الحديث مع الشيخ وليد ذو شجون، ليس من اجل تسليط الضوء على الانتهاكات التي تحدث في اليمن على يد الحوثيين فحسب، بل أن في قصته أمور قام بها الحوثي تسلط الضوء على الإنسانية المفقودة والممارسات والانتهاكات اليومية التي لا تبث عبر الأخبار ولا يعرف عنها العالم.

إيلاف من عمَّان: قال الشيخ وليد عياش لـ"إيلاف" إن ثمة خطة حوثية ممنهجة لإبادة الثقافة البهائية في اليمن، مؤكدًا أم مكونات الشعب اليمني كلها تعاني من جماعة الحوثي التي وجهت إلى المعتقلين تهم العمالة، وهي تهم وصفها بالمضحكة.

والشيخ وليد صالح عياش من الشخصيات القبلية المعروفة في اليمن، له مساهمات عديدة في العمل الاجتماعي ومشاريع الخدمة الاجتماعية. يترأس إدارة مؤسسة نداء للتعايش، من اشهر المؤسسات التي عملت على تعزيز ثقافة التعايش والاخاء في اليمن وهي التهمة التي من أجلها سجن وتعذب.

منذ تولي الحوثي الأمور في صنعاء، كان الشيخ وليد عياش ضمن قائمة المطلوبين بسبب معتقده، حيث اعتقل مرات عديدة وتعرض لتعذيب شديد، كما تمت محاولة تصفيته جسديا أكثر من مرة.

آخر اعتقال له كان في أبريل 2017 واستمر أكثر من 3 سنوات ونصف، حتى نُفي من وطنه قسرًا.

في أبريل 2020، نفي مع خمسة بهائيين آخرين إلى خارج اليمن، ونُقل معصوب العينين من السجن مباشرة إلى المطار من دون أن يعرف إلى أين يُنقل، وهو ابن احد القبائل اليمنية، من دون أن يودع أهله وقبيلته. الطريف في الأمر، بالرغم من أن السلطة الحوثية هي التي قامت بنفيه من اليمن، فإن المحكمة الحوثية في صنعاء تعتبره – هو وسائر المنفيين - فارين من العدالة وتستمر في محاكمتهم بتهمة البهائية حتى اليوم.

هنا نص الحوار مع عيش:

ما هي حقيقة اعتقالك ومجموعة من البهائيين في صنعاء؟

الاعتقالات تمت على عدة مراحل ربما أشهرها ما حصل في 2016 باعتقال ما يقارب 70 من البهائيين بينهم قصّر.

تبع ذلك سلسلة من الاعتقالات وكذلك مصادرة ممتلكات وأموال البهائيين واغلاق بعض المؤسسات التي يديرها بهائيون رغم انها ليست مؤسسات دينية بل مؤسسات خدمة مجتمع يعمل فيها جميع اليمنيين على حد سواء.

سبق ذلك اعتقال ومحاكمة حامد بن حيدرة والذي تعرض لظلم كبير وتعذيب شديد سبب له إعاقة في القدم وفي السمع نتيجة الضرب المبرح والصعق الكهربائي وسُجن ظلمًا أكثر من 7 سنوات وحكم عليه بالإعدام.

أما أنا فتم اعتقالي عدة مرات وسجني قرابة 3 سنوات ونصف، وبعدها تم نفينا قسرا إلى خارج بلادنا. انها سلسلة من الاعتقالات والظلم والاضطهاد المنهجي، بل الحقيقة اشد واسوأ كثيرًا مما تناولته وسائل الإعلام.

خطة منهجية واضحة

هل يتعرض البهائيون للتطهير الديني في اليمن؟
هناك خطة منهجية واضحة لممارسة نوع من الإبادة الثقافية للبهائيين اليمنيين ومسح هويتهم كإحدى مكونات المجتمع اليمني المتنوع. الجرائم التي ترتكب في حق البهائيين ترقى لتصنف كجرائم تطهير ديني. الاضطهاد لا يتوقف على حد اعتقال ومحاكمة البهائيين بسبب معتقدهم بل يتجاوز ذلك بكثير.

الحوثيون يبثون خطاب كراهية وطائفية وينشرون الأكاذيب بهدف إثارة المجتمع ضد البهائيين. خطاب الكراهية هذا موجود على مختلف المستويات ابتداء من رأس الهرم وخطابه التلفزيوني المعروف وصولًا إلى وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والجامعات والمدارس والخطب في المساجد.

هناك أيضًا مضايقات كثيرة يتعرض لها البهائيون مثل التهديد والاستجواب المتكرر ومصادرة الأموال والممتلكات وإغلاقه المؤسسات البهائية وإيقاف التعاملات المصرفية لبعض البهائيين وغيرها كثير.

لماذا يستهدفكم الحوثيون؟ هل هي أوامر إيرانية؟
كل من يتابع الساحة اليمينة يعلم أن العديد من طبقات ومكونات المجتمع اليميني تعاني الاضطهاد على يد الحوثيين.

فرغم إننا لا نتدخل في الشؤون السياسية ولا نحمل السلاح وليست لدينا أية مطالبات سياسية، فإن الحوثيين يعملون بكل اصرار على اضطهادنا. وللانصاف، المجتمع اليمني معتاد على التنوع، فجذور البهائية في اليمن تعود إلى أكثر من قرن ونصف، ولم نشهد مضايقات تذكر طوال هذه السنوات. ومعرف عن المجتمع اليمني إنه مجتمع متعايش منذ القدم. ما يحدث الآن له بعد طائفي واضح وصريح، وهو نسخة مكررة لما يقوم به النظام الإيراني من اضطهاد ممهنج ضد البهائيين هناك. نفس الاتهامات نفس الأساليب نفس طرق الايذاء.

إيران تحدثت علانية منذ التسعينات عن تصدير فكرة محاربة البهائيين إلى خارج حدودها، وبمجرد أن تمكن حلفاؤها من السيطرة على صنعاء بدأت عمليات الاضطهاد المنهجية.

الطريف أنه اثناء عمليات الاعتقال والاستجواب والتعذيب كان هناك ضباط وموظفين يعتذرون منا، كانوا يقولون نحن مجبرين بأوامر من القيادة للقيام بهذه الاعمال ضدكم، وكان بعضهم يؤكد بأنها كلها بسبب توجيهات تصل للحوثيين من إيران.

الاتهامات الموجهة إلينا مضحكة

إلى جانب اتهامكم بالعمالة لأميركا وإسرائيل، ما هي التهم الأخرى التي وجهها إليكم الحوثيون؟
قصة الاتهامات الموجهة إلينا مضحكة. تخيل أن الدليل المستخدم ضدنا في محاضر الاتهام هو أننا معروفون بعمل الخير ومكارم الأخلاق وحسن المعاملة، يرون أن هذا تظاهر منا لخداع المجتمع.

تخيل أن يتم اتهامك بالتجسس لأن اخلاقك حسنة، هل هذا منطق؟ هل يعقل أن آلالاف البهائيين على مدى سنوات طويلة اتفقوا صغارا وكبارا بالتظاهر لخداع المجتمع؟ هل هذا منطق يقبله عقل؟ في الحقيقة هذه التهمة وسام نضعه على صدورنا وشهادة نعتز بها.

إن الأماكن المقدسة البهائية متواجدة في عكا وحيفا، وبالتالي ينسجون في مخيلتهم الطائفية ضرورة أن تكون هناك علاقة تجسس بين البهائيين وإسرائيل.

المسجد الأقصى وكنيسة القيامة مواقع مقدسة، فهل هذا يجعل من المسلم أو المسيحي جاسوسًا لإسرائيل؟ هل لو تابع مسلم أخبار المسجد الأقصى أو وضع صورة لها في منزله يصبح جاسوسًا؟

برأيي، الإصرار على هذه التهمة هو أولًا لتشويه سمعة البهائيين وتخويف المجتمع اليمني منهم، وثانيًا وهو الأهم لتبرير ما قاموا به من مصادرة ونهب لأموال وممتلكات البهائيين ومؤسساتهم بصورة غير قانونية. يحاولون استغلال القانون لتسهيل نهب حقوق البهائيين.

لماذا اتخذت قضيتكم هذا البعد الدولي بصدور بيانات من الأمم المتحدة ومن جهات أخرى؟
الحقيقة أن الجمعيات الحقوقية اليمنية والدولية لعبت دورا مهما في هذه القضية، وانا هنا أود أن أشكر كافة الافراد والمنظمات الحقوقية والإنسانية التي تدافع عن أي مظلوم في اليمن، سواء أكان بهائيًا أم غير بهائي.

يصعب جدًا على أي منظمة حقوقية أن ترى آلاف الأبرياء ضحايا الصراع ممن لا يدخلون في التنافسات السياسية ولا يحملون السلاح يتم استهدافهم واضطهادهم رجالا ونساء كبارا وأطفالا لمجرد أنهم بهائيين، ولا تدافع.

نفي قسري

هل تعتبر خروجكم من السجون بضغوط دولية ومن الأمم المتحدة انتصارًا؟ أم تعتبرونه نفيًا قسريًا؟
لا شك في أنه نفي قسري وظلم كبير. نحن لم يكن لنا أي رأي في الموضوع، فجأة تم حملنا في عربات إلى المطار، من دون أن يتاح لنا حتى ارتداء ملابس ملائمة.

تخيل أنك مسجون لسنوات ومحروم من مقابلة والديك واسرتك وزوجتك وابنائك وفجأة تجد نفسك في المطار لترحل إلى حيث لا تعلم دون أن تتاح لك فرصة اللقاء أو الوداع ودون أن تدري إلى أين تذهب. انها تجربة صعبة لا اتمناها لأي شخص.

حاولت الأمم المتحدة لسنوات أن تُخرج البهائيين من المعتقلات والسجون ليعودوا إلى بيوتهم وقبائلهم ازاء رفض الحوثي. ساءت الحالة مؤخرا مع انتشار كورونا، وأصبح البقاء في السجون يهدد حياة المعتقلين بشكل مباشر.

مع ازدياد الضغوط الحقوقية والدولية، قرر الحوثيون إخراجنا شريطة نفينا الفوري من اليمن. هذا لم يكن خيار الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية كما يعتقد البعض، بل كان فرضًا من سلطة الأمر الواقع. لم يكن أمام المنظمات خيار آخر فإما أن يتم ترحيلنا أو نموت في السجن.

رغم مرارة النفي والبعد عن الوطن والأحباب، يجب أن اشكر كل من عمل بصدق من اجل مساعدة المعتقلين، ونحن نعلم جيدا أن خيار نفينا وترحيلنا لم يكن رغبتهم بل ما فرضه الحوثيون.

ما هي مؤسسة نداء للتعايش؟
مؤسسة نداء للتعايش مؤسسة مجتمع مدني تأسست وفق القانون والدستور اليمني عام 2012، وهي مؤسسه تنموية اجتماعية غير ربحية لها مجموعه من الأهداف تسعى إلى نشر وعي وثقافه التعايش في المجتمع اليمني إيمانا منا بأن التعايش والقبول بالأخر هو الاساس الاول واللبنة الاولى لبناء أي مجتمع ولتحقيق الامن والاستقرار في أي مجتمع انساني أيا كان ذلك المجتمع.

نعمل من خلال المؤسسة على تحقيق العديد من الأهداف التنموية والتوعوية والثقافية، ولها اسهامات جيدة في المجالات والمشاريع الخيرية. كما نهتم بتمكين الشباب وتعليم النشء والشباب اليافعين من خلال أطلاق الطاقات الإبداعية لهذه الفئة العمرية عن طريق برنامج عصري لا يتحدث عن الجانب الديني بصورة من الصور أنما هو برنامج يهتم ببناء قدراتهم ووعيهم وإدراكهم ودورهم في خدمة مجتمعهم.

وعقدت المؤسسة العديد من المحاضرات والندوات الثقافية والفكرية، ولها تنسيق وشراكات مع مركز منارات الذي تنطوي تحت مركز منارات أكثر من (120) منظمة مجتمع مدني، وتم تنظيم أعمال مشتركة وندوات وورش عمل تهدف إلى بناء الوطن والمساهمة في خير ورفاه أبناء الشعب اليمني. وللعلم بالإضافة إلى مقرها الرئيسي في صنعاء كان لها فروع في كل من محافظة اب وعمران والحديدة وكنا بصدد فتح فروع في محافظات أخرى.

جزء من رسالة

عُرفت في مجتمعك اليمني قيامك بدور لحل الخلافات بين القبائل. هل برأيك هناك حل لهذه المشكلة التاريخية؟
هذه كانت من أولوياتنا. علاج الخلافات والنزاعات في مجتمع قبلي مثل اليمن من أهم متطلبات تعزيز حالة الإخاء وثقافة التعايش. لذا قمنا في مؤسسة نداء بالمساهمة المباشرة في حل النزاعات القبلية ووفقنا بمشاركة عدد من موظفي المؤسسة من أبناء القبائل ومشايخ القبائل اليمنية في حل الكثير من الاشكالات القبلية بين ابناء القبائل وإنهاء العديد من النزاعات والخلافات في عمران وفي بني مطر وفي الحيمة وفي مناطق أخرى.

قبل استلام الحوثيين زمام الأمور في صنعاء، عملت من خلال المؤسسة على تطوير وتوثيق وثائق للصلح في حالات النزاعات القبلية غير السياسية. وهو جزء من رسالة المؤسسة في تعزيز حالة التعايش والإخاء بين مختلف أبناء الشعب اليمني.

هل تستطيعون مزاولة أنشطتكم والمؤسسة وانت في خارج اليمن؟ وما أهم أهدافكم للمرحلة المقبلة؟
رغم قيام القوات الحوثية بمداهمة مقرات المؤسسة ونهب كافة ممتلكاتها، إلا أن المؤسسة قائمة لأنها مؤسسة مرخصة قانونيا ومعروفة جيدا في المجتمع المدني وهي تعمل بموجب ترخيص رسمي صدر قبل هذه الصراعات. في الحقيقة المؤسسة كانت تؤدي رسالتها حتى ونحن في السجن لأن سجننا بحد ذاته كان رسالة واضحة تؤكد بأننا ثابتون على ايماننا بالتعايش.

نعم. اغلقوا المكتب ونهبوا ممتلكات المؤسسة، إلا أن الرسالة وصلت إلى كافة مدن وقرى اليمن بل إلى العالم أيضا.

اليوم نحن عازمون على الاستمرار في العمل ولدينا اليوم اعداد أكبر من الداعمين لرسالة وأهداف المؤسسة والتي تريد تعزيز ثقافة التعايش في البلاد.

لنا مشاريع بدأت بالفعل وهناك خطوات كثيرة أخرى في الطريق، ومن حسن الحظ أن التقنية اليوم تغلبت على بعد المسافات.

اليمن اليوم في أمس الحاجة إلى هذه القيمة الإنسانية السامية الا وهي التعايش. فالصراعات والحروب والقتال والأزمات خلقت تحديات اجتماعية وثقافية كثيرة، لذا زاد اصرارنا وتمسكنا بأهداف ومشاريع المؤسسة.

مضايقات متوقعة

ثمة مضايقات من الحوثيين للمؤسسات التي تحاول القيام بأعمالها عبر الفضاء الإلكتروني، كيف ستتعاملون مع ذلك؟
المضايقات موجودة ومتوقعة، وهذا ما يعطي قيمة وأهمية بالغة لما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني.

هذا مجتمعنا وخدمته واجب علينا، والحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى. ونحن لا نقوم بأي عمل غير قانوني من حيث الترخيص والأهداف معلنة ومسجلة لدى الحكومة منذ تأسيس مؤسسة نداء للتعايش. نحن نعمل الان في أطار الفضاء الإلكتروني ونعمل وفق الامكانيات المتاحة، ونحاول حاليا تجديد الترخيص.

تعلم أن واقع الاتصالات اليوم سَهَّلّ أمورا كثيرة. بل حتى من يتواجدون داخل اليمن يقومون بمعظم فعالياتهم عن طريق شبكات التواصل بسبب أوضاع كورونا. وجودنا في المنفى لن يقلل من عزمنا على الاستمرار. إضافة إلى ذلك، هناك المئات غيرنا في كافة المدن اليمنية ممن يؤمنون برسالة المؤسسة ويشاركون في مشاريعها لخدمة أبناء الشعب اليمني.

أصدر أحد القيادات الحوثية تعميما بمنع المؤسسات من اي نشاط اغاثي ومن تقديم اي مساعدات للشعب اليمني ما لم يكن ذلك من خلالهم، ما تعليقكم على ذلك؟

مؤسف ما يحدث في اليمن، وما نخشاه أن يزيد ذلك من معاناة الناس الذين يعانون كثيرًا وهم في أمَس الحاجة لاستمرار الاعمال الإغاثية.

بصورة عامة، نحن مؤسسة خدمه اجتماعية ولسنا مؤسسة متخصصة بالإغاثة. صحيح لنا بعض المساهمات في مجال الإغاثة في أوقات الذروة، إلا أن هدفنا الرئيسي منصب بشكل أكبر على الجانب التوعوي والثقافي بما يتعلق بتعزيز حالة التعايش والإخاء والتغلب على التعصبات والكراهيات التي تتكون في حالات الصراعات. أيضا سنعمل على أبراز الوضع الانساني المأساوي والسيئ الذي يعانيه الشعب اليمني بسبب هذه الصراعات العبثية.