كييف (أوكرانيا): بينما تستعر الحرب في أنحاء أوكرانيا، يعيش ميخايلو تيريشنكو معركة خاصة به تهدد بتمزيق أبرشيته.

يشعر الكاهن بحالة من الضياع. فهو نظريا رجل دين في كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية في موسكو، والتي تدين بالولاء للبطريرك الروسي كيريل.

لكن على الأرض، يعد تيريشنكو شخصية أوكرانية وطنية ويدافع بشراسة عن بلده، بعد الصدمة التي أثارها قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوها.

وقال تيريشنكو لفرانس برس من كنيسته في كوزليتس الواقعة على بعد 80 كلم شمال كييف "لم تجلب هذه الحرب أي أمر جيّد".

وأضاف "لم يجلب لنا ذلك إلا الأسى والدمار والموت".

وتنهّد وهو يستذكر أولى أيام الحرب التي سادتها الفوضى عندما كان يؤوي الفارين من القتال في سراديب الموتى داخل الكنيسة، وسط الأيقونات وقبر مؤسس الأبرشية.

وقال الكاهن "كانت هناك قرى قريبة حيث قتل العديد من الأشخاص ودُمّرت منازل. نشعر نحن أيضا بهذا الألم".

وترك الغزو الروسي الكهنة المدعومين من موسكو في أوكرانيا في وضع شائك.

خسرت روسيا عددا كبيرا من الأبرشيات الأوكرانية عام 2019، عندما أدى انشقاق تاريخي غذاه ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم ودعمه تمرّدا انفصاليا في دونباس إلى تأسيس بطريركية كييف الأرثوذكسية.

والآن، مع الغزو الروسي الكامل الذي أعرب البطريرك كيريل علنا تأييده له، يرجّح أن تخسر الكنيسة الروسية المزيد من رجال الدين والأبرشيات.

وبينما عبرت أرتال القوات الروسية الحدود إلى أوكرانيا، ندد كيريل بـ"قوى الشر" المناهضة "للوحدة" التاريخية بين روسيا وأوكرانيا.

ودعا أتباعه لاحقا للوقوف في وجه "أعداء (موسكو) في الخارج والداخل".

وأثارت تصريحات كيريل دعوات في الغرب إلى فرض عقوبات عليه وتحذيرا شديد اللهجة من البابا فرنسيس الذي دعاه إلى التوقف عن القيام بدور "خادم مذبح بوتين".

وبالنسبة لكهنة في أوكرانيا على غرار تيريشنكو بات الوقوف إلى جانب زعمائهم في موسكو أمرا يتعذر الدفاع عنه بشكل متزايد.

لكن قطع العلاقات مع الكنيسة يحمل أيضا خطر إثارة اضطرابات في أوساط رعيتهم.

أثارت مباركة البطريرك كيريل الواضحة لغزو بوتين غضب الأوكرانيين، الذين فر ملايين منهم من منازلهم بينما يزداد عدد القتلى المدنيين في صفوفهم يوميا.

وقال تيريشنكو "من الصعب تصديق أن البطريرك قال ذلك.. الأوكرانيون والروس والبيلاروس. جميعنا سلافيون. مع ذلك، يبارك قتل شعبه".

وذهب بعض رجال الدين التابعين للكنيسة في موسكو أبعد من ذلك، فوقّع المئات على عريضة عبر الإنترنت تطالب بأن يواجه البطريرك كيريل محكمة دينية.

بدوره، تجنّب رأس الكنيسة المدعومة من موسكو في أوكرانيا المطران أونوفري توجيه أي انتقادات لكيريل، الذي يعد رئيسه.

لكن صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بلقطات من جنازات أقيمت للقتلى في صفوف الجنود الأوكرانيين والدعم لجيش كييف.

كما دعا إلى موكب لمناسبة عيد الفصح لإخراج الجنود الأوكرانيين العالقين والجرحى في مصنع أزوفستال في ماريوبول، المحاصرة من الجيش الروسي.

ويقول كهنة أوكرانيون قطعوا العلاقة مع موسكو إن رسالة كيريل تثبت ما قالوه منذ مدة طويلة عن السلطات الدينية في روسيا واتّهموه بالتجديف.

وقال الكاهن أولكسندر شموريهين من كاتدرائية القديس فولوديمير التابعة لبطريركية كييف الأرثوذكسية في العاصمة الأوكرانية إن "سلوك وتصريحات البطريرك كيريل مرعبة بكل بساطة.. هذه بروباغاندا ولاهوت يخدم الحرب. ليست مسيحية".

والآن، يطالب البعض في أوكرانيا بحظر كنيسة موسكو.

وفي آذار/مارس، عُرضت مسودة تشريع على البرلمان الأوكراني كانت، لو أُقرّت، ستحظر رسميا على الكنيسة الأرثوذكسية القيام بأي نشاط في أوكرانيا وتسمح بمصادرة ممتلكاتها.

في موسكو، رد رجال الدين بالقول إن ذلك يثبت أن "العملية العسكرية الخاصة" التي قام بها بوتين مبررة.

ويرجّح أن يأتي هذا الخطاب بنتيجة عكسية وأن يكلّفهم المزيد من الكهنة في أوكرانيا.

وأدار بعض الأوكرانيين ظهورهم للكنيسة الروسية.

وقالت داريا كولوميوتش التي تقطن كييف وتبلغ 33 عاما "على جميع الأوكرانيين حول العالم توحيد صفوفهم الآن والتركيز على مهمة واحدة -- مساعدة أوكرانيا في هذا النصر".

لكن ما زال لدى كيريل، الذين لم يزر أوكرانيا منذ ما قبل ضم موسكو للقرم عام 2014، مدافعون عنه حتى في قلب كييف.

وقالت إرينا غين (34 عاما) التي ترتاد الكنيسة عادة لفرانس برس "نعم، لدي مخاوفي"، مشبّهة بوتين بـ"الشيطان" قبل قداس في كنيسة تابعة لبطريركية موسكو في كييف.

لكنها أصرت على أن "لا علاقة لكيريل" بأفعال الرئيس الروسي.

لكن بالنسبة لكهنة مثل تيريشنكو، فإن الحرب أجبرتهم على مواجهة أسئلة تخيّم منذ سنوات ومستقبلا ضبابيا.

وقال تيريشنكو "أريد أن تكون لدينا كنيسة أوكرانية -- مستقلة عن موسكو وعن أي دولة (حتى تلك الأوكرانية)".

وأضاف "لا يمكن تحقيق أي شيء عبر العدوان".