تونس: يردد الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ اعلانه القرارات الاستثنائية في تموز/يوليو الفائت أن "لا رجوع إلى الوراء"، أمام تونسيين يريدون طيّ صفحة عشر سنوات "مخيبة للأمل" ومعرفة أهداف هذه الإجراءات.

وقد زادت الرؤية ضبابية حول مستقبل البلاد منذ قرّر سعيّد تمديدا جديدا حتى اشعار آخر لأعمال البرلمان.

ويرى حبراء ومحللون أن مستقبل البلاد بات بين يدي الرئيس الذي يمسك بكل زمام القيادة في البلاد، مقحما نفسه في مأزق دستوري وسياسي.

وأعلن سعيّد في 25 تموز/يولو الفائت تجميد أعمال البرلمان لثلاثين يوما وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطة التنفيذية.

ومع اقتراب انقضاء المهلة أعلنت الرئاسة ليل الاثنين "اصدار رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أمرا رئاسيا يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر".

ماذا بعد؟
تدور في أذهان التونسيين تساؤلات عدّة منها: ماذا بعد؟ وما هي المراحل المقبلة؟ من دون الحصول على اجايات تشفي الغليل.

وعنونت صحيفة "الصباح" الناطقة بالعربية الأربعاء "أي نوايا للرئيس بعد بلاغ التمديد؟"، بينما كتبت صحيفة "الشروق" اليومية "التمديد كان منتظرا والغموض يلف المرحلة القادمة".

ويرى الخبير في مركز "كارنيغي" حمزة المؤدب أنه بعد قرار تجميد أعمال البرلمان، فإن تعليق العمل بدستور العام 2014 أصبح "ضروريا... وهي مسألة وقت"، منبها من أنه "ستكون لذلك عواقب".

ويتابع المؤدب "هناك قوى أجنبية ومنظمات وطنية تراقب" خصوصا وأن البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية، في حاجة إلى دعم دولي.

ويعتبر الباحث أن سعيّد "لن يستطيع الرجوع إلى الوراء ولكنه لا يعرف كيف يتقدم".

ويؤكد "يريد توضيح مخططه وخاصة اقناع الرأي العام الدولي" والحصول على الضوء الأخضر من طرف المؤسسات الأمنية.

وعلى المستوى الوطني "قطع سعيّد الحوار مع الأحزاب والمنظمات" حسب المؤدب الذي يرى أنه "لا يمكن ترك شخص يقرر مصير البلاد،وعلى هذا الشكل تكون الدكتاتورية".

ودعت مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية على غرار "الاتحاد العام التونسي للشغل" (المركزية النقابية) في أقرب الآجال الرئيس سعيّد إلى تشكيل حكومة وتقديم خارطة طريق توضح مختلف المراحل التي ينوي القيام بها في المستقبل.

لكن سعيّد أوصد الأبواب أمام كلّ هذه المطالب.

ويُبين المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن "الرئيس لا يؤمن بالأحزاب ولا المنظمات ولا حرية التعبير. لا يوجد سواه والشعب".

ويتابع "انه يستعد لاتخاذ قرارات جذرية قد تتعلق بتعليق الدستور وحلّ البرلمان وانشاء مؤسسات أخرى".

ويرى أن البلاد "تتجه نحو نظام فردي".

لكن التحدي الأكبر أمام البلاد هو بالأساس اقتصادي على ما يؤكد المحلل مع "دفع الديون وأزمة تتخلل كل القطاعات. كيف سيتمكن من ادارة كل هذا؟" مشيرا إلى أن سعيّد "يقف فوق رمال متحركة" على المستوى الاقتصادي.

يدعم أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ القرارات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس ويقول إنه يجب أيضا "وضع حد لدستور 2014 لأنه سبب الأزمة الحالية في تونس. هو موّلد الأزمات عوض أن يكون موّلدا للحلول".

صراع سياسي

وظهر الخلاف الحاد والصراع السياسي منذ شهور بين الرئاسة والحكومة والبرلمان ما أدخل البلاد في دوّامة تعطلت اثرها عجلة الدولة وفاقمت من تداعيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي.

وبعد عشر سنوات على الثورة، ظهر احساس بالندم عند عدد كبير من التونسيين وغضب شعبي تجاه طبقة سياسية "تفتقد إلى الكفاءة" و"مخيبة للأمل".

ويضيف محفوظ أن "تجميد أعمال البرلمان ساهمت في خفض الاحتقان في تونس ...، لكن يجب كذلك إلغاء دستور 2014".

وفي تقديره ان الرئيس سيُدعى لاحقا إلى "كتابة نص موقت لتنظيم السلطة العمومية" قبل أن يختار لجنة تكلف بكتابة مشروع نص لدستور جديد بطرح على الشعب للاستفتاء.