الجزائر : منذ أعمال الشغب الدامية التي اندلعت في "الربيع الأسود" في أبريل 2001 في منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر، شهد الأمازيغ تلبية بعض مطالبهم المتعلقة بالهوية، لكنهم يشاركون بقوة في الحراك الشعبي حتى لا تتكرر المأساة.

في 18 أبريل 2001، أصيب طالب في المرحلة الثانوية يبلغ من العمر 18 عامًا ويدعى ماسينيسا قرماح بجروح خطيرة جراء إطلاق دركي النار عليه من سلاح كلاشينكوف في مقر الدرك الوطني في بني دوالة، وهي بلدة جبلية بالقرب من تيزي وزو، شرق الجزائر العاصمة. وكان قرماح أوقف بعد مشاجرة عادية بين الشباب والدرك.

وتوفي بعد يومين، بالتزامن مع ذكرى "الربيع الأمازيغي" في 20 أبريل 1980، عندما قامت السلطات بقمع المظاهرات المؤيدة للأمازيغية، فاندلعت أعمال شغب أشعلت المنطقة.

وانتشرت أعمال الشغب، التي غذاها السخط الاجتماعي، في كل منطقة القبائل ثم مناطق أخرى من الشرق، ولا سيما في الأوراس.

ونزل السكان إلى الشوارع للمطالبة بإغلاق مقرات الدرك الوطني في المنطقة. وتحولت المظاهرات إلى أعمال شغب، ثم مواجهات مع قوات الأمن التي أطلق عناصرها الرصاص الحي.

وأصبحت لجان القرى (العروش) في منطقة القبائل في مقدمة الحركة الاحتجاجية. فنجحت، من خلال خلق "تنسيقية"، في حشد مئات الآلاف في مسيرة في 21 مايو في تيزي وزو وفي 14يونيو في الجزائر العاصمة.

وأعطت أعمال الشغب، التي أسفرت عن 126 قتيلاً وآلاف الجرحى، بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا لقضية الهوية الأمازيغية بجوهرها الثقافي منذ عام 1980.

في 29 يوليو، خلصت لجنة تحقيق وطنية إلى أن الدرك كان مسؤولاً عن بدء أعمال الشغب وقمعها. وجاء في تقرير اللجنة أن "العنف المسجل ضد المدنيين هو عنف حرب باستخدام ذخائر الحرب".

قرر الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة - الذي انتخب قبل عامين من ذلك على أساس تعهّده إحلال السلام في بلد دمره تمرد إسلامي - تشكيل لجنة تحقيق، وعهد برئاستها إلى الخبير القانوني محند إسعد، وهو من منطقة القبائل.

في 12 مارس 2002، أعلن بوتفليقة أنه قرر "تضمين تعديل الدستور مادة تعترف بالأمازيغية كلغة وطنية دون اي هدف إلا لخدمة الوطن والمصلحة الوطنية".

في 8 أبريل، اعترف البرلمان بالأمازيغية كلغة وطنية ثانية إلى جانب اللغة العربية، تتويجًا لنضال استمر قرابة 40 عامًا في منطقة القبائل.

في 7 شباط/فبراير 2016، صادق البرلمان بأغلبية ساحقة على مراجعة جديدة للدستور نصت على أن الأمازيغية هي الآن "لغة رسمية" بينما اللغة العربية "هي اللغة الوطنية والرسمية" و "تظل اللغة الرسمية للدولة".

في منتصف كانون الاول/ديسمبر 2017، تظاهر مئات الطلاب لمدة أسبوع في عدة مدن، خاصة في منطقة القبائل، بعد رفض تعديل برلماني ينص على "تعميم تدريس الأمازيغية في جميع المدارس الحكومية والخاصة" في الجزائر مع إضفاء الطابع "الإجباري" على القرار.

في 12 كانون الثاني/ يناير 2018، احتفلت الجزائر بـ "ينّاير"، رأس السنة الأمازيغة الجديدة، التي أُعلنت يوم عطلة نهاية عام 2017، لأول مرة في بلد في شمال إفريقيا موطن الأمازيغ.

ومناسبة "ينّاير"، تم الاحتفال بها لفترة طويلة في الجزائر - لا سيما في المناطق الناطقة باللغة الأمازيغية حيث كان هذا اليوم عطلة بحكم الأمر الواقع - لكن الرئيس بوتفليقة اعطاها طابعًا رسميًا، حيث أعلن أنه يوم عطلة في الجزائر "لتوطيد الوحدة الوطنية".

في 30 نيسان/أبريل، صوت النواب لصالح إضافتها إلى قائمة الأعياد الوطنية، وبذلك أصبح يوم 12 كانون الثاني/يناير عطلة مدفوعة الأجر.

في 16 شباط/ فبراير 2019، تجمع بشكل عفوي آلاف المتظاهرين المعارضين لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة في خراطة بولاية بجاية في منطقة القبائل.

في 22 شباط/فبراير، امتد الاحتجاج إلى الجزائر العاصمة، ثم إلى بقية البلاد، حتى تحول إلى حركة شعبية غير مسبوقة، عُرفت بالحراك تطالب بـ"تفكيك النظام" القائم منذ الاستقلال عام 1962.

حشد الحراك السلمي الناس بقوة في منطقة القبائل المتمردة بطبيعتها، وسيُحكم على عشرات المتظاهرين بالسجن بتهمة رفع الراية الأمازيغية، التي منعها الجيش في المسيرات. لكن الراية لم تختف تمامًا.