برلين: دعا المرشّحان الأوفر حظاً لخلافة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل واللّذان يُسجّلان نسب تأييد متقاربة في استطلاعات الرأي، إلى تعزيز الإتحاد الأوروبي في مواجهة الصين والولايات المتحدة، وذلك خلال المناظرة الأخيرة بينهما قبل الإنتخابات التي ستشهدها ألمانيا ويبدو أن نتائجها مفتوحة على الإحتمالات كافة.

وضاق الفارق بين المرشّح الإشتراكي الديموقراطي أولاف شولتز الذي حصل حزبه على نسبة تأييد هي الأكبر، بلغت 25%، وبين مرشح الإتحاد الديموقراطي المسيحي أرمين لاشيت الذي حصل حزبه على نسبة بلغت 23% وهو معدّل منخفض تاريخيًّا، وفقًا لاستطلاع أجرته قناة "زي دي إف" العامة نشرت نتائجه مساء الخميس.

المناظرة الأخيرة

وسيتابع شركاء ألمانيا في أوروبا والعالم التصويت من كثب، لأنّهم قلقون من شلل قد يستمر أشهرًا لتشكيل ائتلاف حكومي سيكون الأول بعد عهد ميركل.

وبدا خلال المناظرة الأخيرة أنّ هناك إجماعاً في ألمانيا يتشكّل حول الحاجة إلى تعزيز "السيادة الأوروبية"، وهو مصطلح استخدمه المرشّحان.

وقال شولتز، نائب المستشارة الحالي، إنّه في "عالم سيضمّ قريبا 10 مليارات نسمة"، من المهمّ أن يكون هناك "اتّحاد أوروبي قوي، وإلّا فإنّنا لن نؤدّي أيّ دور" فيه.

وشدّد على أنّه "يتفهّم انزعاج" فرنسا بعد إلغاء أستراليا العقد معها بشأن الغواصات. كذلك، كرّر شولتز تمسّكه بحلف شمال الأطلسي، وهو أمر يرفضه حزب اليسار الراديكالي "دي لينكه"، الشريك المحتمل في الإئتلاف الحكومي الألماني المرتقب تشكيله بعد الإنتخابات.

انتهاء حقبة ميركل

من جهته، قال لاشيت الذي يحاول اللّحاق بركب منافسه في استطلاعات الرأي، "نحن نحتاج إلى التحدّث بصوت واحد، نحتاج إلى إطلاق مشاريع مشتركة ومشاريع تسليح حتى نتمكن من العمل بمجرّد انسحاب الولايات المتحدة (من أي اتفاق)، وهذه مهمة يتعيّن على الحكومة المقبلة إنجازها".

وتطوي ألمانيا الأحد صفحة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم، في إنتخابات تشريعية تبقى نتائجها مشرّعة أكثر من أي وقت مضى على كل الإحتمالات، ما يُنذر بأشهر طويلة من المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة.

يفتح رحيل المستشارة التي تحكم منذ العام 2005، حقبة سياسية جديدة في ألمانيا.

وتتركز أنظار الدول الأوروبية المجاورة لألمانيا على هذا الإستحقاق الإنتخابي، إذ إنّ تأثير برلين على سير شؤون الإتحاد الأوروبي يُعتبر أمراً حاسماً.

ولم يكن يوماً الغموض مسيطراً إلى هذه الدرجة في هذا البلد الذي كان معتاداً حتى مؤخراً على الثنائية الحزبية.

أحزاب صاعدة

أدّى الإهتمام المتزايد بقضايا المناخ إضافة إلى تبنّي قسم من السكان موقفاً متطرفاً بشأن سياسة الهجرة، إلى صعود حزبين هما حزب الخضر وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف.

وكانت النتيجة تراجع شعبية الحزبين الكبيرين ولاسيما الإتحاد الديموقراطي المسيحي.

يتصدّر الحزب الإشتراكي الديموقراطي نوايا التصويت في استطلاع للرأي نُشر الثلاثاء، بحصوله على 25% من الأصوات مقابل 22% للإتحاد الديموقراطي المسيحي و15% لحزب الخضر و11% لحزب البديل من أجل ألمانيا.

يوضح المحلّل السياسي كارل رودولف كورتي لوكالة فرانس برس أنّ "استطلاعات الرأي لا تُظهر فائزاً واضحاً(...) إذا أخذنا في الإعتبار هامش الخطأ، فهناك في النهاية ثلاثة أحزاب نتائجها متقاربة جدّاً".

ضربة قاسية للمحافظين

قد توجّه هذه الإنتخابات ضربة قاسية للمحافظين (حزب ميركل) الذين لطالما كانوا يحصلون على أكثر من 30% من الأصوات أثناء الإنتخابات التشريعية.

ويواجه زعيم المحافظين أرمين لاشيت الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، صعوبات في السير على خطى المستشارة.

وعلى صعيد آخر، يجد لاشيت الذي يترأّس منذ عام 2017 حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا، المنطقة الأكثر تعدادًا للسكان في ألمانيا، صعوبة في إقناع الناخبين حتى في معسكره.

وتراجعت شعبيته إثر الفيضانات الكاسحة التي ضربت غرب البلاد في منتصف تموز/يوليو، بعدما ظهر في مقطع فيديو يضحك أثناء خطاب مهمّ للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير.

وقد يتسبّب لمعسكره بهزيمة تاريخية ستحرمه من تولّي منصب المستشار، وفي السيناريو الأسوأ ستجعله خارج الحكومة المقبلة.

حظوظ الأحزاب

في المقابل، يحالف الحظّ الحزب الإشتراكي الديموقراطي. فبعد أن تكبّد انتكاسات إنتخابية عدة في السنوات الأخيرة، نجح الحزب في عكس الإتجاه منذ مطلع العام وتنصيب أولاف شولتز مرشّحه البالغ 63 عاماً، نائباً للمستشارة ووزير مالية.

ويُتوقّع أن يلعب حزب الخضر بقيادة أنالينا بيربوك (40 عاماً) دوراً رئيسياً في الحكومة المقبلة، رغم أنّ حلوله في المرتبة الثالثة في نوايا التصويت يشكل خبية أمل بالنسبة لأنصاره.

لم تخفِ بيربوك أنها تفضّل ائتلافاً مع الإشتراكيين الديموقراطيين لكنّ حزبها لا يستبعد العمل مع المحافظين، كما سبق أن فعل في بعض المناطق الألمانية.

سبق أن أعلنت كل الأحزاب رفضها التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف لكن حزباً آخر هو الحزب الديموقراطي الحرّ الليبرالي الذي حصل على 12% من نوايا التصويت، سيتمتّع على ما يبدو، بتأثير كبير في السلطة المقبلة.

ومن الممكن أن يكون أحد أركان ائتلاف ثلاثي مع حزب الخضر والمحافظين أو الإشتراكيين الديموقراطيين.

قيادة ميركل

قد تكون خيارات التحالفات كثيرة جداً وقد تستمرّ المفاوضات لأشهر ستتولّى خلالها ميركل ووزراؤها مهام تصريف الأعمال.

قادت المستشارة ألمانيا بمهارة خلال الأزمات التي شهدتها ولاياتها الأربع، من أزمة اليورو إلى وباء كوفيد-19، مروراً بتدفّق اللاجئين السوريين والعراقيين عام 2015.

لكن عدد الملفات المطروحة على جدول أعمال الحكومة المقبلة كثيرة، ومنها التأخّر الرقمي الذي تعاني منه الإدارة والشركات، الإنتقال البيئي، شيخوخة السكان، التفاوتات وتحديد السياسة المتبعة حيال الصين وروسيا.

عام 2017، استغرق الأمر خمسة أشهر لتشكّل ألمانيا ائتلافاً وتبدأ الحكومة الجديدة العمل.