إيلاف من لندن: تنقل طائرة رئاسية عراقية مساء الثلاثاء 6 ألاف قطعة أثرية الى بغداد من لندن استعارها البريطانيون قبل قرن فيما أكدت بغداد تصميمها على استعادة جميع آثارها المنهوبة.
ويصطحب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد القطع الاثرية من لندن الى بغداد مساء اليوم بطائرته الرئاسية بعد مشاركته في حفل تتويج ملك بريطانيا تشارلز الثالث السبت الماضي ولقائه مع عدد من ابناء الجالية العراقية هناك حيث اشار في كلمة له الى ان هناك "تراكمات مهمة بقيت على عاتق الحكومة الجديدة فالموازنة لم تتم المصادقة عليها منذ ثلاث سنوات كما ان هناك حوالي 15 ألف معمل ومصنع في العراق جميعها مغلقة منذ عام 2003 وهذا يحتاج إلى جهد وعمل وموازنة وتشجيع القطاع الخاص على العمل".


الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ملتقيًا في مبنى السفارة العراقية في لندن الاحد 7 مايو 2023 بعدد من أبناء الجالية العراقية في بريطانيا (الرئاسة)

وسيجرى في مطار بغداد الدولي مساء الثلاثاء بحضور الرئيس العراقي ووزير الثقافة حفل استلام القطع الأثرية من بريطانيا .

استعادة كل الآثار المنهوبة
وأكد العراق اليوم انه مستمر في حشد كل قدراته لاستعادة قطع آثار الحضارة العراقيَّة التي جرى نهبها.
وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان تابعته "ايلاف" ان "استعادة أي جزء من شواهد تاريخنا العراقيّ الثري إلى حيث ينتمي، هو مصدر فخر وسعادة كبيرة لجميع العراقيين ولذلك ونأمل أن تكون المدّة التي قضتها القطع الآثارية العراقيَّة المستعادة مؤخراً، والتي تجاوزت تسعين عاماً، قد خدمت البحث العلميّ والمعرفيّ في الإرث الحضاريّ الكبير لآثارنا من قبل المختصين".
وشددت على تطلع العراق إلى تعاون جميع الدول والمؤسسات والمنظمات الدوليَّة مع الجُهُود العراقيَّة لاستعادة كل قطعة آثار أخرجت من العراق بطريق غير شرعيَّة، وإيقاف المتاجرة غير المشروعة بها". وأكدت ان الحكومة العراقيَّة كانت ولا زالت تحشد كل قدراتها لاستعادة قطع آثار الحضارة العراقيَّة التي جرى نهبها وإخراجها في مُختلف الأزمان ولن تدخر جهداً لملاحقة أي قطعة حول العالم، لأنها جزء من ميراث الشعب العراقيّ وثروته الثقافيَّة، ونتاجه الحضاري المشرّف".

إسعادة 34502 قطعة أثرية

واشارالمتحدث باسم وزارة الخارجية اليوم أن الدبلوماسية العراقية نجحت في إعادة أكثر من 34 ألف قطعة أثرية منذ العام 2019.

وقال أحمد الصحاف إن "الدبلوماسية العراقية نجحت في إعادة 34502 قطعة أثرية منذ العام 2019 وحتى الآن"، مبينا ان "هذه القطع اعيدت من دول الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية واسبانيا ولبنان ومدن بيرن وطوكيو ولاهاي وبرلين وروما".

6 ألاف قطعة أثرية
وكانت قد جرت في مبنى السفارة العراقية في لندن الجمعة الماضي مراسم استلام 6 ألاف قطعة أثرية من بريطانيا التي كانت قد استعارتها من العراق لأغراض الدراسة منذ عام 1923 ثم تقرر اعادتها الى بغداد وتسليمها أصولياً إلى المتحف العراقي.


مراسيم استلام 6 ألاف قطعة أثرية في مبنى السفارة العراقية بلندن الجمعة 5 مايو 2023 (السفارة)

وشارك في مراسم تسلم القطع الاثرية هذه هناك وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي أحمد فكاك البدراني وسفيرالعراق في لندن جعفر الصدر والمدير العام للمتاحف البريطانية والمدير العام لمتحف لندن.
وقال المُتحدث باسم وزارة الخارجيَّة العراقية أحمد الصحّاف ان هذه القطع الاثرية حفظت في 38 صندوقاً حيث أعيدت الى بغداد استكمالاً لصفحات عمل "دبلوماسيَّة الاسترداد".. موضحاً استعادة لوحتين و6 صناديق من الكتب معها أيضًا.

نهب ممنهج
يشار الى أن الأثار العراقية كانت قد تعرضت إثر دخول القوات الاميركية الى بغداد في نيسان/ أبريل عام 2003 الى حملة نهب ممنهجة تم خلالها سرقة 15 الف قطعة أثرية من المتحف الوطني في بغداد خلال 36 ساعة اضافة الى عمليات تدمير اخرى جرت بعد عام 2014 في محافظات عدة نفذها تنظيم داعش الارهابي.
وبينما تمكن الموظفون في المتحف لدى الغزو الاميركي الذين أظهروا شجاعة هائلة في نقل وتخزين 8366 قطعة أثرية بأمان قبل نهبها لكنه جرى سرقة حوالي 15 الف قطعة أخرى خلال تلك الساعات.
وبرغم استعادة الاف القطع لحد الا أنه لا يزال هناك ما يزيد على 8 الاف قطعة مفقودة من بينها قطع أثرية تعود لآلاف السنين من بعض أقدم المواقع في الشرق الأوسط.

أسوأ أعمال التخريب الثقافي
وتُعتبر عملية النهب هذه واحدة من أسوأ أعمال التخريب الثقافي في العصور الحديثة اذ أن المزيد من تاريخ العراق الثقافي الثري تعرض للتدمير والإتلاف والسرقة خلال السنوات التالية وحيث تتزايد التجارة غير المشروعة في الآثار المنهوبة ومن بين القطع المسروقة جرى استعادة ما يزيد قليلاً على النصف فقط.
وقاد الغضب العالمي إزاء أعمال النهب بالفعل إلى إجراءات فورية وكان من أنجح البرامج العفو الذي منحته السلطات العراقية وحقق عمليات الإعادة المحلية الأولية ومن بين النجاحات المميزة استعادة سيدة الوركاء الشهيرة التي تعود إلى حوالى 3100 قبل الميلاد واستعادها المحققون من مزرعة بعد ورود بلاغ بذلك.
كما جرى إعادة قطع أخرى إلى الوطن بعد إجراء تحقيقات دولية حيث أن عددا هائلا من القطع قد نُقل إلى الخارج عبر لندن ونيويورك في أعقاب ذلك مثل تمثال سرجون الثاني ملك آشور الذي ضُبط في نيويورك عام 2008 وأُعيد إلى المتحف عام 2015.

18 الف قطعة أثرية
يشار الى ان العراق قد نجح في استعادة اكثر من 35 الف قطعة من آثاره المسروقة خلال عمليات النهب التي تعرض لها المتحف الوطني، إذ يشير وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الى إن ملف استرداد الآثار المهربة تم بعمل جاد مع الجهات المعنية في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا واليابان.
وعانت الكنوز الأثرية العراقية من الإهمال والتدمير والنهب خلال الحروب التي عصفت بالبلاد خلال العقود الماضية ولا سيّما في المرحلة التي أعقبت الغزو الأميركي.

انتصار مهم
ووصفت منظمة اليونسكو استعادة العراق لحوالى 18 الف قطعة أثرية من تراثه المنهوب بأنها "انتصار مهم في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية". وأشارت الى أن "سرقة القطع الأثرية القديمة والاتجار غير المشروع بها ما زال مصدر تمويل رئيسي للجماعات الإرهابية وغيرها من منظمات الجريمة المنظمة".
وأضافت أنه عندما سيطر داعش على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا خلال الفترة من 2014 وحتى 2019 تعرضت المواقع الأثرية والمتاحف العراقية للنهب بشكل منهجي.
وفي 6 آذار/مارس عام 2022 افتتح رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي المتحف الوطني العراقي في بغداد بعد إعادة تأهيله وإجراء أعمال الصيانة على قاعاته والذي تزامن مع يوم التسامح الوطني .
وشدد الكاظمي في كلمة على حق العراق في استعادة كل الآثار العراقية التي جرى تهريبها أو سرقتها قبل عام 2003 وبعده. وأكد على دعم الحكومة اللامحدود لجميع الإجراءات الخاصة بعملية الاسترداد.

المتحف الوطني العراقي
وقد تم إنشاء المتحف الوطني العراقي عام 1926 وهو يقع في منطقة العلاوي وسط العاصمة بغداد وتعرض فيه حالياً مجموعات وقطع أثرية لحضارات بلاد الرافدين وكذلك الآثار الإسلامية في العراق وآثار العصور الحَجرية والتي تبلغ حوالى ربع مليون قطعة.
ويعد هذا المتحف من أقدم وأهم وأكبرالمتاحف العراقية ويأتي في المَرتبة الثانية بعد المتحف المصري من حيث التأسيس ولا يَقل عنهُ شأناً من حيث القيمة التاريخية للآثار حيث يضم حوالي ربع قطعة أثرية.
ولدى انشاء المتحف قبل حوالى القرن جمعت عالمة الآثار البريطانية غير ترود بيل آثار العراق ووضعتها في حيز صغير في مبنى السراي مر الحكومة العراقية آنذاك وفي عام 1926 وبسبب تجميع الكثير من الآثار وضيق المساحة افتتح مَبنى آخر في شارع المأمون ونَقلت إليه جميع الآثار وعينت المس بيل مديرة للمتحف.
وفي عام 1966 ولضيق المَساحة أيضاً قررت الحكومة العراقية بناء مَتحف يُناسب مواصفات المتاحف العالمية ويكون في مكان مُناسب فبني المبنى الجديد في منطقة العلاوي وبسبب هذه المُناسبة سمي بالمتحف الوطني العراقي بعدما كان يعرف بمتحف بغداد للآثار.