بيروت: أثارت التوتّرات الأخيرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية على وقع التصعيد الدامي في قطاع غزة، تساؤلات عما إذا كان حزب الله بصدد المغامرة بفتح جبهة جديدة مع خصمه اللدود، لكن محللين يعتبرون أن الظروف غير مؤاتية لأي تصعيد حالياً.
وما لم تبادر اسرائيل المنهمكة حالياً بخوض أخطر صراع داخلي منذ العام 2014، إلى استفزاز القوة الشيعية المدعومة من إيران، فإن الحزب، وفق مقربين منه ومحللين، ليس مستعداً لخوض أي جولة حرب جديدة، ويكتفي حتى اللحظة بإعلان دعمه المطلق للحراك الفلسطيني.
ويقول الأستاذ الجامعي المقرّب من حزب الله الشيخ صادق النابلسي لوكالة فرانس برس "لا توجد مؤشرات حالية على أي تصعيد".
ويوضح أن "قرار الحرب وشنّها يتعلق تقليدياً بإسرائيل لا بحزب الله أو سواه من فصائل المقاومة".
وشكّل حزب الله الذي تأسس بدعم من الحرس الثوري الإيراني العام 1982 في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، أبرز قوة ساهمت في إخراج القوات الإسرائيلية من لبنان بعد نحو 22 عاماً من الاحتلال. وخاض الطرفان صيف 2006 حرباً دامية استمرت 33 يوماً وقتل خلالها 1200 شخص في لبنان معظمهم مدنيون و160 اسرائيلياً معظمهم جنود.
وتكرّر قيادة حزب الله الذي يمتلك ترسانة أسلحة ضخمة تتضمن صواريخ دقيقة، تأكيدها على ضرورة "تثبيت قواعد الاشتباك" التي أرستها حرب تموز/يوليو 2006.
وإذا كان الطرفان تجنّبا منذ ذاك الحين فتح أي جبهة جديدة في لبنان، رغم خروقات تسجّل بين الحين والآخر على طرفي الحدود، إلا أنّ اسرائيل استهدفت حزب الله بمئات الضربات في سوريا المجاورة حيث يقاتل عناصره بشكل علني منذ العام 2013 دعماً لقوات النظام. وكان آخر تلك الضربات الشهر الحالي في مرتفعات الجولان المحتلة.
وفي موازاة إشارته إلى أنّ "إمكانية نشوب حرب.. ما زالت منخفضة ومحدودة"، يؤكّد النابلسي أن "أي حدث صغير يمكن أن يؤدي إلى تصعيد كبير".
وشهد جنوب لبنان منذ بدء التصعيد في غزة حادثتي إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، آخرها ليل الإثنين سارعت المدفعية الإسرائيلية الى الردّ على مصادرها.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثتين. ولم يصدر أي تعليق رسمي عن حزب الله، لكن مصادر مقربة منه نفت أي علاقة له بهما.
وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه رصد في الأيام الأخيرة أشخاصاً يحاولون تخريب السياج الشائك على حدوده من الجانب اللبناني، محذّراً من أنه ينظر إلى أي محاولة مساس "بسيادة إسرائيل" الإقليمية "بأكبر قدر من الشدة".
وقتل الجمعة الشاب محمّد طعان (21 عاماً) المنتمي الى حزب الله، بنيران إسرائيلية في جنوب البلاد، إثر اجتياز مجموعة متظاهرين السياج الشائك مقابل مستوطنة المطلة الإسرائيلية.
ونعى الحزب في بيان طحان "شهيداً على طريق القدس"، إلا أنه لم تصدر تصريحات تتوعد بالرد. وطالما أكد الحزب أنه سيرد على مقتل أي من عناصره بنيران إسرائيلية وعلى أي اعتداء على لبنان.
وبدا واضحاً من خلال المواقف الاخيرة، حرص حزب الله على تأكيد تضامنه مع "المقاومة الفلسطينية"، من دون التلويح بأي انخراط أو تصعيد من لبنان.
وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله خلال إحياء يوم القدس في السابع من الشهر الحالي، إنّ "المسؤولية الأولى على الشعب الفلسطيني، عليه أن يقف ويكمل". وأضاف "لن نكون مَلكيين أكثر من الملك"، محذّراً في الوقت ذاته قائلا "لن نتساهل على الإطلاق مع أي خطأ وأي تجاوز وأي حركة عدوانية من قبل العدو الإسرائيلي" على لبنان.
وبعد زيارته مقرّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي في بيروت الأسبوع الماضي، قال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم في بيان "نحن معهم دعماً وتأييداً ومساندة في كل الطرق".
ولا يستبعد الأستاذ الجامعي والباحث طلال عتريسي أن يكون الحزب عملياَ بصدد دراسة إمكانية إرسال دعم مالي وعسكري ولوجستي، على غرار ما فعل سابقاً.
لكنه يشير إلى أن "ما من مؤشرات تدلّ على وجود نيّة للتوجّه الى حرب شاملة"، من شأنها أن تفتح جبهات عدة مع إسرائيل بينها سوريا.
وفيما يغرق لبنان منذ أكثر من عام ونصف العام في أسوأ أزماته الاقتصادية، وسط جمود سياسي يحول دون تشكيل حكومة منذ الصيف، يعتبر عتريسي أن حسابات محلية قد تقلّل من احتمالات نشوب حرب.
ويقول "البلد على شفير الانهيار بسبب الأزمة المالية والانقسام السياسي الواضح.. فلا حكومة ولا بنى صامدة ومتماسكة تسمح لاحد بالتفكير بعمل من هذا النوع".
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في وقت سابق هذا الشهر قبل بدء التوترات في القدس الشرقية ثم مواجهات غزة، أنّه سيبدأ أكبر مناورة عسكرية في تاريخه لمحاكاة وقوع حرب على جبهات عدة، تتضمن تدريبات على سيناريوهات قتالية على حدوده كافة، بما فيها لبنان.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن نصرالله أن عدد الصواريخ الدقيقة التي يملكها ولطالما حذرت إسرائيل منها، بات ضعفي ما كان عليه قبل عام.
ورغم ذلك، فلا مؤشرات على تصعيد مقبل.
ويقول النائب محمّد الخواجة عن حركة أمل، القوة الشيعية المتحالفة مع حزب الله، "المقاومة اللبنانية هي في موقع دفاعي ولا تبادر إلى افتعال هجوم على إسرائيل".
ويؤكد أنه راهناً "ما من سعي لبناني الى فتح جبهة مع إسرائيل، لكن الرد سيكون حاسماً في حال تعرّضنا لهجوم".
التعليقات