الخرطوم: أغلق متظاهرون مناهضون للانقلاب في السودان طرقًا في العاصمة الخرطوم الأحد غداة نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بحكومة مدنية و"إسقاط حكم العسكر" بعد نحو أسبوع على انقلاب الجيش، في حين رُفع الاعتصام في ميناء بورتسودان بعد شهر ونصف شهر على بدئه.

في 25 تشرين الأول/أكتوبر، انقلب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المؤسسات السياسية خلال مرحلة انتقالية كان يفترض أن تتيح للسودان التحول إلى الديموقراطية عام 2023 بعد سقوط حكم عمر البشير الذي استمر 30 عاما.

وأدت الخطوة إلى موجة إدانات دولية ومطالبات بالعودة إلى الحكم المدني، وسط تحذيرات للسلطات العسكريّة من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين.

مع ذلك، قُتل ثلاثة متظاهرين على الأقل في الاحتجاجات السبت وأصيب 100 بجروح، حسب لجنة الأطباء المركزية السودانية المناهضة للانقلاب.

مواكب الرفض السلمية

والأحد، قالت اللجنة في بيان "تأكّدت مصادرنا من ارتقاء روح الشهيد جمال عبد الناصر (22 سنة)، إثر تعرّضه لطلق ناري في الرأس من قبل ميليشيات المجلس العسكري الانقلابي صبيحة يوم الانقلاب، في مواكب الرفض السلمية بمنطقة بري (شرق الخرطوم)".

وبذلك، ترتفع حصيلة القمع الدامي للاحتجاجات إلى 12 قتيلا منذ الاثنين ونحو 300 جريح، وفق اللجنة.

من جهتها، نفت الشرطة السودانية في بيان استخدام الرصاص الحي، وقالت "هنالك مجموعات من المتظاهرين خرجت عن السلمية وهاجمت الشرطة وبعض المواقع الهامة، ما دعا الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وتؤكد الشرطة أنها لم تستخدم الرصاص".

وبعد تراجع حدّة التظاهرات ليل السبت في الخرطوم وأم درمان، عاد المتظاهرون صباح الأحد إلى الشوارع واستخدموا الحجارة والإطارات لإغلاق الطرق.

وبينما لا تزال المتاجر مغلقة في الخرطوم، يرفض كثير من موظفي الحكومة العمل في إطار الاحتجاجات.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، الألماني فولكر بيرثيس، على تويتر الأحد إنّه قابل رئيس الوزراء السوداني المقال عبد الله حمدوك الذي وضعه العسكريّون قيد الإقامة الجبريّة بعد قرار البرهان.

وكتب بيرثيس "هو (حمدوك) لا يزال بصحّة جيّدة، لكنّه رهن الإقامة الجبرية".

وأضاف "ناقشنا خيارات الوساطة والمضيّ قدمًا في السودان، وسأواصل هذه الجهود مع أصحاب المصلحة السودانيّين الآخرين".

وفيما نُصبت متاريس جديدة ووُضِعت إطارات مطّاطية في شوارع الخرطوم، أنهى المحتجّون اعتصامهم في بورتسودان بشرق البلاد بعد شهر ونصف شهر على بدئه.

في تصريح لوكالة فرانس برس، قال عبد الله أبشر، أحد قادة المحتجّين المتحدّرين من قبيلة البجا، إنه "بعد مناقشات مع القادة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، قرّرنا رفع اعتصامنا لمدّة شهر، لمنح السلطات الوقت لتشكيل حكومة ثم لهذه الحكومة لإيجاد حلّ للشرق".

وتسبّب الحصار المفروض في حدوث نقص في الإمدادات في أنحاء البلاد وزاد من حدّة التوتّر في السودان الغارق في الركود الاقتصادي بسبب عقود من النزاع، ما زاد من التحدّيات المطروحة على الحكومة المدنية التي تراجعت شعبيتها بسبب إصلاحاتها الاقتصادية.

في هذه المنطقة التي تمثّل القلب التجاري للسودان، حيث ينقل النفط من جنوب السودان ويمرّ كامل نشاط الاستيراد والتصدير تقريبا، يقول السكان إنهم لا يستفيدون من الحركة التجارية ويشتكون من تردّي البنية التحتية والخدمات.

منذ الاثنين، تغيّر المشهد تمامًا في السودان بعد سنتين من حكم انتقالي هشّ. ففي العام 2019، اتفق العسكريون الذين تولوا السلطة بعد إطاحة عمر البشير إثر حركة احتجاجات شعبية عارمة غير مسبوقة، والمدنيون الذين قادوا تلك الاحتجاجات، على تقاسم السلطة لمرحلة انتقالية يتم في نهايتها تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة ديموقراطيا.

لكنّ البرهان أعلن الاثنين حلّ مؤسّسات الحكم الانتقالي، مطيحًا بشركائه المدنيّين من السلطة، وأيضا بآمال التحوّل الديموقراطي.

وأوقفت قوّات عسكرية القادة المدنيين فجر الاثنين واقتحمت مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أعلن من خلاله البرهان بعد ساعات حلّ كلّ المؤسّسات السياسيّة للمرحلة الانتقاليّة في البلد الذي يُعدّ بين الأفقر في العالم.

وفي حين لا تزال غالبيّة المسؤولين المدنيّين قيد الاحتجاز، أُفرج الأحد عن وجوه من نظام البشير.

وقال تلفزيون السودان العام إنّ البرهان أقال النائب العام مبارك محمود الذي أمر بالإفراج عن هؤلاء. لكنّ أنصار الحكم المدني لم يقتنعوا بقرار البرهان واعتبروا الإفراج عن المسؤولين السابقين مؤشّرًا إلى رغبة بالعودة بالبلاد إلى زمن الدكتاتورية والتحالف بين العسكريين والإسلاميين.

وفور إطاحة البرهان المدنيّين، بدأ السودانيّون "عصيانا مدنيا" وأقاموا متاريس في الشوارع لشلّ الحركة في البلاد، ما دفع قوات الأمن إلى استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضدهم.

ويقول خبراء إنّ الناشطين أكثر تنظيمًا الآن بفضل تجربة 2019. ويحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين.

وطالب مجلس الأمن الدولي الخميس، في بيان صدر بإجماع أعضائه، بـ"عودة حكومة انتقاليّة يديرها مدنيّون"، مبديًا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة".

وجمّدت الولايات المتحدة والبنك الدولي مساعداتهما للسودان الذي يعاني الفقر والغلاء.

كما قرّر الاتّحاد الإفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.