باريس: تبقى النخبة السياسية الروسية موالية للرئيس فلاديمير بوتين رغم موجة التنديد الدولي بغزو أوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة المفروضة على البلد.
وأعرب فنانون روس وشخصيات كبرى عن معارضتهم للحرب فيما صدرت انتقادات مبطنة للهجوم الروسي على البلد المجاور عن بعض الأوليغارش الروس.
لكن بعد حوالى شهر على بدء الغزو، لم تظهر معارضة داخل دائرة بوتين المقربة أو بين كبار السياسيين داخل البلاد.
لا انشقاق
وقالت تاتيانا ستانوفايا مؤسسة معهد آر.بوليتيك للتحليل السياسي "لم تظهر أي بوادر انشقاق" داخل الطبقة الحاكمة.
وأضافت "هناك إجماع تام، رغم بعض التباينات ربما حول مسائل تكتيكية".
وشددت على وجوب التمييز بين إبداء تحفظات على الغزو والاستعداد للتحرك ضده.
وقالت "الناس مصابون بصدمة ويعتقد العديدون أن هذا خطأ، لكن لا أحد مستعد للتحرك، الكل يركز اهتمامه على استمراريته هو نفسه".
وأفادت مصادر دبلوماسية غربية أنه رغم الوطأة الشديدة للعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات على أنها ستؤدي إلى تغيير سياسي.
وأوضحت ستانوفايا أن الانتقادات الداخلية الرئيسية للغزو تأتي من قوى "ثانوية" من اليمين الراديكالي تعتبر أن الغزو ليس هجوميا بما يكفي.
ويهيمن التلفزيون الرسمي الروسي على التغطية فيصف "العملية العسكرية الخاصة" بحسب تسمية الكرملين للهجوم، بأنها مهمة بطولية للتصدي لعدوان غربي.
ولم تعد هناك معارضة ليبرالية في روسيا، والأحزاب الممثلة في البرلمان تؤيد بشكل شبه تام سياسة الكرملين في كل المسائل، في حين أن أبرز معارضي الكرملين أليكسي نافالني في السجن.
وقال بن نوبل أستاذ السياسة الروسية في جامعة "كولدج لندن"، "ليس من المفاجئ ألا نرى حتى الآن أي انشقاق كبير علني داخل النخبة الحاكمة".
وتابع الباحث الذي شارك في تأليف كتاب صدر أخيرا بعنوان "نافالني: خصم بوتين ومستقبل روسيا؟" أن "فلاديمير بوتين أقام منظومة هو محاط فيها بموالين بشكل مطلق له يشاطرونه رؤيته للعالم حيث الغرب يسعى لتدمير روسيا، أو بأشخاص يخشون إبداء رأي مخالف".
اجتماعٌ أمني
وفي 21 شباط/فبراير، قبل ثلاثة أيام من شن الهجوم على أوكرانيا، استدعى بوتين القادة السياسيين إلى الكرملين لعقد اجتماع لمجلس الأمن من أجل مناقشة مسألة الاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين الأوكرانيتين.
وتعاقب المسؤولون الـ13 وبينهم امرأة واحدة على الكلام وفق سيناريو يهدف إلى إظهار إجماع، فأيدوا الواحد تلو الآخر الاعتراف باستقلال المنطقتين المواليتين لموسكو، في خطوة تبين لاحقا أنها كانت تمهيدا للحرب.
ومن بين المشاركين في الاجتماع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس مجلس الأمن القومي نيكولاي باتروشيف ورئيس جهاز الأمن الفدرالي (إف إس بي) ألكسندر بورتنيكوف، الذين يشكلون بحسب مصادر أمنية غربية أقرب دائرة لبوتين.
ولم تظهر أدنى بوادر خلاف بين المشاركين أو حتى بين سياسيي الصف الثاني.
ووجّه بوتين في 16 آذار/مارس تحذيرا شديدا من أي خروج عن خط الكرملين، مؤكدا أن الغرب يراهن على "طابور خامس، على خائنين للأمة" من أجل إضعاف روسيا.
الاتحاد الدولي للشطرنج
والشخص الوحيد من أوساط السلطة حاليا أو سابقا الذي خالف الكرملين هو المساعد السابق والنائب السابق لرئيس الحكومة أركادي دفوركوفيتش الذي يترأس الاتحاد الدولي للشطرنج.
فهو ندد علنا بالحرب في مقابلة أجرتها معه مجلة أميركية واستقال من منصبه على رأس مؤسسة أعمال.
في المقابل، اكتفى مسؤولون سابقون ذوي توجهات ليبرالية بلزوم الصمت، مثل وزير المال السابق أليكسي كودرين الذي يترأس حاليا ديوان المحاسبة الروسي.
إلفيرا نايبولينا
سرت تكهنات حول مستقبل حاكمة البنك المركزي إلفيرا نايبولينا، الخبيرة الاقتصادية التي تترأس "بنك روسيا" منذ 2013.
فهي ظهرت في صور وكأنها معزولة خلال اجتماع في الكرملين ونشرت فيديو أقرت فيه بأن الاقتصاد الروسي في وضع "حرج" قائلة "كنا نود لو لم يحصل هذا".
لكن بوتين طلب من البرلمان هذا الأسبوع تجديد ولايتها، في مسعى على ما يبدو لنفي شائعات أفادت أنها تعتزم الاستقالة من منصبها احتجاجا على الحرب على أوكرانيا.
وصدرت مواقف تعكس بعض المخاوف عن أوليغارش معرّضين لخسائر فادحة جراء الغزو، مثل أوليغ ديريباسكا وميخائيل فريدمان اللذين أدليا بتصريحات حذرة تدعو إلى السلام.
وفي 3 آذار/مارس، دعت إدارة مجموعة "لوك اويل" العملاقة للنفط، أكبر شركات الطاقة الخاصة في روسيا، إلى وضع حد للنزاع.
وقال نوبل إن العديد من أفراد النخب صدموا بالهجوم على أوكرانيا إذ إن معظمهم "لم يشاركوا في عملية اتخاذ القرار" وكانوا يعتقدون أن بوتين يعتزم ممارسة ضغوط قصوى وليس شن عملية عسكرية.
لكنه لفت إلى أن "الدعوة إلى السلام أمر، وانتقاد بوتين مباشرة أمر مختلف تماما".
التعليقات