهم في ترويج عودة الهيمنة العثمانية بطريقة بائسة؛ إذ لم يعد لهم تأثير أو حضور حتى أن رموزهم التقليدية التي كانت تملأ الفضاء الديني والسياسي والإعلامي صخبًا تبخرت كأنها لم تكن"، واصفًا جماعة الإخوان المسلمين بأنها عاصفة سوداء مقيتة تاجرت بالدين حتى لا يكون لأحد وطن سواهم.

اليوم، يتمركز "الإخوان" في تركيا ويتعاونون مع إيران، ويتدربون مع حزب الله ويعتاشون من بعض دول الخليج لكنهم أقرب إلى المرتزقة إذ تتاجر تركيا بهم ظنًا وتوهمًا أنهم ما زالوا يحركون الشارع العربي ويؤثرون فيه لكن اليوم غير الأمس؛ الجيل الذي كان مرتهنًا لهم استيقظ ووعى، والجيل الجديد لا يعرفهم أصلًا ولا ينخدع بهم.

برأي الجاسر، لم ينجح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سوى في الخطابات، "وهي لا تولد وظائف ولا تقصي فقرًا ولا تجلب أصدقاء ولا ترفع سعر الليرة التركية إطلاقًا. أردوغان أبرع الشخصيات في استجلاب العداوات واتخاذ القرارات الخاطئة ما جعله محاصرًا في شبكة من التخبط قد لا تخرج منها تركيا ومن عواقبها الكثيرة إلا حين يغادرها أو تغادره". أما أوهام الخلافة العثمانية في تركيا، فيرى الجارس أن إردوغان يعيش فيها، ولم يدرك ذلك رغم الخيبات والفشل في جميع الجبهات، لكن تركيا قد تدرك ذلك إن استمر هذا الحال حتى عام 2023.

خطوة متأخرة

بحسبه، وضع الحوثي في قائمة الإرهاب خطوة متأخرة وتتطلب تضامنًا دوليًا، "ليس فقط لصالح اليمن بل لمنع تلبيس الجماعات الإرهابية هيئة الحركات السياسية. الحوثيون هم كل مشاكل اليمن لكن الخطورة هي في التساهل مع إيران لأنها المحرك والممول، وما الحوثي سوى واجهة كما هو الحال مع جميع الجماعات الإرهابية مثل حزب الله والجماعات العراقية، ومن الممكن ضم حماس أيضًا".

يضيف: "التحالف العربي لا يخوض حربًا داخل اليمن إنما يدعم الشرعية وإذا استثمر اليمنيون هذا الدعم وعملوا على أساسه فإن النصر هو، عمليًا، هزيمة لإيران، وتطهير لليمن من كل رجسها وهو يوم آتٍ. المملكة لن تقبل أن تكون صنعاء قاعدة إيرانية ومركز تهديد لها، التحالف العربي لا يحمي اليمن من الحوثي بل من إيران فليس للحوثي أي مطلب سياسي سوى ما تمليه إيران. عمليًا هو يحارب التغلغل الإيراني. والهجمات الموجهة على السعودية هي فعل إيراني وسلاح إيراني".

حصانة الخليج

يتابع الجاسر: "الشيطان أيضًا عدو خفي. الأعداء الخطرون، مثله، لا يكشفون وجوههم ولا يظهرون نواياهم. هم من يشاركونك طاولة الطعام، من يدخلون دارك ويبتسمون في وجهك، هم خائنو الثقة والمتسللون من دوائر الطمأنينة، ومن يثقبون السفينة التي تحملهم لفرط عدواتهم. هم إما قريب أو صديق أو شريك أو مواطن لا قيم لهم ولا كرامة. يكثرون عند تراخي الإرادة السياسية ولدينا منهم الذين كانوا يسمون المملكة هذه البلاد وأرض الجزيرة ولا تأتي المملكة والسعودية على ألسنتهم. ويسمون الإرهابيين بـالشباب ويدعون إلى تفهم إرهابهم؛ الذين كانوا يدرسون أبناءنا، ويؤمون مساجدنا، ويختطفون المجتمع ويوجهونه نحو الهاوية".

يقول الجاسر لـ "عكاظ" إن كل الحركات التي عصفت بالعالم العربي كانت معادية للسعودية؛ "القومية والاشتراكية وما يسمى بالإسلامية لأن المملكة بثقلها ودورها وأهميتها كانت سدًا ضد كل ذلك. اليوم هذه المعارك أشد شراسة؛ لأن دور المملكة يكبر ويمتد، ولأن قوتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنمو وتتسع، ولأنها مركز الثقل والقرار خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا، ولأن حضورها الطاغي دوليًا يتجاوز كل من يحاول عبثًا حشر نفسه في الصفوف الأمامية. هي حصانة الخليج، وقائدة العالم الإسلامي ولن ينازعها في ذلك أحد وإن سولت له نواياه وأحلامه، هي المنقذ من موجة «الربيع العربي» التي عصفت ببلدان كثر، وهي اليوم السند الذي يدعم استقرار العالم العربي".

المسؤول الرقيب

عن هاجس الرقابة لدى مسؤول المنبر الإعلامي، يقول الجاسر إن الرقابة، عربيًا، "هي المهمة الأولى للمسؤول عن أي منبر إعلامي. غالبًا حين يقتعد أي شخص كرسي الرئاسة في وسيلة إعلامية رسمية فهو مبرمج تلقائيًا على أن يكون رقيبًا. حين يراجع مادة إعلامية لا تهمه الجودة أو الابتكار بل اكتشاف المحاذير الرقابية. صحيح أن الفضاء الإعلامي زادت مساحات حركته لكن الاستجابة لا تتم بين يوم وليلة بل تحتاج نوعيات متحررة من التربية الرقابية المتجذرة وهو ما يتطلب وقتًا ومتابعة مستمرة حتى لا تفقد المنصات الرسمية حضورها في المشهد. المشكلة أن الإعلام يختلف عن أي مجال آخر فالكل يفتي فيه، وكل مسؤول يظن أن مهمة الإعلام المحلي هي الترويج له أو على الأقل عدم انتقاده. هذا تصور يجب مسحه فالإعلام مهمته التيقن من خدمة الناس وليس الترويج. وأي صحافي يجب أن يحظى بالحماية حتى لا يكون ضحية أي خطأ أو وجهة نظر مختلفة".

بالنسبه إليه، المهم أن تكون الحرية محصنة ومحددة قانونيًا؛ بمعنى أن يعرف كل إعلامي الإطار القانوني لأي فعل. أحيانًا تفهم حرية الرأي على أنها المقال السياسي الحاد لكنها عمليًا هي حدود التجاوز على الآخرين أو الإساءة لهم أو التضليل والتزييف معلوماتيًا وهو ما لا يمكن تأطيره إلا عبر صورة قانونية متكاملة وواضحة؛ لذلك لا تزال حرية الرأي مشوشة وغامضة وتخضع كل مرة لتفسيرات شتى فلا يعرف أحد متى تكون مكفولة أو مقفولة.

لا يوجد إعلام سياسي، يقول الجاسر، "إنما كان هناك كتاب سياسيون أو يتناولون جوانب سياسية. في رأيي أن الكاتب السياسي المهم سعوديًا هو عبدالرحمن الراشد وبالمناسبة هو الأقدر على الإجابة المعمقة عن هذا السؤال؛ لأنه جمع الصفتين: الكتابة والمعرفة السياسية الفعلية، وإدارة مؤسسات إعلامية".

أمير معادٍ للفساد

يقول جاسر إن مهمة هيئة مكافحة الفساد اصطياد كل أشكال الفساد في المملكة تحصينًا للمملكة من هذا السوس الذي ينخر المجتمعات واقتصادها ويشوه قيمها، لكن الدعم الذي تحظى به من الملك وولي العهد، وأدواتها التنظيمية المكتملة هو الذي أسهم في نجاحاتها مما جعل المملكة تقفز قفزًا نحو المراتب المتقدمة عالميًا في مؤشرات مكافحة الفساد.

يضيف: "هي لا تُسمع أحدًا لكن الجيران يسمعون، ويشاهدون ما حققته المملكة في هذا المجال والتزامها بمنع الحصانة عن كل فاسد، ومساءلة كل فاسد إن كان على رأس العمل أو انتهى عمله. الجيران يقرأون بيانات هيئة مكافحة الفساد فلا يجدون استثناءً لأحد: أمير، وزير، قاضٍ، ضابط...إلخ، يستغربون من هذه الممارسة التي لا تعرفها دول كثيرة أو لا تجرؤ على تطبيقها. السائد عربيًا أن مكافحة الفساد هي لعبة استعراضية أو تصفيات داخلية لكنها ليست فعلًا حقيقيًا؛ لذلك كانت الممارسة السعودية مفاجئة جدًا لكنها بعثت الأمل عند الجيران أن القضاء على الفساد ليس مستحيلًا متى ما توافرت الإرادة والشفافية والعدالة كما حدث في المملكة. الجيران المختلفون كلما أثقل عليهم الفساد وطأته تنادوا: نريد محمد بن سلمان إذ أصبح الأمير الرمز المعادي لكل أشكال الفساد. الجيران سمعوا ويسمعون وبعضهم بدأ يتحرك، وبعضهم يرغب ولا يستطيع لكن ستكون ممارسة المملكة إلهامًا محركًا للقيام بالمثل".

عام الكمامة

بحسب جاسر، "2020 هو العام الذي واجه العالم فيه عدوًا مشتركًا لم يستثن أحدًا. هو العام الذي يفترض فيه أن يكون تعزيزًا لكل القيم الأخلاقية التي تجمع شعوب العالم. هو العام الذي شعر الجميع فيه بالخوف والقلق والاختناق الاقتصادي والعزلة والتباعد وهي جميعًا كانت حصرًا على الدول الفقيرة والمنسية. هو عام الكمامة التي وحدت صورة العالم، لكنه أيضًا عام المنافسة والأنانية والصراع الوجودي فمع بدء ظهور اللقاحات عادت الأنانية والذاتية لترفع رأسها من جديد فبدأت بعض الدول احتكار لقاحاتها ومنع تصديرها والاستئثار بها. هو في المحصلة العامة عام الرهان الأخلاقي والإنساني فإما أن ينجح العالم في ذلك أو يعود إلى حالة من التوحش غير مسبوقة".

الإعلام واحد

يرى الجاسر أن الإعلام في الأصل واحد ويتحور في أشكال متعددة: "الصحف لها إيقاعها الهادئ، في ما سبق، لأنها اليوم تطل على منصات عدة تسارعية وتفاعلية. التلفزيون أكثر تعقيدًا فهو أكثر سرعة، ومتطلبات الصورة البصرية تحتم عليه معالجة مكثفة قبل أن تفقد القصة رونق حياتها. إذا كانت الصحافة، في معظمها، عملًا فرديًا من خبر وتحقيق ومقال فإن التلفزيون عمل جماعي لاتظهر مادة إلا من خلال فريق أوركسترآلي يعزف بإيقاع متناغم فإن شذت إحدى آلاته فسد العمل كله".

استمتع الجاسر بكل جانب من هذه الجوانب وكان إضافة وتطويرًا. حين بدأت صحافيًا لم يكن للتلفزيون ذلك الوهج، وكانت القراءة متعة الناس فهي تدوم أطول، وتعمر في الذاكرة أكثر. في كلا الحالين، "الهاجس الصحافي هو الأساس لكنني تعلمت في التلفزيون أكثر، وحاولت بناء مهارات أفضل وفي النهاية القرار للقارئ والمشاهد فإما أن يحبا النتيجة أو يرفضاها وأتمنى ألا تكون قد ذابت وانمحت في الاثنين (صحافة وتلفزيون) ومازال بعض بقاياها لدى الاثنين (القارئ والمشاهد)".