الخرطوم: قُتل متظاهران في الخرطوم حيث اجتاح عشرات الآلاف من السودانيين الشوارع للمطالبة بحكومة مدنية وبـ"إسقاط حكم العسكر" بعد ستة أيام من انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المؤسّسات السياسية لمرحلة انتقالية كان يفترض أن تتيح للسودان التحوّل إلى الديموقراطية عام 2023 بعد 30 عامًا من حكم عمر البشير.

وقالت لجنة الأطباء المركزية السودانية في بيان إنّ سودانيين اثنين "قُتلا برصاص ميليشيات المجلس العسكري الإنقلابي"، بحسب ما أعلنت لجنة الأطباء المركزية في السودان.

وأضافت اللّجنة أنّ المتظاهرين، اللّذين قُتلا في منطقة أم درمان بشمال غرب الخرطوم، "أُصيب أحدهما بطلق ناري في الرأس والآخر بالبطن"،

وبذلك ترتفع حصيلة القمع الدامي للإحتجاجات خلال الأيّام الأخيرة، وهتف المتظاهرون في جميع أحياء العاصمة السودانية "المدنية خيارنا".

وردّدوا مجدّدًا العديد من شعارات انتفاضتهم التي أسقطت البشير في نيسان/أبريل 2019 مثل "حرية، سلام، عدالة" و"ثوار، أحرار حنكمل المشوار" فيما كان بعضهم يرفع صور رئيس وزراء السودان المقال عبد الله حمدوك الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بالخرطوم.

ردّ فعل العسكريّين

ويراقب العالم ردّ فعل العسكريّين على هذه التظاهرات التي وعد منظّموها بأن تكون "مليونيّة". وتعالت الأصوات عشيّة الإحتجاجات، محذّرة السلطات العسكريّة من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين.

وذكر شهود ومراسلو وكالة فرانس برس أنّ التظاهرات بدأت بُعيد الظهر في ضاحية أم درمان بشمال غرب الخرطوم وامتدت سريعًا إلى جميع أحياء الخرطوم، كما انطلقت تظاهرات في مدينتي بورتسودان وكسلا يشرق السودان.

وقال هيثم الطيب أحد المتظاهرين في جنوب الخرطوم "نريد حكمًا مدنيًّا وهذه المرة لن نقبل تقاسم السلطة مع العسكريين. ينبغي أن تكون مدنية مئة بالمئة".

وأكّدت الناشطة من أجل الديموقراطيّة تهاني عباس لفرانس برس إنّ "العسكريّين لن يحكموننا، هذه هي رسالتنا"، مشدّدة على أنّ هذه التظاهرة "المليونيّة" ليست "إلّا خطوة أولى".

وفي شرق الخرطوم، أشعل المتظاهرون إطارات سيارات ورفعوا لافتات كُتب عليها "الردة مستحيلة" وهو الشعار الأساسي لهذه التعبئة التي يريد أنصار الحكم المدني التأكيد من خلالها أنّهم لن يقبلوا بعودة حكم عسكري مماثل لنظام البشير.

ففي بلد يحكمه عسكريّون بشكل شبه مستمرّ منذ استقلاله قبل 65 عامًا، قرّر الشارع أن يقول "لا" للبرهان الذي حلّ الإثنين كلّ مؤسّسات الحكم في البلاد واعتقل غالبيّة المسؤولين المدنيّين، ليستأثر العسكريّون بالسلطة.

صباح السبت كانت خطوط الهواتف مقطوعة في الخرطوم مع إمكان الإتصال من الخارج فقط بالهواتف السودانية. كذلك، كانت شبكة الإنترنت مقطوعة.

انتشرت قوات الأمن بكثافة في شوارع الخرطوم صباح السبت وأغلقت الجسور المقامة على النيل التي تربط مناطق الخرطوم ببعضها. وأقامت هذه القوات أيضًا نقاط مراقبة في الشوارع الرئيسية حيث تقوم بتفتيش عشوائي للمارة والسيارات.

وناشد الموفد البريطاني للسودان وجنوب السودان روبرت فيرواذر قوات الأمن السودانية "احترام حق وحرية" المتظاهرين في التعبير عن أنفسهم. وكتب في تغريدة أنّ "التظاهر السلمي حقّ ديموقراطي أساسي وستتحمّل أجهزة الأمن وقادتها المسؤولية عن أي عنف تجاه المتظاهرين".

"عصيان مدني"

وفور إطاحة البرهان المدنيّين الإثنين، دخل السودانيّون في "عصيان مدني" وأقاموا متاريس في الشوارع لشلّ الحركة في البلاد.

وفي مواجهتهم، انهمر الرصاص الحّي والمطاط والقنابل المسيلة للدموع، ما أسفر عن سقوط تسعة قتلى بين المتظاهرين، حسب لجنة الأطباء المركزية السودانية.

لكنّ الناشطين مصرّون رغم كل شيء على أن تكون "المواكب" سلميّة، لأنّ "سلميّتنا هي سلاحنا الوحيد وقد نجح من قبل"، بحسب نهاني عباس.

والمتظاهرون الذين يعِدون أيضًا بمسيرات في الشتات، يرون في ما يحدث تكرارًا لـ "ثورة" 2019 التي استمرّت خمسة أشهر وسقط خلالها 250 قتيلاً.

حذّرت منظّمة العفو الدولية "القادة العسكريين من الحسابات الخاطئة"، مؤكّدةً أنّ "العالم يتابعهم ولن يسمح بمزيد من الدماء".

وحضّت الولايات المتحدة الجمعة الجيش السوداني على عدم قمع التظاهرات.

وقال مسؤول أميركي كبير لصحافيّين "نحن قلقون فعلاً حيال ما سيحصل السبت"، مضيفًا "سيكون الأمر اختبارًا فعليًّا لنوايا العسكريين".

كذلك، حضّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجيش السوداني على "ضبط النفس" خلال تظاهرات السبت.

وقال "أدعو العسكريين إلى إظهار ضبط النفس وعدم التسبّب بسقوط مزيد من الضحايا. يجب أن يُسمح للناس بالتظاهر سلميًّا".

والخميس طالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه، العسكريين في السودان بـ"عودة حكومة انتقاليّة يديرها مدنيّون"، مبديًا "قلقه البالغ حيال الإستيلاء العسكري على السلطة".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس "رسالتنا معًا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميًّا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الإنتقالية التي يقودها مدنيّون".

وأكّد أنّ "الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللّاعنفي للمضيّ قدما نحو أهداف الثورة السودانية".

اعتقال القادة المدنيّين

ولا يزال العدد الأكبر من القادة المدنيّين معتقلين منذ خمسة أيّام أو قيد الإقامة الجبريّة.

وكانت قوات عسكرية أوقفتهم فجر الإثنين واقتحمت كذلك مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أعلن من خلاله الفريق أول البرهان بعد ساعات حلّ كلّ المؤسّسات السياسيّة للمرحلة الإنتقاليّة في البلد الذي يعدّ واحداً من الأفقر في العالم.

وأعلنت مؤسّسات حكوميّة ونقابيّة عدّة الإنضمام إلى "العصيان المدني" الذي حوّل الخرطوم مدينة أشباح خلال الايام الخمسة الأخيرة.

ويقول خبراء إنّ الناشطين أكثر تنظيمًا الآن بفضل تجربة 2019. وهم يحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين.

فالولايات المتحدة والبنك الدولي جمّدا مساعداتهما للسودان الذي يعاني الفقر والغلاء المتزايد.

كذلك، قرّر الإتّحاد الأفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الإنتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.