كييف (أوكرانيا): تحتفي أوكرانيا التي ترزح تحت وطأة الغزو الروسي، بصمت هذا العام بذكرى النصر على ألمانيا النازية عام 1945 إلا أنها تأمل في أن تنتصر بنفسها في الحرب مع موسكو، مشبّهةً وحشية النازيين بتلك التي تمارسها القوات الروسية على أراضيها حاليًا.
بخلاف روسيا، تركّز هذه الجمهورية السوفياتية السابقة التي تقدّر عدد ضحاياها في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بأكثر من ثمانية ملايين شخص بين مدنيين وعسكريين، منذ سنوات على تكريم الضحايا بدلًا من النصر.
موسكو
ولكن هذا العام، يحلم الأوكرانيون بالانتصار على موسكو التي جعلت بلادهم ساحة حرب دامية، منذ بدأت غزوها في شباط/فبراير.
وقال مستشار الإدارة الرئاسية الأوكرانية ميخايلو بودولياك في تصريحات مكتوبة أُرسلت إلى وكالة فرانس برس، "بعد عقود من السلام، أعادت روسيا إلى أوروبا فظاعة مجازر المدنيين".
لكنّه أضاف أن "أوكرانيا وأوروبا سيكون لديهما تاريخ جديد لانتصار حقيقي على النزعة التوسعية والشوفينية والنازية الروسية". وتابع "هذا الأمر لن يتحقق غدًا وينبغي دفع ثمنه غاليًا جدًا".
جاء هذا الكلام في وقت تخلّى الجيش الروسي أمام المقاومة الأوكرانية، عن شمال البلاد لكن معارك ضارية تتواصل في الشرق والجنوب.
واقترح المعهد الأوكراني للذاكرة الوطنية شعارًا جديدًا لهذا العام. وكُتب على لافتة "انتصرنا على النازيين، سننتصر على الروس" إلى جانب صورتين للديكتاتور النازي أدولف هتلر (1933-1945) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في حين لم يُكشف بعد عن برنامج الاحتفالات، قال رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو الجمعة إنه "لن يُنظَّم أي تجمّع" في كييف، بسبب الأحكام العسكرية والضربات الروسية.
يرتدي عيد النصر في التاسع من أيار/مايو رمزيةً كبيرةً في روسيا ويُقام لمناسبته في كل عام عرض عسكري ضخم في الساحة الحمراء في موسكو، في ما يشكل مناسبةً وطنيًا تستخدمها السلطات أكثر فأكثر لتوحيد صفوف الأمة عبر تمجيد "إنجاز الشعب الروسي".
واتّهمت وزارة الدفاع الأوكرانية الأحد روسيا بأنها "تستغلّ باستهزاء ذاكرة الحرب العالمية الثانية ومصطلحاتها"، إذ إن موسكو تؤكد أن غزوها لأوكرانيا يهدف إلى "اجتثاث النازية" منها.
الحرب الوطنية العظمى
بدأت كييف بالتخلي عن الاحتفالات ذات الطابع السوفياتي منذ حوالى 15 عامًا عندما استُبدل مصطلح "الحرب الوطنية العظمى" الذي لا يزال معتمدًا في روسيا حتى يومنا هذا، بـ"الحرب العالمية الثانية" في الخطابات الرسمية وكتب التاريخ.
تعزز هذا التوجه مع عملية "اجتثاث السوفياتية" التي أطلقتها كييف بعد ضمّ موسكو عام 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية (جنوب) والحرب التي تلت ذلك في الشرق مع انفصاليين مدعومين من الكرملين.
منذ 2015، يستخدم الأوكرانيون شقيق النعمان كرمز رسمي للاحتفالات على غرار الدول الأنغلوساكسونية.
شريط القديس جاورجيوس
تعتبر أوكرانيا شريط القديس جاورجيوس البرتقالي والأسود الذي يستخدمه الروس والانفصاليون، بمثابة "رمز للعدوان الروسي"، وقد حُظّر في البلاد منذ 2017 ويتسبب رفعه بفرض غرامة على الشخص المعني تصل إلى 160 يورو وحتى بالسجن 15 يومًا.
ومنذ 2015 أيضًا، تنظّم أوكرانيا الاحتفالات ليس فقط في التاسع من أيار/مايو على غرار الاتحاد السوفياتي سابقًا وروسيا، إنما أيضًا في الثامن منه الذي يُعتبر "يوم الذاكرة والمصالحة"، في تقارب مع التقليد الأوروبي.
في حين أن تاريخ التاسع من أيار/مايو كان لا يزال رغم كل شيء مهمًا بشكل رمزي بالنسبة لـ80% من الأوكرانيين حتى الآونة الأخيرة، إلا أن الغزو الروسي جعل هذا الرقم يتراجع إلى 34%، بحسب استطلاع نشره أواخر نيسان/أبريل المعهد الأوكراني Rating الذي أشار إلى "تغيير مهمّ في الذاكرة التاريخية".
يرى أكثر من ثلث الأوكرانيين حاليًا أنه "من الماضي" فيما يعتبر قرابة ربع الأوكرانيين أنه يوم عادي، بحسب المصدر نفسه. ويدعو بعض المسؤولين السياسيين حتى إلى عدم تنظيم أي احتفال في التاسع من أيار/مايو.
بالنسبة لفولوديمير كوستيوك (62 عامًا) وهو نجل أسير حرب سوفياتي قبع في معسكر اعتقال نازي، أن لطالما كان لهذا اليوم بعد شخصي لكنّه زال حاليا.
وقال فولوديمير الموظف في مصرف إن الروس والأوكرانيين "قاتلوا النازيين معًا، كان انتصارنا مشتركًا. اليوم الروس يقتلوننا ويعذبوننا وهذا التاريخ المشترك لم يعد موجودًا".
وأضاف الرجل الذي غادر كييف نحو شرق البلاد هربًا من القصف الروسي، "أي عيد هذا؟ هل انتصرنا حينها فقط ليقضوا علينا الآن؟".
التعليقات