مثلما ساعدت الولايات المتحدة وبريطانيا الميليشيات الإسلامية المتطرفة على الازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكنهما المساعدة في تشكيل ناتو عربي لهزيمتها، وعلى العرب ان يقبلوا أن تكون إسرائيل جزءاً من هذا الناتو العربي.
حين غزت طالبان أفغانستان بيسر وسهولة تحت أنظار القوات الأميركية والدولية، كان أحد الدروس المستفادة هو أن الحرب في المنطقة لم تعد تُشن بين دولة قومية وأخرى، بل بين الدول والجماعات المسلحة من غير الدول، أو الميليشيات التي لا تخضع لسلطة الدول ولا للقانون الدولي.
وفقًا لموقع أطباء بلا حدود (Médecins Sans Frontières)، لا يوجد في المعاهدات الدولية تعريف متفق عليه عالميًا للجماعات المسلحة غير النظامية. ولهذا دلالة مهمة يؤكدها الاقتباس المأخوذ عن "ألبير كامو"، الذي تعرضه المنظمة على شكل لافتة على كل صفحة من صفحات موقعها: "الخطأ في تسمية الأشياء بأسمائها يزيد من معاناة العالم"!
كل هذا يطرح السؤال المهم الآتي: كيف يمكن للدول أن توقف بلاء الجماعات المسلحة وتأثيرها السلبي على السلام العالمي، في حين أنها لا تستطيع الاتفاق على تعريف واضح ومحدد لهذه الجماعات، ناهيك عن إلحاق الهزيمة بها؟
المتفق عليه دوليًا هو أن الميليشيات المسلحة تخضع لقوى داخلية أو خارجية ذات أهداف وطموحات توسعية، فتستخدم هذه الميليشيات أدوات لتحقيق أهدافها. لذلك، فإن الأهم من تعريفها هو التعامل مع القوى أو الدول التي تسيطر عليها. في الواقع، ترى المحاكم الدولية أنه عندما تخضع تصرفات وأعمال الجماعات المسلحة من غير الدول لسيطرة وإملاءات دولة أجنبية، أو بالنيابة عنها، فإن هذه الدولة ستكون مسؤولة عن تلك الأعمال.
رجال عصابات يديرون دولًا
فإيران، على سبيل المثال، مسؤولة عن سلوك عدد كبير من الجماعات المسلحة من غير الدول أو الميليشيات. فالميليشيات المدعومة من إيران، والمنتشرة في العديد من الدول العربية، تأتمر بأوامر ضباط "فيلق القدس" الإيراني بشكل مباشر، والذي يمثل ذراع الحرب غير التقليدية بقيادة المخابرات العسكرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الذي تخضع له الميليشيات المتحالفة مع إيران في الخارج. وبحسب التقارير الاستخباراتية الأميركية، تشمل هذه الميليشيات الحشد الشعبي لكتائب حزب الله، وكتائب الإمام علي، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحق في العراق، وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن، وحزب الله في لبنان، ولواء "فاطميون" في سورية، وغيرها الكثير. وما هذه سوى أمثلة قليلة على التنظيمات المسلحة التابعة لإيران.
الأخطر من ذلك أن قادة هذه التنظيمات أنفسهم يتحولون من أعضاء عصابات إلى رجال دولة، فيسيطرون على القرارات الوطنية المتعلقة في من هو الصديق ومن هو العدو، بل وفي كثيرٍ من الحالات يكون في ايديهم قرار الحرب أو السلام.
أدت سيطرة إيران على هذه الجماعات، والقوة التي اكتسبتها من خلال الاستخدام المكثف لتلك السيطرة، دورًا حاسمًا في تشكيل علاقاتها الدولية. فمنذ تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه، أعادت طهران فتح القنوات الدبلوماسية مع كل من واشنطن والرياض. ببساطة، أصبح النجاح المتزايد والخطير الذي تحققه هذه الجماعات المسلحة من غير الدول هو الأساس الذي سيتحدد بناء عليه مستقبل العالم بأسره.
من أيام البنا
يمكن القول إن تورط الغرب مع الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأ منذ عام 1928، عندما تبرعت بريطانيا بمبلغ 500 جنيه لحسن البنا بعد وقت قصير من قيام هذا المعلم المصري والزعيم الديني بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين. ثم توسعت الجماعة بصورة مطّردة في خمسينيات القرن العشرين عندما دعم الغرب عمومًا، والمخابرات الأميركية والبريطانية بشكل خاص، جماعة الإخوان في مصر باعتبارها قوة معادلة للتيار القومي بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي حاول احتكار القومية العربية لفرض هيمنته على الدول العربية الأخرى.
بدأ الخطر مع الجماعات الإرهابية التي اعتقد الغرب أنه قادر على التلاعب بها، عندما بدأ الإخوان المسلمون في تنفيذ خططهم وأجندتهم الخاصة، والتي كانت تتعارض كليًا مع المصالح الغربية.. والعربية أيضًا.
أما تنظيم القاعدة في أفغانستان، فيقدم ثاني أوضح تطور لولادة الجماعات المسلحة من غير الدول كما نعرفها اليوم؛ إذ إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وطوال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، كانت الولايات المتحدة حريصة على ترسيخ نفسها كزعيم مهيمن في الشؤون العالمية، ووجدت في الصراع المستمر في الثمانينيات بين مجموعة من الأفغان المدعومين من السوفيات والجماعات الجهادية الإسلامية في أفغانستان أرضًا خصبة لإدارة هيمنتها. وعندما قررت الولايات المتحدة، بناءً على معلومات استخباراتية باكستانية، دعم الجماعات الجهادية سرًا من خلال تزوديها بأسلحة تبلغ قيمتها ملياري دولار (مفترضة بذلك تجنب تكرار تجربتها الفاشلة في فيتنام)، ارتكبت واشنطن أحد أكبر الأخطاء في تاريخها.
معهم.. ثم ضدهم
ربما ينبغي التذكير بأنه كان من بين هؤلاء المجاهدين شابٌّ سعودي يدعى أسامة بن لادن، ورث ثروة وفرت له المال والسلاح والمقاتلين. وعندما اندلع الاقتتال الشرس بين الفصائل الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة بعد انسحاب السوفيات، حلّ الملا محمد عمر الصراع بين الفصائل بتنظيم حركة مسلحة جديدة تدعمها باكستان، هي الحركة التي نعرفها اليوم باسم "طالبان".
بعد أن أنفقت الولايات المتحدة ملياري دولار لتعزيز طالبان، عادت فاضطرت إلى إنفاق تريليونات من الدولارات لمحاربتها. والأسوأ من ذلك، هاجم المسلحون المرتبطون بتنظيم القاعدة أميركا في 11 سبتمبر 2001، ما أسفر عن مقتل قرابة 3 آلاف شخص بعد اختطاف أربع طائرات ركاب أميركية بهدف تدمير مباني التجارة العالمية في مدينة نيويورك، واستهداف مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن.
ماذا كان رد أميركا؟ شنت الحرب على الجماعات المسلحة التي ساعدت هي في تأسيسها وتبني سياساتها، الأمر الذي فاقم المشكلة وأسهم في تعقيدها؛ إذ لم تؤد الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق إلا لزيادة المظالم الشعبية في المنطقة، ما سمح للتنظيمات الإرهابية بالترويج لنفسها على أسس دينية باعتبارها "المخلص" الوحيد القادر على مواجهة الأنظمة الفاسدة والقمعية من جهة، ومواجهة "المحتلين الأجانب" من جهة ثانية. فانتشر تنظيم القاعدة في العراق، وانتقل إلى سورية بعد ثورات "الربيع العربي" التي قامت ضد الفساد والأوضاع الاقتصادية السيئة في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
حزب الله نموذجًا
إن التأثير السلبي الذي أحدثته السياسات الأميركية في الشرق الأوسط عمومًا، وفي العراق خصوصًا، يتجاوز قضية انقلاب هذه التنظيمات المسلحة على الغرب إلى تشكيل تنظيمات جديدة لم يكن لأميركا دور في تأسيسها، وحزب الله أكبر مثال على ذلك. فقبل انسحاب سورية من لبنان في عام 2005 بسبب الضغط الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كان الجيش السوري مسؤولًا عن الأمن في الساحة اللبنانية. أما بعد أن غادرت سورية لبنان بمباركة أميركية وفرنسية، بدأ حزب الله - الذي يعمل لصالح إيران - يزداد قوة جرّاء انهيار سلطة الدولة ومؤسساتها. وليست حرب يوليو 2006 بين لبنان وإسرائيل إلا هدية عظيمة من الدولة الإسرائيلية لحزب الله. فعلى الرغم من دمار وطنهم وانهيار مؤسساته وتهجير ما يقرب من مليون مواطن، أعلن اللبنانيون أن حزب الله هو المدافع الوحيد عن الوطن، فاستطاع الحزب فرض وجهة نظره على المفاوضات مع القوى العظمى (وإن بشكل غير مباشر) وترسيخ قوته في لبنان.
بفشل الولايات المتحدة في اتخاذ أي إجراء للحد من قوة هذه التنظيمات، تساهم اليوم في نموها وزيادة نفوذها، وبالتالي تغذي انتشار أدوارها المزعزعة للاستقرار، وأوضح مثال على ذلك ما نجده في مفاوضات الاتفاق النووي بين واشنطن وإيران؛ إذ إن محاولات إدارة بايدن اليائسة للعودة إلى هذه الصفقة، وحجم التنازلات التي قدمتها إدارته، ستؤدي بالضرورة إلى ترسيخ الوجود المسلح لإيران في دول المنطقة عبر شبكتها من الميليشيات. ويبدو هذا واضحًا على نحوٍ خاص في حالة حماس، الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، والمستعدة دائمًا لإشعال الحرب في تلك المناطق متى كان ذلك مناسبًا لإيران، أو كلما احتاجت إيران إلى بعض النفوذ في التفاوض مع أميركا مثلما حدث مؤخرًا.
بالفعل، فإن الدور الأميركي والبريطاني في إيصال حماس إلى السلطة، والسماح لها بالتغلب على فتح، وتمكينها من السيطرة على قطاع غزة بأكمله، معروف تمامًا. أما صمتهما عن دعم إيران السياسي والمالي لحماس المصنفة كجماعة إرهابية، فإنه يتحدث عن نفسه أيضًا؛ إذ إن منح حماس دورًا في عملية السلام مع إسرائيل لن يؤدي إلا إلى تعزيز اقتناع الفلسطينيين بأن حماس وحدها هي التي تملك القدرة على استعادة حقوقهم.
طالبان.. جديرة بالثقة!
المثال الآخر هو اتفاقية السلام التي وقعتها أميركا مع طالبان في أفغانستان، والتي شارك العشرات من المسؤولين الأجانب، بينهم وزير الخارجية التركي، في مراسم توقيعها في العاصمة القطرية الدوحة في فبراير 2020. ما حصل حينها أنه بمباركة الدول الغربية العظمى، تحولت طالبان "بجرة قلم"، وبعد تسع سنوات من كونها منظمة إرهابية، إلى كيان سياسي جدير بالثقة للتوقيع على معاهدة للسلام!
كما تلوح في الأفق اتفاقيات مماثلة مع تنظيمات مماثلة مستقبلًا في اليمن، لا سيما بعد أن رفعت إدارة بايدن جماعة الحوثي من لائحة العقوبات، وألغت تصنيفها باعتبارها منظمة إرهابية، من دون أن تطلب منها حتى التوقف عن ترديد شعاراتها الإيرانية: "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، والتي تنادي أيضًا بالموت لإخوانهم السعوديين والإماراتيين والعرب. ومن شأن هذه الإجراءات أن تزيد من نفوذ الحوثيين في الشأن اليمني، وأن تسمح للدول الأخرى بالنظر إليهم على أنهم متساوين معهم، لا وفقًا لحقيقتهم كتنظيم إرهابي.
على المنوال ذاته تجري الأمور في العراق؛ إذ يزداد نفوذ الميليشيات المسلحة الموالية لإيران وسعيها إلى فرض حكمها وتأمين سيطرة إيرانية أقوى في المنطقة، على الرغم من أن الهدف الأول لتأسيس قوات الحشد الشعبي وسرايا السلام - التي تُعدّ إحدى أكبر الجماعات شبه العسكرية في العراق بقيادة مقتدى الصدر - كان لأجل المشاركة في محاربة تنظيم داعش على الأرض العراقية إلى جانب القوات الأميركية. لكن، كما جرت العادة، انقلب السحر على الساحر، فتحولت الميليشيات المسلحة إلى قوة سياسية وبرلمانية تدعم مصالح طهران، ووجهت سرايا السلام بنادقها نحو القوات الأميركية. ومع أن الصدر - الذي بات حزبه السياسي يقود أكبر كتلة في البرلمان العراقي بعد الانتخابات العامة التي جرت في أكتوبر الماضي - كان قد التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - الذي يعدّ واحدًا من أبرز منتقدي إيران في المنطقة - أثناء زيارته إلى السعودية في عام 2017، فإنه سافر إلى طهران أيضًا في عام 2019 للقاء المرشد علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومرة أخرى في عام 2020 للقاء قادة الميليشيات الشيعية العراقية على الأراضي الإيرانية!
الصدر والسرايا
على الرغم من أن الولايات المتحدة تتعامل مع الصدر بوصفه طرفاً معتدلاً، فإنه يقود أكبر الميليشيات التي تخدم أطماع إيران التوسعية وأخطرها. وكأن لا أحد يعرف أن آلاف المواطنين العراقيين وعشرات الأفراد من القوات الأميركية والبريطانية قد قُتلوا على يد سرايا السلام التابعة للصدر، ناهيك عمّا لا يجهله أحد من تأثير "السرايا" في تعطيل بناء الدولة والجيش العراقيين.
كان يمكن لأميركا تجنّب ذلك كله لو أنها دربت الجيش العراقي الذي كان – على الرغم من تفوقه العددي - يفرّ أمام مقاتلي تنظيم "داعش" تاركًا وراءه كنزًا من العتاد والسلاح، وذلك استجابة لأوامر طهران حتى تجد فرصةً سانحةً لتنفيذ مخططاتها وتمكين ميليشياتها من دون أي اعتراض دولي، وقد نجحت في ذلك فعلًا. هذا يعني بشكل واضح أن الجيش العراقي كان مُخترقًا، وأميركا لم تكن تعلم ذلك. وهنا تكمن الكارثة. وعند مقارنة هذه النتيجة بالأحداث الجارية في أفغانستان، يدرك المرء أن الماضي تمهيد للحاضر. لذلك، لا بد لهذا كله من أن يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى ما فعلته أميركا في أفغانستان والعراق ولبنان واليمن وغزة طوال عقدين من الزمن؟
يُجادل الدبلوماسي الأميركي جوزيف ناي في كتابه الصادر مؤخرًا "هل للقيم أهمية تذكر: الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترمب"، بأنه وعند الحكم على السياسة الخارجية لرئيس أميركي، فإن النتائج النهائية والوسائل المستخدمة لتحقيقها لا تقل أهمية عن السلامة الأخلاقية لنواياهم. ومن خلال هذه العدسة ثلاثية البؤرة (الوسائل، والأخلاق، والنتيجة النهائية)، ما الجواب الذي يُتوقع التوصل إليه عن السؤال الآتي: هل نجحت السياسات الأميركية في الشرق الأوسط؟ أعتقد أن الجميع يعرف الإجابة: "لا".
نشرت الفوضى
يقول البعض في العالم العربي إن سياسات واشنطن نجحت بامتياز وتفوق في نشر الفوضى. ويرجع هذا في جزء كبير منه إلى سعي الولايات المتحدة لـ "إدارة" صراعات الشرق الأوسط، وليس "حلها". لذلك سيكون من الحكمة أن تعيد واشنطن ولندن تقييم دوريهما في العالم، وكيف ينعكس عدم الاستقرار الذي تسببت به سياساتهما السابقة في هذه المنطقة عليهما بشكل مباشر. وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها الولايات المتحدة وبريطانيا لاسترضاء حركات الإسلام السياسي، لن تبقى أي منهما في مأمن من العنف المختبئ داخل هذه الحركات التي لا تحترم مبادئ الإسلام الحقيقي ولا قيمه. لا تخطئوا، فهذه الحركات تحتقر قيم الديمقراطية والحرية التي يعتنقها كثير من العرب، وأنا منهم، أؤمن بها وأتعلم منها وأدافع عنها بشكل يومي.
رفضنا نحن العرب على نحو سليم، هذه التنظيمات، ورفضنا رهان أميركا بأن هذه الحركات، والميليشيات المسلحة التابعة لها، يمكن أن تكون في يوم من الأيام حليفًا بديلًا عن الأنظمة الاستبدادية القائمة. ثبت ذلك بشكل قاطع خلال "الثورة الثانية" التي أطلقها التونسيون مع رئيسهم، قيس سعيد، ضد حكومة الإخوان المسلمين برئاسة راشد الغنوشي الذي حاول خداع العالم بأن حزبه كيان مدني غير مؤدلج دينيًا. في حين أن العكس هو الصحيح، فقد استخدم الإخوان المسلمون الإسلام لإعلان الخلافة بعد أن عززوا أسسها واستولوا على الدولة. أشكر الله على فشل الإخوان في السيطرة على تونس، كما فشلوا في السابق في مصر وليبيا والجزائر والمغرب والأردن ودول أخرى في المنطقة.
تتوقع شعوب المنطقة من أميركا دعمَ ديمقراطية حقيقية تقودهم إلى برّ الأمان بعد عقود من الحروب والصراعات والدمار. وأميركا وأوروبا هما من يحملان مفاتيح السلام وبناء الأمة الديمقراطية التي سيكون لها تأثير كبير على تعزيز قوتيهما وأمنيهما من دون الاضطرار إلى خوض الحروب أو الاعتماد على الميليشيات التي لا تتحدث إلا لغة العنف والإقصاء.
ناتو عربي
ربما كان أكبر دعم تقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا للمنطقة هو إحياء الفكرة التي اقتُرحت لأول مرة في عام 2017: إنشاء تحالف دفاع جماعي في الشرق الأوسط يشمل دول مجلس التعاون الخليجي الستة (الإمارات، السعودية، الكويت، البحرين، عُمان، قطر)، إضافة إلى مصر والأردن وكل الدول العربية الأخرى التي تهتم بمصالح بلدانها ومواطنيها، وتعمل لحماية أديانهم (الإسلام والمسيحية واليهودية) من خطر التنظيمات الردكالية التي تريد العودة إلى زمن الخلافة.
ستكون القوات المشتركة لهذا "الناتو العربي"، إلى جانب الدعم الأميركي والأوروبي والإسرائيلي، الحل الأنجع لإنهاء دور الميليشيات المسلحة، ومن ثم السماح للعالم العربي بالتركيز على بناء وطنٍ آمنٍ لشعوبه كي تعيش في سلامٍ كاملٍ مع جميع جيرانهم. قد يجادل البعض أن هناك دول مثل السعودية والكويت وغيرها، لا تربطها اتفاقيات سلام رسمية مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنني أرى ضرورة تجاوز ذلك والتعاون عسكريًا مع إسرائيل في القضايا الأمنية لحماية بلادهم من تعاظم الخطر القادم والتهديد الحقيقي: التنظيمات المسلحة. أن إسرائيل ليست العدو الحقيقي الآن، بل أولئك الذين ينشرون الخوف والفساد والدمار.
ما أرغب بإعادة قوله في النهاية: بما أن الولايات المتحدة وبريطانيا ساعدتا الميليشيات المسلحة على الازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنه من المنصف حقًا أن تساهما في تشكيل ناتو عربي قادرٍ على هزيمة هذه الميليشيات بدعم غربي وإسرائيلي.
*نشرت هذه المقالة بالإنكليزية في "جيروزاليم بوست".
التعليقات