يواجه أكثر من 25 مليون شخص في ولاية كاليفورنيا الأمريكية خطر الفيضانات نهاية هذا الأسبوع، إذ تضرب الولاية موجة جديدة من العواصف المدمرة.

وبدأت الفيضانات بعد ارتفاع منسوب المياه في عدد من مجاري المياه في الولاية، مما أسفر عن مقتل 19 شخصا على الأقل بينما طلبت السلطات من آلاف السكان إخلاء منازلهم إلى أماكن أكثر أمانا.

وفي مدينة مونتيسيتو الواقعة على بعد 135 كيلو متر من لوس أنجلس، قال سكان محليون إن الأمطار أدت إلى تفاقم الأزمة التي يواجهونها بسبب العواصف العاتية.

وتسبب انهيار أرضي في مقتل 23 شخصا في 2018 وسط مخاوف من تكرار ذلك هذا العام.

وتعزي ريتا بوربون الفضل في نجاتها إلى عمال البناء الإيطاليين الذي شيدوا منزلها منذ أكثر من قرن من الزمن، وتقول أنه يشبه الحصن إلى حدٍ كبيرٍ.

ونجت ريتا من عاصفة مماثلة قبل خمس سنوات بينما كانت تصرخ هي وابنتها وبعض الأصدقاء وهم يسمعون أصوات الأحجار والمنازل الأخرى التي اقتلعتها العاصفة من أساساتها وهي ترتطم بمنزلها.

انهيار أرضي
BBC
دمرت الانهيارات الأرضية الناتجة عن العواصف الطرق في كاليفورنيا

وفي اليوم التالي، دُمر الحي الواقع على الساحل بالقرب من لوس أنجلس، مما أسفر عن مقتل حوالي عشرين شخصا من بينهم جار لريتا عثرت عليه في حديقة منزلها وسط الوحل.

وقالت الناجية من العاصفة في ذلك الوقت: "إنه صوت اعتدت أن أحبه"، متحدثة عن الساقية التي تجري فيها المياه في حديقتها المليئة بأشجار الحمضيات والتين الكاكي ناضجة الثمار، بينما يشرب من البركة الموحلة في منزلها طائر مالك الحزين الأزرق.

وأضافت: "كلنا نعرف الآن ما يمكنه أن تفعله العاصفة. كلنا الآن نعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة".

مباشرجو بايدن يعلن حالة الطوارئ في ولاية كاليفورنيا و25 مليون شخص يواجهون أعنف العواصف

مشاهد صادمة لآثار الفيضانات بولاية كاليفورنيا الأمريكية

وبدأت المياه تنهمر بقوة وعنف في نهر مونتيسيتو مرة أخرى الأسبوع الماضي، مما دعا عمال الإطفاء إلى إصدار "أمر إخلاء فوري" لجميع سكان المنطقة التي يقيم فيها عدد من مشاهير ولاية كاليفورنيا مثل أوبرا وينفري وهاري وميغان ماركل.

ورغم إلغاء أمر الإخلاء في مونتيسيتو، لا يزال القلق يساور السكان بسبب تشبع الكثير من أراضي المنطقة بالمياه، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة لمزيد من الفيضانات والانهيارات الأرضية المدمرة.

آبي باول هو الشريك المؤسس لجمعية السلسة البشرية في سانتا باربرا في عام 2018، وهي الفرقة التي تشكلت بغرض حشد المتطوعين لإزالة آثار الدمار التي خلفتها الانهيارات الأرضية.

وقاد باول المتطوعين في المنطقة هذا الأسبوع وقاموا بتعبئة أكياس الرمل وحفر الخنادق. ورافقنا آبي في جولة محفوفة بالمخاطر في طريق جبلي ضيق حيث تغلق الأحجار والوحل الطريق المؤدي إلى بعض المنازل.

وقال، وهو ينظر إلى الأحجار التي سقطت لتوها من بعض المباني: "لا نريد أن نتجول هنا كثيرا".

العاصفة الثلجية التي تضرب الولايات المتحدة وكندا تحول إحدى المدن الأمريكية إلى "ساحة حرب"

عاصفة شتوية تجتاح الولايات المتحدة تجلب أبرد عيد ميلاد منذ عقود

كما رأينا المنتج السينمائي ستيف ماكغلوثين، وهو أحد المتطوعين، ويقيم في المنطقة منذ حوالي نصف قرن ويسكن في منزله الكائن في أعلى رابية في هذه المنطقة منذ 27 سنة.

وقال ماكغلوثين إن مساعدة الآخرين تبعده عن التفكير فيما يتعرض له من مشكلات في منزله واليأس الذي يسيطر عليه مع استمرار هطول الأمطار. وتغطي الواح البلاستيك التل، الذي انزلق بعيدا للمرة الأولى هذا الأسبوع، في محاولة لمنع الفيضان الأحدث في هذا المكان من أن يؤدي إلى تفاقم الانهيار الأرضي.

تل
BBC
أغطية من البلاستيك تتدلى من أعلى تل للحد من فرص انهيار أرضي جديد

وأضاف: "نحن الآن ننظر إلى أرض لم تتحرك من قبل، فمنذ حوالي 50 سنة لم يتحرك (التل) أبدا. لم نشهد مثل هذه المشكلة من قبل".

وانضم غافين نيوسم، حاكم ولاية كاليفورنيا، لفرق المتطوعين وشارك في ملأ أكياس الرمل في سانتا باربرا. وقال نيوسم إن المنطقة أصبحت "منطقة أزمات"، معربا عن قلقه حيال التطورات المحتملة على مدار الأيام القليلة المقبلة.

وأضاف في تصريحات أدلى بها لبي بي سي: " سقط حوالي 24 ترليون غالون من مياه الأمطار على الولاية خلال الستة عشر يوما الماضية في أعقاب حالة من الجفاف الشديد التي شهدتها المنطقة. وأشار إلى ضرورة إعادة صياغة تصور جديد لكيفية التعامل مع المياه في كاليفورنيا لأن البُنى التحتية في الولاية أنشأت في وقت سادت فيه ظروف لم يعد لها وجود الآن".

واعتاد سكان كاليفورنيا على المناخ المتقلب بشدة، وحرائق الغابات، والجفاف، وتهديدات الزلازل التي تضع الكثير من السكان في حالة ترقب "الزلزال القوي" حسب الكثير من الخبراء.

وقضى 19 شخصا على الأقل جراء هذه العاصفة التي بدأت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولا يزال طفل يبلغ من العمر خمس سنوات في عداد المفقودين بعد أن أفلت من ذراعي أمه بسبب مياه الفيضان المندفعة بقوة وسط كاليفورنيا بعد أن علقا أثناء توجهما إلى المدرسة.

منزل على الطراز الإيطالي
BBC
أرجعت واحدة من سكان كاليفورنيا الفضل في إنقاذ حياتها من عاصفة سابقة إلى عمال البناء الإيطاليين

وفي كاليفورنيا الشمالية، غمرت مياه الفيضانات كروم العنب. وفي كابيتولا، انهار رصيف الميناء التاريخي علاوة على أضرار بالغة لحقت بالمدينة. وفي وادي ساليناس ارتفع منسوب المياه في النهر، مما يهدد المنطقة الزراعية المشهورة في وسط كاليفورنيا.

وأمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بإرسال مساعدات فيدرالية إلى مقاطعات ساكرامنتو، وميرسيد، وسانتا كروز.

وقالت كيمبرلي راين ماينر، الباحثة في علوم المناخ لدى وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لبي بي سي إن المشكلة الأساسية التي نجمت عن العواصف العاتية المتلاحقة دون توقف هي أن الأرض مشبعة بالفعل ولا يمكنها امتصاص كميات إضافية من المياه التي تتساقط بسرعة.

وأضافت: "إذا لم نتمكن من الإبطاء من الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، نتوقع أن نرى المزيد من مظاهر التقلب الشديد في المناخ بشكل متكرر أكثر وأكثر". جاءت تصريحات ماينر أثناء تفقدها الأضرار التي لحقت بشاطئ فينتورا جراء العاصفة. وأوضحت أن ما يحدث "ظاهرة عالمية، ولا يقتصر على كاليفورنيا فقط".

ويتابع الجميع في كاليفورنيا هواتفهم طوال الوقت تحسبا لإصدار أي أوامر إخلاء بينما يتساءلون عن المكان الذي قد يوفر لهم الأمان إذا اضطروا إلى مغادرة المدينة.

أما ريتا بوربون، فقررت ألا تنتظر رغم ثقتها في أن منزلها سوف يظل صامدا في وجه العواصف. فهي لا تريد أن تعيش تجربة الصدمة جراء انهيار أرضي مرة ثانية، لذا فضلت زيارة صديقة لها في لوس أنجليس نهاية هذا الأسبوع.

وقالت بوربون: "لا أريد أن أمر بتجربة انهيار أرضي آخر"، مرجحة أنها قد تصاب "بانهيار عصبي" إذا بقيت في منزلها بمجرد "سماع صوت هدير المياه وارتطام الأحجار ببعضها البعض" مؤكدة أن مغادرتها أفضل للجميع.