إيلاف من بيروت: توقع بعضهم أن تتفكك روسيا في ظل ما تتعرض له من الإذلال في أوكرانيا. ربما، لكننا بدأنا بالفعل نرى علامات على ضعف قبضة موسكو على "الخارج القريب" من الدول السوفياتية السابقة التي ظلت تحت النفوذ الروسي الوثيق. إن الهيمنة على إمبراطورية موسكو السابقة أمر حيوي لإعادة تأهيل بوتين لروسيا كقوة عظمى، لكن حربه الكارثية في أوكرانيا ربما قوضتها بشكل قاتل.
ألحق الصراع بجميع الدول السوفياتية السابقة أضرارا اقتصادية، وهي الدول التي تعتمد في معظمها بدرجة أو بأخرى على موسكو. كما أثرت على مخاوفهم الأمنية بطرق مختلفة: بعضهم شجعتهم الانتكاسات الروسية، وبعضهم خائف على استقلاله، والبعض الثالث يدرك أنه قد لا يكون قادرًا على الاعتماد على موسكو المتعثرة للحصول على المساعدة عندما يحتاج إليها.
على سبيل المثال، شنت أذربيجان في الأسبوع الماضي هجوما مميتا على بلدات أرمنية خارج ناغورني كاراباخ، لاختبار قدرة موسكو على التدخل بينما هي في حالة من التراجع في أوكرانيا. ومنذ التوسط في وقف إطلاق النار بين الجانبين في عام 2020، حافظت روسيا على قوة حفظ سلام قوية قوامها 2000 جندي في منطقة ناغورني كاراباخ، يقال إنها تقلصت الآن بسبب القتال في أوكرانيا. وتتطلع كل من أرمينيا وأذربيجان بشكل متزايد إلى الغرب، بما في ذلك الوساطة، وهي حبة مريرة تبتلعها موسكو مع تضاؤل نفوذها الإقليمي. وفي الشهر الماضي، وجه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان انتقادات غير مسبوقة لحليفه الروسي، مشككا في فعالية قوات حفظ السلام، ودعا في الأسبوع الماضي إلى تقديم المساعدة التي يعلم أن موسكو ليست في وضع يمكنها من تقديمها.
قلق أرمينيا ذو شقين: أولا من أن تواصل أذربيجان استغلال الضعف الروسي، وثانيا، أن تضغط موسكو عليها للانضمام إلى دولة روسيا الاتحادية وبيلاروسيا بعد الخروج من الحرب الأوكرانية. وتشارك جورجيا المجاورة، التي احتلت روسيا 20 في المئة من أراضيها منذ الغزو في عام 2008، أرمينيا خوفها من الخضوع الروسي، وهو ما يفسر جزئيا اتهامات بـ "الحياد الخير" تجاه موسكو، بما في ذلك خرق العقوبات. واحدة من أكثر الدول السوفياتية السابقة تطلعا نحو الغرب، ليس من الصعب تخيل تغير موقف تبليسي إذا استمرت أوكرانيا في فضح ضعف الكرملين.
حتى كازاخستان، الحليف الوثيق والطويل الأمد لروسيا، بقيت محايدة في الحرب، ورفضت مساعدة موسكو على التهرب من العقوبات ورفضت المطالب الروسية بالاعتراف باستقلال دونيتسك ولوهانسك. حتى أنها عرضت زيادة إمدادات الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي وإيجاد طريق غاز يتجاوز روسيا. وفي الشهر الماضي، ناقشت كازاخستان، إلى جانب دول آسيا الوسطى الأخرى، قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، تنويع طرق التجارة لتجنب روسيا واستكشفت آفاق تحالف أمني إقليمي بين الدول الخمس لملء فراغ القوة الروسي المتوقع. وبينما تبدو الدول السوفياتية السابقة في أوروبا والقوقاز غربية، تتطلع دول آسيا الوسطى شرقا إلى الصين، سواء للحصول على الدعم الاقتصادي، أو على نحو متزايد، من أجل الأمن.
عدم الاستقرار هذا يهدد بوتين، ليس بالفشل في تحقيق خطته الكبرى المتمثلة في جذب الدول السوفياتية السابقة إلى عمق مجال النفوذ الروسي فحسب، لكن أيضا الحد من سيطرته على بعض الدول المجاورة. إن أهدافه مشتركة بين النخب السياسية في موسكو، وبينما يشاهدون الفجوة تتسع بين أهدافهم وقدرته على تحقيقها، فإنهم بالتأكيد سيتساءلون عما إذا كان الوقت قد حان لتغيير الوضع. ولا يستطيع بوتين أن يتحمل استمرار هذا الإذلال.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "تلغراف" البريطانية
التعليقات