إيلاف من الرباط: توفي،الأحد،بنواكشوط، العلامة والأديب الموريتاني محمد المختار ولد أبّاه،بعد وعكة صحية طارئة،وذلك عن عمر يناهز 98 سنة.
وغصت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الحزن،مرفوقة بشهادات تؤكد قيمة علامة جليل،ومفكر وأديب كبير،دبجها مثقفون وفاعلون في أكثر من مجال ومن أكثر من بلد، ممن وقفوا على منجزه الكبير وتجربته الفريدة، مشددين على أن رحيله خسارة كبيرة لبلاد شنقيط والمغرب الكبير والعالم الإسلامي، متحدثين عن رحيل أحد أعظم من أنجبت موريتانيا، سليل دوحة العلم والصّلاح.
ونشر حساب وزارة الصحة الموريتانية، على "فيسبوك" تعزية، مما جاء فيها: "يتقدم وزير الصحة، المختار ولد داهي باسمه وكافة عمال القطاع بخالص التعازي والمواساة لأسرة العلامة محمد المختار ولد اباه، رحمه الله، الذي كان أول من تولى حقيبة وزارة الصحة حيث تم تكليفه بها في مارس1957، وبعدها شغل منصب وزير التهذيب الوطني، وأشرف وأدار بنجاح وتميز عدة ملفات على مستوى التعليم والعمل البرلماني وتمثيل البلد في منظمات وهيئات إقليمية ودولية، وعلاوة على ذلك خلف آثارا علمية وثقافية شاهدة على مكانته العلمية وسعة اطلاعه وتضلعه في المجالات التي ألف فيها. كما يتوجه الوزير أيضا بصادق العزاء لعموم الأسرة الصحية سائلا المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنانه ويلهم جميع محبيه وأصدقائه ومعارفه الصبر والسلوان".
وكان وزير الصحة الموريتاني قد نعى الراحل، على حسابه ب"فيسبوك"، حيث كتب: "أشهد أنه توفي باسما وضاء الوجه حاضر الذهن، فقد زرته صحبة مدير ديوان رئيس الجمهورية إسماعيل ولد الشيخ أحمد ومدير المركز الوطني لأمراض القلب بتكليف من رئيس الجمهورية للاطمئنان على حالته الصحية والتشاور مع الأطباء والأهل فيما يلزم، فاستقبلنا بوجه وضاء ورد تحية الرئيس بأحسن منها ، وطمأننا على وضعه الصحي كما بشَّر البروفسور أحمد ولد ابَّ بخفة الوعكة. ساعات قليلة بعد ذاك اللقاء نعى الناعى المغفور له محمد المختار ولد اباه تقبله الله مع المتقين وبارك في عقبه إلى يوم الدين".
وأظهرت ردود الفعل لوفاة ولد أبّاه أنه "ليست موريتانيا وحدها من فقدت اليوم رجلا كبيرا وعالما محترما، بل المغرب أيضا وكامل بلاد المغارب"، كما كتب الإعلامي المغربي لحسن لعسيبي، تحت عنوان: "رجل من رجالات موريتانيا الكبار يغادر".
وقال لعسيبي، في معرض تدوينة على حسابه ب"فيسبوك": "غادر دنيا الناس البارحة، العلامة الموريتاني الكبير، الدكتور محمد المختار ولد أباه .. لتفقد بلداننا بشمال إفريقيا واحدا من كبار كتابها ومفكريها، الذي شغل الدنيا والناس لأكثر من 70 سنة. وكان من آخر إصداراته كتابه التحفة "رحلة مع الحياة"، الصادر عن المركز الثقافي للكتاب ببيروت والدار البيضاء، وشكل واحدا من بين أكثر الكتب مبيعا خلال السنة الماضية بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط. كتابه هذا الذي قرأته بمتعة خاصة مباشرة بعد صدروه، يتضمن تفاصيل التفاصيل عن تعالق قصة العلاقات المغربية - الموريتانية مثلما تتعالق عروق دم الجسد الواحد. وكيف تقاطعت حياة الرجل مع المغرب منذ الخمسينات كونه كان واحدا من رجالات موريتانيا الذين انتصروا باكرا لتواشج العلاقات بين المغرب وموريتانيا، وأنه كان واحدا من الأطر الكبيرة التي التحقت بالمغرب على عهد الملك الوطني محمد الخامس رحمه الله، إلى جانب فال ولد عمير والمختار ولد دادا (وكان صاحب فكرة "المملكة المغربية المتحدة" في نهاية الخمسينات من القرن الماضي على ذات وزن "المملكة البريطانية المتحدة"، في طموح أن تضم المغرب وموريتانيا التي تحتلها فرنسا والصحراء التي تحتلها إسبانيا). وكيف أنه عين في مرحلة من المراحل مديرا للإذاعة المغربية، وكلف بمهمة في الديوان الملكي قبل أن يتم تعيينه أستاذا مبرزا بدار الحديث الحسنية. مثلما تقلد مناصب دولية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي ضمن مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي، ويصبح واحدا من الأطر السامية التي أنجزت مشروع تحديث وتنظيم نظام التعليم بموريتانيا، بعد عودته إلى بلاده (وتجاوزه مرحلة محنة سياسية ومراحل اعتقال). من بين أجمل ما عاشه الرجل، شغفه لتعلم الطيران، حيث سيحصل على رخصة قيادة طائرات مدنية صغيرة، وسوف يسعى إلى امتلاك طائرة خاصة به صغيرة كان يقودها بنفسه".
وكتب الباحث المغربي يوسف ناوري: "في ذمة الله البحّاثة والأستاذ الأكاديمي الدكتور محمد المختار ولد اباه. رحمه الله رحمة واسعة ومتعهُ بالفضل والإحسان على ما قدم من بحوث وما كتب في علوم .. منها ما عرفنا بموريتانيا في ثقافتها وتاريخها وشعرها ومنها ما علَمنا العربية ومسالكَ محبة متونها".
ولد الراحل سنة 1924، في "بوتمليت"، من أسرة عريقة، معروفة بالعلم وذات جاه. وبعد مسار تعليمي، سينخرط الراحل في سلك التعليم سنة 1948، كما سينشط في العمل السياسي في إطار حزب "النهضة" المناهض للاستعمار الفرنسي في موريتانيا، ليتم تعيينه سنة 1957، وزيرا للصحة، في أول حكومة موريتانية، ثم وزيرا للتعليم.
وترك الراحل كتابات ومؤلفات تختصر جانبا من مساره وتجربته، بينها "ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية"، و"في موكب السيرة النبوية"، و"تاريخ القراءات في المشرق والمغرب"، و"تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب"، و"الشعر والشعراء في موريتانيا"، و"مدخل إلي أصول الفقه المالكي"، و"مدخل إلي أصول الدين"، و"تاريخ التشريع الإسلامي في موريتانيا"، و"مدخل إلى الأدب الموريتاني"، و"نماذج من قراءات أهل المدينة المنورة"، و"على طريق الإسلام: قصائد باللغة الفرنسية"، و"قصائد وشعراء من فرنسا: تراجم وترجمات"، و"خلاصة الأدلة: نظم لأدلة كتاب الموطأ"، و"كتاب التجريد في أحكام التمهيد"، و"التربية الإسلامية بين القديم والحديث" و"رحلة مع الشعر العربي"، كما أصدر، قبيل وفاته، مذاكراته، تحت عنوان "رحلة مع الحياة"، ضمنها صفحات من ذاكرته الشخصية على مستويات عدة، اجتماعية ونفسية ودراسية وسياسية.