إيلاف من بيروت: بواحدة من أغرب التهم التي سمعها اللبنانيون حديثاً، استدعت القوى الأمنية اللبنانية الناشط وطبيب الأسنان رامي فنج، للتحقيق معه في مخفر التل بطرابلس وذلك بسبب توزيعه للطعام والمساعدات على المحتاجين والمتظاهرين في المدينة.

وأثارت هذه الخطوة استغرابا وغضبا، لاسيما وأن البلاد تمر بأسوأ أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، بات فيها مشهد توزيع المساعدات والأطعمة على الفقراء في الساحات العامة أمرٌ مألوف يومياً، بحسب تقرير نشره موقع "الحرة".

قمع مستمر

هذه المفارقة تلقفها لبنانيون كمدخل جديد للقمع تنتهجه السلطات اللبنانية ضد النشطاء المدنيين، وإثارة الشبهات حولهم وإخضاعهم للاستدعاءات الأمنية من أجل ترهيبهم ودفعهم نحو التراجع عن نشاطاتهم، بحسب ما عبروا في رسائل دعم بثوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً مع الدكتور فنج، ووضعوا أنفسهم معه في التهمة نفسها، موثقين توزيعهم للطعام على المحتاجين ومطالبين الدولة باعتقالهم والتحقيق معهم أيضاً.

الخطوات الرمزية ترجمت تحركاً على الأرض أمام مخفر التل في طرابلس، واكب حضور فنج إلى التحقيق صباح اليوم الخميس، برفقة وفد ضم ممثلين عن نقابات المحامين وأطباء الأسنان وبلدية طرابلس، حيث احتشد عشرات الأصدقاء والمتضامنين رافعين شعارات تدين استدعاءات الأجهزة الأمنية للناشطين وتطالبهم بالتحقيق في القضايا المطلوبة منهم كانفجار مرفأ بيروت والاستحواذ على أموال المواطنين في المصارف والفاسدين في الدولة.

من أين؟

يروي فنج لموقع "الحرة" ما حصل معه خلال التحقيق، حيث "سألوني إن كنت أنا الظاهر في الصورة لديهم أوزع الطعام عند الساعة الرابعة عصراً بتاريخ 31 يناير في ساحة النور، فقلت لهم هذا صحيح، فسألوا عن مصدر التمويل لهذه المساعدات، أجبتهم أنهم لبنانيون من مختلف الأراضي اللبنانية ومن جميع الطوائف يقدمون مساعدات، فأوقفوني عن الكلام وقالوا لا نريد أن نعرف أكثر من ذلك، عرضت عليهم التدقيق في لائحة التبرعات فيها فرفضوا واكتفوا بأقوالي".

يضيف فنج "خرجت وقلت لهم أنني متوجه إلى منطقة التبانة حيث لدينا مطبخ "شباب الخير" نعد ونجهز فيه الوجبات من أجل متابعة توزيعها على المحتاجين، وهو أمر نقوم به منذ بداية الثورة، وأنا شخصياً بلغت الـ55 من عمري، ومنذ عمر الـ17 أعمل في المجال الإنساني والإغاثة والمساعدات للنازحين والمحتاجين".

لا يخفي فنج أنه سبق وتوقع أن يصل إلى هذا الموقف "لأننا بنشاطنا نزعجهم، لكوننا نقوم بواجبنا الإنساني والوطني في زمن الكارثة فيما السلطات اللبنانية مقصرة تجاه الشعب، وعليه يتلقفون نشاطنا على أنه موجه ومدعوم من سفارات وجهات، ويحاولون البناء على ذلك من أجل كم الأفواه والترهيب، لكننا كمواطنين ونشطاء سنتابع لأننا فقدنا كل شيء وليس لدينا ما نخسره بعد، وإن كانوا يبحثون عن الجهات التي تحرك الشارع فإن ممارساتهم هي أول ما يستفز الناس ويدفعها إلى الشارع اعتراضاً كما حصل اليوم".

خطوات تضامنية

وكان المعتصمون خارج المخفر قاموا أيضاً وفي خطوة تضامنية وإنسانية بتوزيع نحو 300 حصة غذائية، بحسب ما أكد الدكتور يحيى الحسن لموقع "الحرة"، حيث كان منظما ومشاركاً في التحرك، مشيراً إلى أنه "إن كان هناك رسالة من خلف هذا الاستدعاء لكم الأفواه وتخويف المنتفضين فالرسالة فشلت من خلال التجمع والضغط الذي حصل عبر الاعتصام، وإن كان الهدف وقف نشاط توزيع الأطعمة ومساعدة الناس، فالهدف فشل أيضاً، وإن أصبحت تلك تهمة، فهذه تهمة تشرّف، كما قال جميع المعتصمين والمتضامنين".

وصدر بيان عن مجموعات "ثورة 17 تشرين" في طرابلس، اعتبر أن "مواجهة الدولة لهذه المبادرات الفردية المسؤولة الهادفة لدعم الطبقات الاكثر فقراً، هو نتيجة لعدم قيامها بدورها وعجزها، وترد على ذلك باستكمال استدعاءاتها للناشطين من شابات وشباب هذه المدينة ضمن مسار قمع ممنهج تتّبعه السّلطة منذ أول أيام الثورة، وبذلك تحرص على تكريس منطق الزبائنية وحمايته".

معايير مزدوجة

واتهم البيان السلطات اللبنانية باعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع المخالفين، وتكريس واقع بوليسية الدولة"، وقال إن السلطات "ترى في التكافل و دعم الطبقات الفقيرة بعضها البعض جريمة؛ بينما الجرائم الحقيقية بحق الشعب من سرقة أموال المودعين وتفجير مرفأ بيروت والاستيلاء على الأملاك العامة تبقى ليس فقط من دون عقاب بل قسم منها يخضع للتسوية لمصلحة المرتكبين أنفسهم، بحسب "الحرة".

كما طالب البيان باستدعاء "حيتان السياسة في المدينة لمساءلتهم عن مصادر المال السياسي الانتخابي وكراتين الذل، التي تنتشر في المدينة من قبل أحزاب السّلطة لتزيد من ارتهان أبناء المدينة المفقَرين بسببها".