إيلاف من بيروت: في 26 أكتوبر الماضي، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هجوماً في إيران للمرة الأولى منذ سبتمبر 2018. وأفاد بعض التقارير أن إطلاق النار في مرقد شاه جِراغ في شيراز أسفر عن مقتل خمسة عشر شخصاً وإصابة ما لا يقل عن أربعين بجراح. ولاحقاً، جاء في بيان التنظيم الذي أعلن بموجبه مسؤوليته عن الحادثة أن الهدف كان "لإعلام الروافض أن لصحابة النبي محمد نسلاً يتوارث الانتقام جيلاً بعد جيل".

ليست عملية تمويه

يقول هارون ي. زيلين، زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "بعد أيام قليلة على عملية إطلاق النار، نشر تنظيم الدولة الإسلامية صورة وشريط فيديو للمهاجم، أبو عائشة العمري، تمّ تصويره قبل الحادثة. وتُظهر الصورة وجهه في حين يبيّن شريط الفيديو بيعته لزعيم التنظيم، مما يقوض النظريات القائلة بأن الهجوم كان عملية تمويه نفّذها النظام الإيراني. وفي 31 أكتوبر، ألقت السلطات القبض على شخص ساعده وزُعم أنه كان يخطط لشن هجوم خاص به في المستقبل".

بحسب زيلين، جاء إطلاق النار بعد أشهر من التهديدات المنسقة التي صدرت ضدّ إيران أطلقتها، ولاية خراسان، وهو فرع لتنظيم الدولة الإسلامية ومقره بشكل رئيسي في أفغانستان. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش هاجم بنجاح الجمهورية الإسلامية ثلاث مرات فقط في السنوات الست الماضية، فذلك لم يكن بسبب عدم المحاولة. منذ عام 2016، أعلن النظام الإيراني علناً أنه أحبط إحدى عشرة مؤامرة لتنظيم الدولة الإسلامية.

تشير بيانات تنظيم الدولة الإسلامية إلى أن لا علاقة للهجوم بحركة الاحتجاجات الشعبية في إيران، على الرغم من تزامنه مع ذكرى الأربعين للحداد على مهسا أميني، الشابة التي أشعل مقتلها فتيل الانتفاضة. وفي الواقع، من الصعب أن يميل التنظيم إلى دعم حركة وُلدت من الرفض الشديد للقواعد المتعلقة بالزي الديني للمرأة. وبدلاً من ذلك، ركز تبريراته المعلنة للهجوم على الكراهية الطائفية البحتة ضد الشيعة، حيث يعتبرهم أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» أنهم غير مسلمين حقيقيين. وبهذا الشأن، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون لتوقيت الهجوم غرض تكتيكي، أي استغلال عدم الاستقرار المحتمل لنظام رجال الدين الشيعي الحاكم وسط الانتفاضة الجماهيرية.

التهديدات الأخيرة

يقول زيلين: "منذ قيامه، كان التنظيم معادياً بشدة للشيعة ولإيران. على سبيل المثال، كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى انفصاله عن تنظيم القاعدة في عام 2013 هو تحفُظ الأخير على مهاجمة إيران. واصلت ولاية خراسان هذا التقليد داخل أفغانستان منذ تأسيسها في عام 2015، حيث استهدفت مجتمع الهزارة الشيعي في البلاد على نحو متكرر. ويميل التنظيم إلى اعتبار الهزارة امتداداً لإيران، لأن العديد من أفراد هذا المجتمع هم لاجئين تنحدر أصولهم من أفغانستان والذين جندتهم طهران للانضمام إلى لواء فاطميون، وهو لواء شيعي مدعوم من إيران، حارب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا".

يضيف: "حاولت حركة طالبان طمأنة مجتمع الهزارة منذ توليها السلطة في أفغانستان العام الماضي، ما دفع تنظيم الدولة الإسلامية إلى اتهام الحكومة الجديدة بأنها حامية الشرك. بالمثل، كانت مساعي كابول لإعادة إحياء العلاقات مع إيران والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً موضوع نقاش لكل من نواة تنظيم الدولة الإسلامية وولاية خراسان، حيث وصفت نشرة ’النبأ‘ الإخبارية بسخرية حركة طالبان بـإمارة السفارات في سبتمبر".

كان الفرع الأفغاني أكثر نشاطاً في تهديد إيران وغيرها من دول المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية منذ تأسيس وسيلته الإعلامية الخاصة، "العزايم". ففي يونيو على سبيل المثال، حذر العدد الثامن من مجلة "صوت خراسان" أنه "قريباً ستتمّ إراقة دماء المجوس [مصطلح مهين للزرادشتيين] الإيرانيين في شوارعهم". وبالمثل، شدّد العدد الصادر في 17 تشرين الأول/أكتوبر على مدى انتشار خطط إيران الرامية إلى دعم مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة - البعثيون في سوريا، و «حماس» في فلسطين، وطالبان في أفغانستان - بـ "مظاهر الكفر السافر".

وفي الوقت نفسه، تعمل وسائل الإعلام المركزية لتنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل متزايد على ترجمة المحتوى العربي إلى الفارسية وفتح حسابات فارسية إضافية عبر الإنترنت لنشر أيديولوجية التنظيم وآرائه حول الأحداث الجارية. وقد ازدادت هذه الحسابات بشكل مفرط منذ هجوم 26 تشرين الأول/أكتوبر.

خيارات السياسة المحدودة

ختم زيلين بالقول: "بالنظر إلى أن إيران هي أحد أكبر خصوم أميركا، فلدى واشنطن خيارات قليلة لمعالجة الأمور بخلاف الاستمرار في إدانة هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» بغض النظر عن مكان حدوثها.

في الوقت نفسه، على المسؤولين الأمركيين تحذير طهران من استخدام هجوم شيراز كذريعة لمواصلة تشويه أو قمع الحركة الاحتجاجية الشرعية التي تشهدها البلاد، والتي لا علاقة لها بأنشطة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو أيديولوجيته.

ويقيناً، فحتى هذا الخيار المحدود سيكون رمزياً إلى حد كبير، حيث من غير المرجح أن تستمع طهران إلى أي شيء تقوله واشنطن حول الاضطرابات الداخلية في الجمهورية الإسلامية، كما أن الكثيرين في الشوارع لن يرضوا بأي نتيجة لا تنطوي على إسقاط النظام. وفي الحالتين، ينظر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى كل من المحتجين والنظام على أنهم مرتدون.