إيلاف من القاهرة: ربما يكون عام 2023 شاهداً على بعض التغيير في صناعة الصحافة، إذ يشير خبراء إلى اتساع في نطاق الاعتماد على الذكاء الصناعي لإنتاج تجارب صحافية، "إلا أن هذا الانفتاح يواجه تحديات تتعلق بالمعايير الأخلاقية والمحتوى"، بحسب ما تلاحظ إيمان مبروك في صحيفة "الشرق الأوسط".

بحسبها، شهد العام الماضي موجة من الابتكار التقني شمل الذكاء الصناعي وخروج أدوات عالم ميتافيرس الافتراضي، "غير أن وتيرة دخول على هذه التقنيات ضمن منظومة عمل المنتج الصحافي جاءت أسرع من تقديرات الخبراء في السابق، فالذكاء الصناعي فرصة للناشرين لتقديم المزيد من المعلومات والقوالب الصحافية والتنسيقات المرتقبة، إلا أنها تجربة محفوفة بمخاطر التزييف وانتشار الأضاليل والمعلومات الزائفة".

التطور آت

تتجه المؤسسات الإعلامية إلى دمج الذكاء الصناعي في منتجاتها بوصف ذلك وسيلة لتقديم تجارب أكثر تميزاً. ووفقًا لتقرير عنوانه "اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2023"، صادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة التابع لجامعة أكسفورد، "28 في المئة من الخبراء يرون أن الذكاء الصناعي الآن جزء منتظم من العمل الإعلامي، بينما قال 39 في المئة إنهم يجرون تجارب في هذا المجال".

هذا التوجه يثير معضلة أخرى تواجهها الصحافة كنتيجة للتوسع المرتقب في استخدام الذكاء الصناعي، ألا وهي تقليص القوة البشرية. ونسبت مبروك إلى إيهاب الزلاقي، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة "المصري اليوم" قوله إن الذكاء الصناعي تطور آتٍ في الصحافة لا محالة، "لكن الذكاء الصناعي حالياً أحد العوامل المساهمة في خروج المادة الصحافية وليس بديلاً للطاقة البشرية... وسيبقى العنصر البشري هو الأصل في نموذج العمل، ولا يمكن تعويض الذكاء البشري والمهارة الإبداعية في صناعة تقوم بالأساس على الإبداع".

مع نهايات العام الماضي، تصدّرت تطبيقات الدردشة مثل "شات جي بي تي" المشهد كتقنية تثير الدهشة والقلق على حدٍ سواء. إن تطبيق "لينسا" يتيح فرصة إنشاء عنصر رقمي وتعديل الصور على نحو غير مسبوق من دون الحاجة إلى مهارة مسبقة، ما يثير مخاوف حول الآثار المترتبة على الصحافة التي يعتبرها خبراء غير واضحة حتى الآن.

استغلال الذكاء الصناعي

يرى الزلاقي أنه يمكن استغلال الذكاء الصناعي في الصحافة لتنفيذ المهام الروتينية التي لا تتطلب أي ابتكار، ما يخفف العبء على الصحافي ويفتح المجال لاستغلال طاقاته في مهام أكثر إبداعاً واحترافية. يضيف: "إن الحد من رواج المعلومات الزائفة يحتاج إلى احتضان التطورات التكنولوجية بالتوازي مع تعزيز ميثاق أخلاقي ومهني"، مشدداً على أن المنتج الصحافي "لا يمكن أن يصبح صالحاً إلا بتدخل بشري، بينما هي فرصة لتعزيز مهارات العنصر البشري والاستفادة منه في مساحات بعيدة عن الروتين، بتقديم تجربة أكثر احترافية وفرادة".

في تقرير صادر في فبراير الماضي، تقدر شركة غارتنر للأبحاث والاستشارات أن المحتوى القائم على الذكاء الصناعي "سيشكل 25 في المئة من البيانات المتاحة على الإنترنت". وتوقع التقرير أن صناعة المحتوى "ستشهد زخماً في ما يتعلق بإنشاء محتوى وسائط متعددة بجودة عالية، لكن سيكون من الصعب أكثر من أي وقت مضى فصل ما هو حقيقي عما هو مزيّف".

تقول مبروك في مثالته بصحيفة "الشرق ألأوسط": "أصبحت أدوات نسخ المحتوى باستخدام الذكاء الصناعي الآن متوفرة في غرف الأخبار. وكمثال، طوّرت شركة “زيتلاند” الدنماركية خدمة نسخ الكلام إلى نص، وهي تستهدف بخدماتها الصحافيين على وجه التحديد، كما أنها متوفرة بالمجان وبأكثر من لغة. وفي فنلندا، تمكّنت محطة الإذاعة العامة من تقديم خدمة مخصّصة للاجئين الأوكرانيين من خلال ترجمة الأخبار تلقائياً بواسطة الآلة قبل التحقق منها من قبل المذيع".

جودة التجربة الصحافية

يقول حاتم الشولي، مشرف تحرير إعلام رقمي في قناة الشرق للأخبار، للصحيفة نفسها إن الذكاء الصناعي تجربة مهمة للناشرين، "لكن هذا لا يعني أن تعزيز علاقة الصحف بمواقع التواصل الاجتماعية مشروط بالاعتماد على هذه التقنيات؛ إذ إن أهمية الصحف على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بجودة التجربة الصحافية. وبالتالي، على الصحف أن تتنافس في سرعة نقل الخبر ودقته، ثم تأتي أهمية التقنيات الحديثة".

بحسب الشولي، دخول الذكاء الصناعي طرفاً جديداً في صناعة المحتوى الصحافي يُعقد مهمة الخوارزميات في الحد من المعلومات الزائفة، "وبسبب التطور غير المسبوق على المادة المصنوعة بأدوات الذكاء الصناعي - لا سيما المرئي منها - غدت مهمة الصحافي في التأكد من صحة المعلومات المتداولة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي شديدة الصعوبة، وفي الوقت ذاته يُعقد هذا التطور مهمته في تقديم محتوى قد يُفسر من قبل مواقع التواصل باعتباره عنيفاً".

في الختام، تنسب مبروك إلى الشولي قوله إن الاستعانة بالذكاء الصناعي تجربة محفوفة بالتحديات، لأن تغلغل الذكاء الصناعي في العمل يضع تحدياً جديداً أمام الصحافي، وإن كان يضع المتلقي في تجربة أكثر تفاعلية ومتعة".