بيروت: يرتكز النظام السياسي في لبنان الذي يشهد انتخابات برلمانية جديدة منتصف أيار/مايو في خضم انهيار اقتصادي، على توازنات طائفية هشّة تجعله عرضة لسلسلة أزمات سياسية وغالباً ضحية لتوترات إقليمية.

يُعدّ لبنان واحداً من أصغر البلدان في الشرق الأوسط مع مساحة تبلغ 10452 كيلومتراً مربعاً، ويعيش فيه نحو ستة ملايين نسمة، بينهم 4,5 ملايين لبناني.

ويضمّ لبنان الذي يُعد نظامه ليبرالياً حراً نسبياً في منطقة محافظة في الغالب، 18 مذهباً معترفا بها، 12 من الطوائف المسيحية وخمسة إسلامية وأقلية يهودية لم تعد موجودة.

نظام طائفي

وتتوزّع الرئاسات الثلاث الأولى على قاعدة مذهبية: رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة. كذلك، توزع وظائف الفئة الأولى على أساس طائفي.

ولبنان جمهورية برلمانية. في عام 1990، وبموجب اتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب الأهلية (1975-1990)، عُدل الدستور ليصبح عدد أعضاء البرلمان 128 موزعين مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. كذلك عُدلت صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي وأعطيت صلاحيات أكبر لـ"مجلس الوزراء مجتمعاً".

هيمنة سورية

بعد الحرب الأهلية، خضعت البلاد لهيمنة سورية في ظل وجود للجيش السوري في البلاد. وتحكّمت دمشق بكل مفاصل الحياة السياسية. واستمر ذلك حتى نيسان/أبريل 2005، تاريخ خروج القوات السورية من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

وشهد لبنان بعد 2005 أزمات سياسية وأمنية متلاحقة تخللتها عمليات اغتيال طالت بشكل أساسي معارضين لدمشق. بينما اصدرت محكمة دولية مقرها قرب لاهاي حكما في قضية اغتيال الحريري دانت فيه عنصرا في حزب الله اللبناني، حليف دمشق، في الجريمة.

بعد انتهاء حقبة "الوصاية السورية"، تسببت الانقسامات واستمرار الولاءات للخارج، بشل مؤسسات الدولة أو تعثرها بسبب المحاصصات والفساد.

في آذار/مارس 1978، كانت القوات الإسرائيلية دخلت لبنان من أجل وضع حدّ لهجمات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتمتع بدورها بثقل عسكري وسياسي على الساحة اللبنانية وتنفذ عمليات في إسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية. وتمكنت من دحرها حتى نهر الليطاني، قبل أن تنسحب في حزيران/يونيو من العام ذاته.

اجتياح اسرائيلي

في عام 1982، اجتاح الإسرائيليون لبنان ووصلوا الى بيروت. وأقاموا منطقة عازلة في الجنوب من أجل ضمان أمن بلدات شمال إسرائيل حتى انسحابهم من لبنان عام 2000، تحت ضغط عمليات عسكرية نفذها خصوصاً حزب الله المدعوم من طهران.

وشهد لبنان عام 2006 حرباً مدمرة بين حزب الله وإسرائيل استمرت 33 يوماً وقتل خلالها 1200 لبناني معظمهم مدنيون و160 إسرائيلياً معظمهم جنود.

في عام 2013، أقرّ حزب الله بتدخله العسكري في النزاع السوري الى جانب قوات الرئيس بشار الأسد. وتلت ذلك أزمة سياسية جديدة، ولم تجر انتخابات نيابية في العام 2009، ومدّد المجلس النيابي لنفسه ثلاث مرات حتى العام 2018.

على وقع النزاع في سوريا المجاورة، استهدفت سلسلة تفجيرات مناطق لبنانية عدة بينها الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله قرب بيروت، تبنّتها تنظيمات جهادية في سوريا.

يؤوي لبنان حالياً وفق السلطات قرابة 1,5 مليون لاجئ سوري، أقل من مليون منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة.

وتعيش كل ثلاث عائلات سورية من إجمالي أربع في لبنان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

ويعيش كذلك عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في 12 مخيماً في لبنان، وسط ظروف صعبة فاقمها الانهيار الاقتصادي المتمادي منذ أكثر من عامين.

في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، انفجر غضب اللبنانيين في الشارع بعد تلاحق الأزمات المعيشية والاقتصادية، ونزل مئات آلاف المتظاهرين الى الطرق يطالبون برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالعجز والفساد.

واستمرت التظاهرات أشهر قبل أن تتراجع بسبب تعامل القوى الأمنية بقسوة مع المحتجين وأزمة كوفيد وتجذر الطبقة السياسية في مكانها رغم توالي الحكومات التي لم تتمكن من تقديم اي حلول ولو آنية.

ويشهد لبنان منذ خريف 2019 واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ العام 1850 وفق تصنيف البنك الدولي، نتجت عن عقود من سوء الإدارة وتغليب منطق المحاصصة والصفقات على الإصلاحات البنيوية.

قيودٌ مصرفية

ويخضع اللبنانيون منذ 2019 لقيود مصرفية مشددة على عمليات السحوب المالية بالدولار والتحويلات الى الخارج، في وقت خسرت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها نسبة الى الدولار، في بلد يعتمد على الاستيراد من الخارج الى حدّ كبير. وبات ثمانون في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة.

ويعاني لبنان الذي تخلّف عام 2020 للمرة الأولى في تاريخه عن سداد ديونه الخارجية، من تضاءل احتياطي الدولار، ما جعل السلطات عاجزة عن توفير أبسط الخدمات الرئيسية من وقود وطبابة وكهرباء، على وقع تردي خدمات مرافق الدولة.

فاقم انفجار مروّع في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 الوضع الاقتصادي سوءاً، وتسبّب بكارثة كبرى غير مسبوقة في تاريخ البلاد. إذ أودى الانفجار بحياة أكثر من مئتي شخص وآلاف الجرحى وألحق دماراً واسعاً بعدد من أحياء العاصمة. وقالت تحقيقات أولية وتقارير إنه نتج عن إهمال وتراخ في تخزين مواد خطرة.