إن التكلفة البشرية والمادية للحرب الدائرة في أوكرانيا موثقة جيدا. لكن الأنواع النادرة من الحيوانات والأزهار التي ازدهرت في شمال البلاد أيضاً تضررت بشدة من الاستخدام المدمر للأسلحة والألغام الأرضية، وسط مخاوف من أن يستغرق تعافيها عقودا.

يرتدي فاليري ستيبانينكو أولكساندروفيتش زي الجنود ويحيط به رجال مسلحون ببنادق كلاشينكوف، بينما يراقب الأخبار باستمرار.

هو حارس غابة في محمية دريفليانسكي الطبيعية بأوكرانيا، التي كانت ذات يوم ملاذا للحياة البرية في شمالي البلاد. مستنقعاتها وبحيراتها وغاباتها وأراضيها البرية كانت غنية بالحياة البرية حتى أنه أطلق عليها اسم "أمازون أوروبا".

تقع المحمية على بعد 15 ميلا فقط من الحدود مع بيلاروسيا، في جزء خطير من العالم ولدى ستيبانينكو كل الأسباب التي تجعله حذرا.

عبر هذه الحدود في فبراير/ِشباط، أطلقت روسيا صواريخ وقذائف مدفعية، تلا ذلك دخول رتل مدرع توجه جنوبا ووصل إلى ضواحي العاصمة كييف، قبل أن تصده القوات الأوكرانية المسلحة.

وبينما ترى أوكرانيا الغزو الروسي اعتداء عليها، تقول روسيا أن الناطقين بالروسية في إقليم دونباس يتعرضون للإبادة وبحاجة لمن يحررهم.

في عام 2020، وصل حريق الغابات، الذي اندلع في شمالي أوكرانيا، إلى منطقة قريبة من محطة شيرنوبل النووية المهجورة.

ويرى ستيبانينكو أن "الألغام الأرضية الروسية" المعلقة بجذوع الأشجار المتساقطة على جوانب مسارات المشاة في الغابة. "هي أسوأ ما خلفه الغزو إلى جانب حرائق الغابات التي أشعلوها بنيران قذائفهم"، على حد قوله.

دخل الروس أوكرانيا في 24 فبراير/ِشباط من ثلاث جهات، من الشمال انطلاقا من بيلاروسيا، ومن أراضيهم في الشرق، وشبه جزيرة القرم التي ضموها في عام 2014.

تسببت قذائف المدفعية التي أطلقها الروس على شمال أوكرانيا بحرائق غابات دمرت مساحة 2000 هكتار من الغابات العذراء مما أدى إلى تدمير الحياة البرية، وحرق نباتات الأوركيد المكتشفة مؤخرا ومئات النباتات النادرة الأخرى.

نظرة واحدة على جذوع الأشجار المحترقة التي يعلوها السواد، إلى أن الحياة البرية في هذا الجزء من أوكرانيا لن تعود في وقت قريب. ببساطة لأنه لا يوجد شيء يأكلونه، ولا مكان لهم للاختباء فيه.

سقطت القذائف أيضا على بلدة ناروديتشي القريبة، حيث ساعد العملاء المحليون، وفقا للأوكرانيين، الروس في توجيه نيران المدفعية نحو تجمعات القوات الأوكرانية.

يقول ستيبانينكو "لا يزال يتعين علينا توخي الحذر من المتسللين القادمين من بيلاروسيا".

هذا من شأنه أن يفسر الدوريات الأوكرانية المدججة بالسلاح التي شاهدناها هنا بالقرب من الحدود، مجموعات صغيرة من الرجال يحملون بنادق قنص وأجهزة اتصال لاسلكية.

يُعرف هذا الجزء من أوكرانيا باسم بوليزيا، ويأخذ شكلا بيضاويا عملاقا على الخريطة يمتد إلى بيلاروسيا وبولندا وروسيا. فهو موطن لأنواع مثل الوشق والذئب والأيائل، التي اختفت من معظم أنحاء أوروبا منذ وقت طويل.

الحرب ليست كارثة بوليزيا الأولى. في 26 أبريل/نيسان 1986، انفجر المفاعل رقم 4 في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، مما أدى إلى إرسال عمود من الغبار الذري عبر أوروبا، وتلويث أجزاء من شمال أوكرانيا بالإشعاعات.

تقع تشيرنوبيل على بعد 40 ميلا فقط، تم التخلي عن معظم القرى والمزارع النائية في هذا الجزء من أوكرانيا عندما تم إجلاء السكان على عجل إلى بر الأمان.

ومع ذلك، نجت الحياة البرية إلى حد كبير من تلك الكارثة، حتى أنها استفادت من غياب البشر عن تلك المنطقة.

يوضح ستيبانينكو "كان هناك قطيعان من الذئاب في هذه المنطقة، والذئب البوليزي هو واحد من أكبر الذئاب في العالم. قبل كارثة تشيرنوبيل، كانت الذئاب تتفادى القرى ولكن الآن تعبر من خلالها في الليل إن شاءت".

لقد خلقت الألغام الأرضية التي زرعها الروس في الجزء الأوكراني من بوليزيا مشكلة مختلفة تماما. روسيا ليست طرفا في اتفاقية حظر الألغام لعام 1997. منذ بدء الحرب، زرعت القوات الروسية ما لا يقل عن سبعة أنواع مختلفة من الألغام المضادة للأفراد في أجزاء مختلفة من البلاد، معظمها في حقول ألغام غير محددة.

هنا في الغابات الشمالية، هذا يعني أن المسارات غير المعبدة التي استخدمها الحراس لدورياتهم أصبحت الآن خطيرة للغاية ولا يمكن استخدامها. في أوائل سبتمبر/ أيلول، مرت إحدى سياراتهم فوق لغم أرضي، مما أسفر عن مقتل أحد ركابها وإصابة آخر بجروح بالغة.

يقول ستيبانينكو "في بعض الأحيان، نصادف بقايا غزال راح ضحية أنفجار لغم. لا تعرف الحيوانات الألغام. إنه أمر محزن للغاية".

إذن، كم من الوقت سيستغرق الأمر لجعل المنطقة آمنة مرة أخرى؟ يجيب "سنين". ثم يستدير ويضيف بحسرة "بل عقوداً من الزمن".