إيلاف من بيروت: لم تصدر بعد الرواية الرسمية اللبنانية عما حصل في مستديرة الطيونة شرق بيروت اليوم، لكن الثابت حتى الساعة وقوع ستة قتلى ونحو 32 جريحًا، ونزوح كثيف من المنطقة خوفًا من أن يكون ما حصل فاتحة حرب أهلية جديدة في لبنان.

كان الوضع شبه مستتب صباحًا على الرغم من خشية أعرب عنها المواطنون في بيروت وضواحيها بسبب رسائل صوتية سارت كالنار في الهشيم، تكلم فيها قادة من "حركة أمل"، أحد الثنائي الشيعي الحاكم في لبنان، عن استعدادات للوقف، ولو بالقوة، أمام قاضي التحقيق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار.

كان المعلن عنه تنظيم تظاهرة قال الثنائي الشيعية أمل-حزب الله إن المشاركين فيها "نخبويون يطالبون بعدم الاستنسابية في التحقيق في قضية تفجير المرفأ" أمام قصر العدل عند الحادية عشرة، لكن ما حصل كان يخالف كل توقع، على الرغم من أن حزب الله يشحن الأجواء بكل وسائله لتجييش شارعه بوجه البيطار، ويهدد ليل نهار بـ "7 أيار" جديد، تذكيراً بغزوة بيروت في 8 مايو 2008، التي أسفرت عن اتفاق الدوحة، وتكريس هيمنة حزب الله على البلاد.

الخميس صباحًا، كان عدد كبير من مناصري الثنائي الشيعي يمشون في اتجاه قصر العدل، وحين وصلوا إلى مستديرة الطيونة، وهي مستديرة تقع على الخط الذي فصل سابقًا بين شطري بيروت في الحرب الأهلية (1975-1990)، انهمر عليهم رصاص مجهول الهوية، آت من عشرات القناصين المنتشرين على سطوح الأبنية المحيطة بالمستديرة.

ما خفي على أحد أن هؤلاء المتظاهرين كانوا في معظمهم من مسلحي الثنائي الشيعي، فردوا على مصادر النيران بالمثل، من دون أن تعرف هوية القناصة. وقد تمكن الجيش اللبناني من اعتقال اثنين من هؤلاء القناصة، وتقول معلومات لم تتأكد بعد أن جنسيتهما سورية. وكان الحديث شائعًا اليوم عن طابور خامس يسعى إلى إيقاظ الفتنة الطائفية، الشيعية - المسيحية، اليوم، لغاية في أكثر من يعقوب لبناني.

صدر عن "حزب الله" وحركة "أمل" بيان مشترك جاء فيه: "في تمام الساعة 10:45، وعلى أثر توجه المشاركين في التجمع السلمي أمام قصر ‏العدل استنكاراً ‏لتسييس التحقيق في قضية المرفأ، وعند وصولهم إلى منطقة الطيونة ‏تعرضوا لإطلاق نار مباشر ‏من قبل قناصين متواجدين على أسطح البنايات المقابلة ‏وتبعه إطلاق نار مكثف أدى إلى وقوع ‏شهداء وإصابات خطيرة حيث أن إطلاق ‏النار كان موجهاً على الرؤوس".

أضاف البيان: "إن هذا الاعتداء من قبل مجموعات مسلحة ومنظمة يهدف إلى جر البلد لفتنة ‏مقصودة يتحمل ‏مسؤوليتها المحرضون والجهات التي تتلطى خلف دماء ضحايا ‏وشهداء المرفأ من أجل تحقيق ‏مكاسب سياسية مغرضة. إن حركة أمل وحزب الله يدعون الجيش اللبناني لتحمل المسؤولية والتدخل السريع ‏لايقاف هؤلاء ‏المجرمين كما يدعون جميع الأنصار والمحازبين إلى الهدوء وعدم ‏الانجرار إلى الفتنة الخبيثة"، مع توجيه الاتهامات إلى حزب "القوات اللبنانية" بالوقوف وراء هذه الحوادث.

ورداً على هذه الاتهامات، دعا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الدفاع والداخلية إلى "إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عما جرى في العاصمة اليوم".

وغرد جعجع: "أستنكر الأحداث التي شهدتها منطقة بيروت وبالأخص محيط منطقة الطيونة بمناسبة التظاهرات التي دعا إليها "حزب الله". إن السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر والذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان".

أضاف: "السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يتحتِّم علينا المحافظة عليه برمش العيون، ولكن ذلك يتطلب منا جميعا التعاون للوصول إليه".

في رواية أخرى على لسان فؤاد أبو ناضر، القائد السابق للقوات اللبنانية، "جاء الشباب على "الموتوسكلات" وبدل أن يكملوا طريقهم إلى قصر العدل دخلوا إلى الزواريب حيث المنطقة المسيحية وبدأوا التكسير معتبرين أنهم يدخلون إلى أرض عدو وليس من يقطن هنا هم أصدقاء وأحباب وبدأ التكسير والضرب"، غامزاً من قناة مناصري حزب الله وحركة أمل.

أضاف أبو ناضر في تصريح مصور: "يجب على الثنائي الشيعي أن يفهم أنه ليس لديه إحتكار للناس القبضايات والتي لديهم خبرة فكل الناس في لبنان اقوياء ولديهم خبرة، من المهم أن يشغلوا عقلهم أنه متى نزلوا الى الارض وذهبوا إلى الشارع وراحوا للاحتكام إلى السلاح فإنهم سيقابلون بالسلاح وسينتهي الأمر إلى تدمير البلد".

وأصدر الجيش اللبناني بيانا، جاء فيه: "خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية، تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة- بدارو، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها، وعلى مداخلها، وبدأ تسيير دوريات، كما باشر البحث عن مطلقي النار"، محذرًا من أنه سوف يطلق النار باتجاه أي مسلح في الشارع، ووجه رسائل عبر مكبرات الصوت بضرورة إخلاء المنطقة.

وبعد ثلاث ساعات من الاشتباكات العنيفة، استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، تمكن الجيش من فرض الهدوء، وأنذر بأنه سيطلق النار فورًا على كل مسلح على الطريق.

ثمة من يسأل: ماذا سيحصل غداً، إذا استمر حزب الله في غيه، خصوصًا أن الحكومة اللبنانية المولودة منذ أقل من شهرين مهددة بانفراط عقدها، بعدما هدد الوزراء الشيعة فيها بالاستقالة إن لم تقم الحكومة بعزل المحقق العدلي طارق البيطار، وهو ما لا يمكن تحقيقه دستوريًا.

مع استمرار حزب الله في تخويف اللبنانيين بسلاحه، فهل يقع البلد في محظور أمني كبير، يكون الهدف منه إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد: تطيير التحقيقات، وتأجيل الانتخابات النيابية، والتمديد لرئيس الجمهورية؟