إيلاف من دبي: قبل أيام، صرح الرئيس الأميركي جو بايدن أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيكون مختلفاً تماماً عن تجربة الانسحاب من فيتنام عام 1975، لكن بعض الخبراء لا يتفقون مع بايدن ويرون أوجه شبه كثيرة بين الانسحابين مع قليل من الاختلافات، فهل ما زال شبح فيتنام ماثلاً في لحظات الانسحاب الأميركية من أفغانستان، وما أوجه الشبه والاختلاف بين هذين الانسحابين؟

مقارنة ممكنة؟

عندما سأل صحافيون، يوم الخميس الماضي، الثامن من يوليو (تموز)، الرئيس الأميركي جو بايدن عما إذا كان هناك تشابه بين انسحابه من أفغانستان وتراجع الولايات المتحدة المهين من فيتنام قبل نحو نصف قرن، كان رده مباشراً وقاطعاً، وهو أنه لا وجه للمقارنة على الإطلاق بين الانسحابين، موضحاً أنه في بداية السبعينيات عندما كانت حرب فيتنام تقترب من نهايتها، كانت قوات فيتنام الشمالية أقوى بكثير من قوات حركة طالبان الأفغانية اليوم، ولم تكن هناك ظروف مماثلة تستدعي نقل أشخاص من فوق سطح سفارة الولايات المتحدة من أفغانستان، في إشارة إلى ما حدث في أبريل (نيسان) عام 1975، عندما أخلت طائرات مروحية أميركية فيتناميين من فوق سطح مبنى مجاور للسفارة الأميركية في سايغون، وهو مشهد ما زال محفوراً في ذاكرة ملايين الأميركيين حتى الآن، وفقًا لموقع صحيفة "إندبندنت عربية".

يستند بايدن في هذا المنطق إلى أن القوات الحكومية الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة يبلغ قوامها 300 ألف فرد، وهي مجهزة بشكل جيد مثل أي جيش في العالم، وتمتلك قوة جوية لا تمتلكها قوات حركة طالبان التي يبلغ قوامها 75 ألف فرد تقريباً، ولهذا يستبعد الرئيس الأميركي فرضية أن انهيار القوات الحكومية الأفغانية هي مسألة حتمية، كما حدث وانهارت قوات فيتنام الجنوبية فور انسحاب حليفها الأساسي (القوات الأميركية) من فيتنام بعد ما يقرب من 20 عاماً من الصراع والحرب هناك.

شبح فيتنام

ويبدو أن بايدن الذي صوت حين كان أصغر سيناتور في مجلس الشيوخ الأميركي عام 1975 ضد تقديم أي مساعدة لقوات فيتنام الجنوبية خلال لحظات انهيارها، تعلم الدرس جيداً، فقد تعهد للرئيس الأفغاني أشرف غني خلال قمة جمعتهما، الشهر الماضي، في البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات كبيرة وقدرات عسكرية من خارج أفغانستان، على الأرجح عبر استخدام طائرات "درون" وتوجيه ضربات جوية أميركية لمساعدة القوات الحكومية الأفغانية، ما يعني أن أميركا لن تتخلى عن دعم القوات الأفغانية في أفغانستان.

وبحسب "إندبندنت عربية"، لم يكن من المستغرب أن يتغير موقف بايدن عن مواقفه السابقة خلال حرب فيتنام التي ظلت تطارده سنوات طويلة من حياته، فقد انتقد المحافظون سجل بايدن في التصويت خلال انسحاب القوات الأميركية من فيتنام، حيث كتب دونالد رامسفيلد في مذكراته التي صدرت عام 2018، أنه حين كان في أبريل 1975 يشغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض خلال رئاسة جيرالد فورد، صوت السيناتور بايدن الذي كان في الثانية والثلاثين من عمره مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ لمنع الرئيس من الوفاء بمسؤوليته الأخلاقية في مساعدة اللاجئين الفيتناميين الجنوبيين الفارين من الاضطهاد.

كما وصف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في تصريحات عام 2014، تصويت بايدن في فيتنام بأنه خرق للثقة، وأن بايدن كان مخطئاً في معظم قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي ومنها تصويته ضد حزمة المساعدات للفيتناميين الجنوبيين، كجزء من الصفقة الأميركية للانسحاب من جنوب فيتنام بهدف محاولة مساعدتهم في البقاء على قيد الحياة.

لكن بايدن هذه المرة، بات داعماً لمساعدة حلفاء الولايات المتحدة من الأفغان على مغادرة البلاد إذا أرادوا ذلك، مؤكداً أن واشنطن ستعمل على نقل آلاف الأفغان وعائلاتهم خارج البلاد قبل انتهاء المهمة العسكرية الأميركية حتى يتمكنوا من الانتظار بأمان إلى أن يتم استكمال إجراءات تأشيرات دخولهم إلى الأراضي الأميركية.

فيتنام بايدن

ومع ذلك، يتوقع عديد من الخبراء حرباً أهلية طويلة الأمد في أفغانستان على عكس الانهيار السريع لقوات فيتنام الجنوبية، إذ من المحتمل ألا تكون هذه الحرب حاسمة لسنوات عدة على الأقل، وحتى لو تمكنت حركة طالبان من السيطرة على كامل البلاد في وقت لاحق، فلا شك أن بايدن يأمل في أن تكون العناوين الرئيسة عن الحرب في أفغانستان قد تراجعت في وسائل الإعلام الأميركية والدولية بحلول ذلك الوقت، وأن يكون هو نفسه قد تجاوز معركة إعادة انتخابه الرئاسية عام 2024 إذا قرر الترشح لدورة حكم ثانية.

لكن بايدن بدا من وجهة نظر كثيرين من المراقبين متسرعاً في رفضه مقارنة ما يجري حالياً في أفغانستان بما حصل في فيتنام، فعلى الرغم من كون القوات الحكومية الأفغانية أفضل تجهيزاً من قوات طالبان، إلا أن القوات الأفغانية المحبطة التي تفتقد إلى الروح المعنوية المرتفعة، تخلت عن أجزاء كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها في البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي مرت منذ إعلان بايدن قراره الانسحاب من أفغانستان، وإذا تواصلت المعارك وعمليات إراقة الدماء في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي النهائي في 31 أغسطس (آب) المقبل، وهو الموعد الذي أكد عليه بايدن مجدداً، فمن المرجح، بحسب مراقبين، أن تصبح أفغانستان "فيتنام بايدن" ويتحول ذلك إلى شعار يخيم على فترة رئاسته قبل انتخابات عام 2024، أو حتى خلال انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 ، بخاصة أن الجمهوريين يتلهفون في البحث عن نقاط ضعف في فترة حكم بايدن.

الشبه مخيف

تقول "إندبندنت عربية" إن ليس هناك من شك في أن عديداً من المعلقين المحافظين وبعض الليبراليين يتفقون أن الانسحاب السريع للولايات المتحدة من فيتنام تسبب في خسارة واشنطن حربها الأولى من الحروب التي لا نهاية لها، على الرغم من أن الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب فعل الشيء ذاته، وكان مصراً على الانسحاب من أفغانستان قبل نهاية أغسطس بنحو ثلاثة أشهر.

ولهذا يخشى حلفاء بايدن أن تطارد عملية الانسحاب من أفغانستان الرئيس الأميركي خلال سنوات حكمه المتبقية، بخاصة إذا تحقق ما يخشاه معظم المراقبين من استيلاء قوات طالبان على كل الأراضي الأفغانية بأسرع مما هو متوقع، ما يعني أن أوجه الشبه بين فيتنام وأفغانستان ستصبح حقيقة واقعة، وهو ما عبر عنه نواب ديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي مثل جيري كونولي خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب خلال شهر مايو (أيار) الماضي، حيث أوضح أن انسحاب أميركا من أفغانستان يحمل بعض أوجه الشبه المخيفة مع فيتنام، منتقداً طريقة الانسحاب الأميركية التي تستند إلى فكرة تقليص الخسائر والمغادرة بسرعة، مع الأمل في تحسن الأوضاع، بمنطق أن ما سيحدث بعد ذلك ليس مشكلة الولايات المتحدة.

غير أن المخاوف مما هو قادم في أفغانستان يتسع ليشمل دبلوماسيين، بل وكبار المسؤولين في إدارة بايدن نفسه، إذ حذر ريان كروكر السفير الأميركي السابق في أفغانستان، من مغادرة الولايات المتحدة على عجل، لأنها بذلك ستتنازل عن معظم معلوماتها الاستخباراتية المفيدة عن الدولة التي استضافت تنظيم القاعدة الإرهابي قبل أحداث الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001، كما أوضح الدبلوماسي الأميركي المخضرم وليام بيرنز الذي يشغل حالياً منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي"، في شهادة له خلال أبريل الماضي، أن قدرة الولايات المتحدة على العمل ضد التهديدات المتطرفة التي تنشأ في أفغانستان ستنخفض بشكل كبير عندما تغادر القوات الأميركية الأراضي الأفغانية، وستتضاءل قدرة الحكومة الأميركية على جمع المعلومات الخاصة بالتهديدات والتعامل معها.

سيناريو يتكرر

ويعتقد كروكر وغيره من المنتقدين لاتفاق بايدن الإطاري مع طالبان، أن هذا الاتفاق أشبه بسيناريو مكرر مع ما فعلته إدارة الرئيس نيكسون في تهميش الحكومة الفيتنامية الجنوبية في سايغون خلال اتفاقيات باريس للسلام مع فيتنام الشمالية، تماماً مثلما تفاوض الأميركيون فقط مع عدوهم في أفغانستان، ولم يقدموا سوى القليل من كلام الولاء الكاذب لحكومة الرئيس غني الأفغانية في كابول، بحسب "إندبندنت عربية".

كما تشابه أسلوب ممارسة الضغط على الحليف في كل من فيتنام وأفغانستان، ففي رسالة خاصة في عام 1972، حذر نيكسون الرئيس الفيتنامي الجنوبي آنذاك نغوين فان ثيو من أن رفضه التوقيع على اتفاقية السلام التي نتجت عن التفاوض مع الشماليين الشيوعيين، سيجعل استمرار دعم الولايات المتحدة لفيتنام الجنوبية أمراً مستحيلًا، وهو ما تكرر من الأسلوب الفظ نفسه في رسالة بعث بها أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة إلى الرئيس الأفغاني غني في مارس (آذار) الماضي، ليوضح الشروط التي يتعين على الرئيس اتباعها، وأن عليه القبول بالمشاركة في السلطة مع طالبان ضمن حكومة جديدة وشاملة، على الرغم من أن الإدارات الأميركية كانت تعتبر أن الحكومة الأفغانية في كابول منتخبة ديمقراطياً وأنها السلطة الشرعية للبلاد.

بعض الاختلافات

ومع ذلك، فإن المبالغة في مقارنة سيناريو فيتنام مع انسحاب الأميركيين من أفغانستان ليس مفيداً، نظراً لعدد من جوانب الاختلاف بين الحالتين، إذ إنه من غير المتوقع حدوث انهيار فوري وكامل للقوات الحكومية الأفغانية، بعدما أظهرت قوات الأمن الأفغانية صلابة شديدة، على الرغم من الخسائر الفادحة.

وعلاوة على ذلك، فإن بعض المراقبين مثل حسين حقاني السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، يتفق في أن مقاومة طالبان داخل أفغانستان تظل أقوى بكثير من المقاومة التي كانت عليها قوات الفيتناميين الجنوبيين في قتالهم ضد الشيوعيين الفيتناميين الشماليين قبل نصف قرن. وبالنظر إلى تجربة طالبان السابقة في سيطرتها على أفغانستان عقب خروج السوفيات من البلاد، فإن حركة طالبان لم تتسلم زمام الأمور إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتوقف موسكو عن إرسال الدعم والأموال إلى حكومة كابول.

وهناك أيضاً واقع ديموغرافي مهم يجب وضعه في الحسبان، وهو أن نسبة تتراوح بين 40 إلى 45 في المئة من الجماعات غير البشتونية في أفغانستان لا يحبون طالبان، لا سيما الطاجيك الذين شكلوا التحالف الشمالي في الشمال وحاربوا طالبان لسنوات عدة، وما زالوا يعارضونها، ولهذا يصدق قول الرئيس الأميركي جو بايدن بأن أفغانستان لم تكن قط دولة موحدة، في أي مرحلة من تاريخها.