كشفت ملفات صدرت مؤخرا عن الأرشيف الوطني البريطاني أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، طالب بضرورة منح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقعدا على "طاولة الدول العظمى" في العالم على الرغم من مخاوف المسؤولين البريطانيين.
وكشفت الأوراق الصادرة عن الأرشيف الوطني أنه في أوائل عام 2001، كان رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت يعتقد أنه من المهم تشجيع الرئيس الروسي الجديد على تبني القيم الغربية.
لكن المسؤولين تساءلوا عما إذا كان يمكن الوثوق بجاسوس سابق للمخابرات السوفيتية كي جي بي.
تُظهر الملفات أيضا أن بوتين عرض على بريطانيا بناء خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى بريطانيا.
وفي أوائل عام 2001، شرح بلير فكرته حول الرئيس الروسي لديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الجديد في ذلك الوقت جورج بوش الابن، قائلا إن ذلك سيشجعه على "الوصول إلى" المواقف الغربية وتبني النموذج الاقتصادي للغرب.
وقال بلير أيضا إن بوتين مواطن روسي مخلص، متأثر من "فقدان روسيا مكانتها واحترامها" في العالم، ولديه "عقلية" مماثلة للرئيس الفرنسي شارل ديغول، على الرغم من أنهما لا يمكن مقارنتهما بشكل مباشر.
وكان الرئيس الروسي أول زعيم عالمي يمنحه بلير هدية عيد ميلاده، وهي عبارة عن زوج من الأزرار الفضية لأكمام القميص تحمل رقم 10، في أكتوبر/ تشرين الأول 2001.
خلف الكواليس، كان المسؤولون البريطانيون في 10 داونينغ ستريت أكثر تشككا. فقبل بضعة أشهر، أُعدت ورقة حول "التقدم الذي أحرزه بوتين" في روسيا، وقُدمت لجون سويرز، مستشار الدفاع لرئيس الوزراء البريطاني والذي تولي المخابرات البريطانية إم آي 6 (MI6) لاحقا.
وأشارت الورقة إلى أن تعليقات الرئيس الروسي "البناءة" التي قدمها لرئيس الوزراء بلير كانت أحيانا "تكذب" بسبب الإجراءات التي تتخذها روسيا.
وتضمنت الورقة قائمة طويلة من الأمثلة منها مأساة غرق الغواصة كورسك، التي راح ضحيتها 118 بحارا روسيا. وكان بوتين قد قال إنه ممتن لعروض المساعدة البريطانية. ومع ذلك، عرقل المسؤولون الروس هذه المساعدة. كما كرروا شائعات لا أساس لها من الصحة بأن الغواصة الروسية غرقت بسبب اصطدامها بغواصة بريطانية.
وفيما يتعلق بحلف الناتو، قال بوتين لبلير إنه لن يحاول إبطاء عملية توسيع الحلف. وفي الوقت نفسه، قال وزير دفاعه إيغور سيرغييف، لنظرائه في الناتو إن ذلك التوسع سيكون "خطأ سياسيا كبيرا" وأن روسيا "ستتخذ الخطوات المناسبة".
كما تحدث بوتين بود عن "التقارب" بين بريطانيا وروسيا. حتى أنه عرض بناء خط أنابيب عبر بحر البلطيق لتزويد لندن بالغاز.
وقال لبلير إن ذلك "سيضمن استقرار الإمدادات لعقود قادمة". تم طرح الاقتراح في اجتماع بين الزعيمين في موسكو في عام 2002، لكن خط الأنابيب هذا لم يتم بناؤه أبدا.
يأتي هذا بينما ظل نشاط المخابرات الروسية عند مستويات الحرب الباردة، وظلت روسيا "تحاول زرع واستقطاب ضباط نشطين للعمل ضد المصالح البريطانية في جميع أنحاء العالم".
كلينتون أراد الانتقام
بحلول عام 2001 كان أمام إدارة بلير رئيس أمريكي جديد للتعامل معه أيضا، وهو الرئيس جرج بوش الابن.
وتكشف ملفات الأرشيف البريطاني أن حكومة بلير استجابت بسرعة بمجرد أن أكدت المحكمة العليا فوز جورج بوش، في ديسمبر/ كانون الثاني 2000. كان بلير قريبا من الرئيس بيل كلينتون، الديمقراطي وأراد بناء روابط بسرعة مع خليفته الجمهوري.
كان بلير أول زعيم أجنبي يتصل لتهنئة الرئيس المنتخب، في محادثة هاتفية مدتها ثماني دقائق. سأل رئيس الوزراء البريطاني عما إذا كان من الممكن أن يرفع التكليف بينه وبين بوش ويستخدم كلاهما الاسم الأول فقط في الحديث، وهو ما وافق عليه بوش لكنه استمر في نداء بلير بكلمة "سيدي".
قبل تنصيب الرئيس الأمريكي، ذهب مستشار الدفاع البريطاني جون سويرز، ورئيس الأركان جوناثان باول، إلى واشنطن للقاء مسؤولين وأعضاء محتملين من فريق الرئيس بوش.
كتب باول أنه تم الترحيب بهم: "لقد قالوا جميعا إنهم يريدون الحفاظ على العلاقة بين البلدين في مستوى خاص. ومع ذلك، لم تكون العلاقة مريحة كما هو الحال مع إدارة كلينتون. على عكس كلينتون، لم يقدموا خدمات سياسية لنا".
في غضون ذلك، أراد الرئيس السابق بيل كلينتون الاحتفاظ بصداقته مع رئيس الوزراء البريطاني وأيضا مهاجمة خليفته.
كتب باول في نهاية مارس/ آذار 2001 إن كلينتون "أراد الانتقام".
وكتب باول رسالة إلى رئيس الوزراء، قال فيها "لا نريد حقا أن نكون مرتبطين بكلينتون". لكن مستشار الرئيس السابق سيدني بلومنتال، "ألمح" إلى أن كلينتون أُصيب بخيبة أمل لأن بلير لم يتصل به، وعبر عن هذا بقوله "لا تريد أن تبدو وكأنك تبتعد عن صديقك السابق".
وأضاف بلير في رسالة مكتوبة بخط اليد: "لماذا لا أتصل به قريبا؟"
وتشمل الملفات الأخرى التي كشف عنها الأرشيف الوطني البريطاني شعور حكومة بلير بالإحباط مما أسماه أحد المستشارين "وسائل الإعلام الطفولية".
التعليقات