إيلاف من بيروت: الدبلوماسية الدولية صعبة بطبيعتها، وعادة ما تكون غير براقة وغالبا ما تكون غير ناجحة، لكنها مع ذلك ضرورية. رأت إدارة بايدن بنفسها مدى صعوبة تحقيق النتائج: فشلت في إغراء إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي أو إقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط. لكن في الأسبوع الماضي، ضربت دبلوماسية الإدارة الأميركية ضربتها، ولم يلاحظها أحد تقريبا.

في 11 أكتوبر، أعلنت إسرائيل ولبنان عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما. يبدو هذا تقنيًا لكنه إنجاز كبير بالنظر إلى أن البلدين في حالة حرب رسميًا منذ عام 1948. (أدى ذلك أحيانًا إلى صراع عسكري فعلي - آخرها في عام 2006). كانت تلك دعوة للصراع وعرقلة لاستغلال حقول الغاز الطبيعي الكبيرة قبالة سواحلها.

محاولات سابقة فشلت

تنتج إسرائيل الغاز الطبيعي البحري منذ سنوات، لكن حقلها الأخير – المعروف باسم كاريش – يقع بشكل خطير بالقرب من الحدود البحرية المتنازع عليها مع لبنان. هدد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بمهاجمة منصة النفط الإسرائيلية في المنطقة. من جانبه، لم يتمكن لبنان من استخراج أي غاز طبيعي على الإطلاق لأن شركات النفط لا تريد التنقيب في مناطق متنازع عليها، وهو في أمس الحاجة إلى هذا الغاز الطبيعي إذ يعاني من انهيار اقتصادي، ولا تزيد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي على ساعة أو ساعتين في كل يوم.

تحاول الإدارات الأميركية منذ عقد من الزمان التوسط في اتفاق، من دون أن يحالفها الحظ. كان من الصعب إحراز تقدم، نظرا لأن مسؤولي هاتين الدولتين المتحاربتين يرفضون التواجد في نفس الغرفة، فلبنان لا يعترف حتى بحق إسرائيل في الوجود.

دخل آموس هوكشتاين، وهو موظف سابق في مجلس الشيوخ، ومسؤول تنفيذي في صناعة الطاقة ومخضرم في وزارة خارجية أوباما وهو المنسق الرئاسي لأمن الطاقة، على الخط وأطلق جولة جديدة من الدبلوماسية المكوكية في بداية العام، فانتقل من تل أبيب إلى بيروت، وهي رحلة تتطلب عادة محطات توقف في بلد ثالث لأن لا روابط جوية أو برية مباشرة بين إسرائيل ولبنان. قال: "عملت على حل الكثير من المشاكل الصعبة. ربما يكون هذا أصعب شيء قمت به على الإطلاق".

الشك المتطرف

وأشار هوكشتاين إلى أن "الشك متطرف حقا من الجانبين"، وأن التوقيت بالكاد يبدو مواتيا: فإسرائيل تقودها حكومة انتقالية ضعيفة حيث تفشل الانتخابات تلو الأخرى في إنتاج أغلبية دائمة، ولبنان منقسم بشكل دائم بين الجماعات الدينية المختلفة، وفي السنوات الأخيرة كان على شفا الانهيار الاقتصادي والسياسي.

قال هوكشتاين إنه غير الديناميكيات من خلال الانتقال من السؤال عمن سيفوز ومن سيخسر بموجب أي اتفاق إلى السؤال كيف يمكن للبلدين حماية مصالحهما الحيوية. قدمت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء الوسطي يائير لابيد، تنازلات على خط الحدود. واعترفت الحكومة اللبنانية، برئاسة ميشال عون، بسيطرة إسرائيل على امتداد ثلاثة أميال من المياه بالقرب من الشاطئ، ووافقت على دفع حصة إسرائيل من عائدات الغاز المأخوذة من الجانب الإسرائيلي من حقل قانا، الذي يقع في المناطق الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين. (ستمر المدفوعات عبر وسيط هو شركة الطاقة الفرنسية توتال).

أشاد الجانبان بالاتفاق الناتج عن ذلك ووصفاه بأنه 'تاريخي'. وندد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي يحاول العودة إلى السلطة في انتخابات 1 نوفمبر، كما كان متوقعا، بالقرار ووصفه بأنه "استسلام مشين". كما تعرضت لهجوم من قبل المفاوض الأميركي السابق الذي حاول وفشل في الحصول على صفقة في إدارة ترمب. لكن هذا يشبه إلى حد كبير حالة 'الحصرم'، كما لاحظ السفير الأميركي السابق مارتن إنديك. لم يتمكن ترمب ونتنياهو من التوصل إلى اتفاق. بايدن ولابيد فعلا. وتؤيد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشدة الاتفاق، ليس لأنه يساعد في حماية حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلية فحسب، لكن أيضا لأنه يساعد في تعزيز مكانة الحكومة والاقتصاد اللبنانيين، فإسرائيل لا تريد دولة فاشلة بجوارها.

ليس دراماتيكيًا

ليس هذا الاتفاق دراماتيكيا كاتفاقات أبراهام التي أبرمت في ظل إدارة ترمب، والتي اعترفت بموجبها ثلاث دول عربية (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب) بإسرائيل. لكنه، في بعض النواحي، أكثر إثارة للدهشة. لم تكن الإمارات والمغرب والبحرين في حالة حرب مع إسرائيل.

على النقيض من ذلك، كان حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة المتحالفة مع إيران، ولا يزال منذ فترة طويلة، أحد التهديدات الأمنية الرئيسية لإسرائيل. كما أنه أقوى كيان سياسي في لبنان يتمتع بحق النقض على قرارات الحكومة، بحكم الأمر الواقع. لذلك، من غير العادي أن يسمح «حزب الله» للحكومة اللبنانية بتوقيع اتفاق يمكن أن يحول إسرائيل ولبنان إلى شريكين تجاريين. "لقد أبدى لبنان، أول مرة، نوعا من الاعتراف الفعلي بإسرائيل وحدودها"، كما كتب دانيال بي. شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل.

هذا شيء تستحق إدارة بايدن الكثير من الثناء عليه - تماما كما استحقت إدارة ترمب الاعتراف بفضلها في اتفاقيات أبراهام. كل ما في الأمر هو إظهار أن الدبلوماسية تؤتي ثمارها في بعض الأحيان - حتى لو لم نعطِها دائما الاهتمام الذي تستحقه.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية