الخرطوم: أفادت الأمم المتحدة الثلاثاء أن المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان تسببت حتى الآن بتشريد أكثر من 700 الف شخص، في وقت فشلت مفاوضات تجري في السعودية منذ ثلاثة أيام في التوصل إلى هدنة جديدة.

منذ اندلاع المواجهات في 15 نيسان/أبريل تشهد العاصمة السودانية حالة من الفوضى ناجمة عن المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وتهز أعمال العنف والقتال العاصمة لليوم الخامس والعشرين على التوالي، حيث أجبرت الغارات الجوية والاشتباكات بالأسلحة المختلفة الملايين على ملازمة منازلهم مع صعوبة الحصول على الموارد من ماء وغذاء ودواء ومال.

وأفاد أحد سكان منطقة شمبات شمال الخرطوم الثلاثاء بوقوع "اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة"، فيما أكد شاهد عيان "استمرار الاشتباكات بمنطقة الصحافة جنوب العاصمة".

وأسفرت المعارك الدائرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عن 750 قتيلا وخمسة آلاف جريح بحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، كما دفعت مئات الآلاف إلى النزوح داخليا أو اللجوء إلى البلدان المجاورة.

وقال المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة بول ديلون الثلاثاء "هناك الآن أكثر من 700 ألف شخص نزحوا داخليا من القتال الذي بدأ في 15 نيسان/ابريل" مؤكدا "الثلاثاء الماضي، وصل العدد إلى 340 ألف" نازح.

وبحسب ديلون فإنه حتى قبل بدء القتال، كان نحو 3,7 ملايين شخص مسجلين كنازحين داخليا في السودان.

من جهتها، أبدت مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة الى القرن الأفريقي حنّا تيتيه تخوفا بشأن تأثير الصراع على جنوب السودان، "مع احتمال عودة أكثر من 200 ألف لاجئ من جنوب السودان" إلى بلادهم مجددا إذا لم يستقر السودان قريبا.

وتابعت تيتيه أمام مجلس الامن الثلاثاء "هذا تحدّ لبلد يحتاج ثلثا سكانه بالفعل إلى مساعدات إنسانية".

وفي تصريحات الثلاثاء، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق إن مفوض الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث غادر جدة "بعد أن قدم مقترحا بإعلان تعهد الطرفين ضمان المرور الآمن للإغاثة الإنسانية".

واضاف أن غريفيث "يأمل أن تتم المصادقة على الإعلان في أقرب وقت ممكن .. لتلبية احتياجات ملايين الأشخاص في السودان".

خطر متزايد
في شرق البلاد على بعد 850 كلم شرق الخرطوم بمدينة بورتسودان، دعت مسيرة الاثنين الجيش إلى تزويد المدنيين بالسلاح لدعمه في المعارك الدائرة.

وخرج مئات من أبناء قبيلة البجا النافذة إلى الشوارع دعما للجيش في المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، والتي أصبحت بعد أيام من اندلاع النزاع الملجأ ومركز الإجلاء الرئيسي للسودانيين والأجانب على السواء.

وهتف المتظاهرون "الجيش والشعب واحد"، و"لا للمفاوضات"، في إشارة إلى المحادثات التي تجري في جدة بين ممثلين للطرفين المتصارعين بشأن هدنة جديدة، مطالبين بمدهم بالأسلحة للقتال في صفوف الجيش.

وقال محمود البشاري عضو البجا في كلمة خلال المسيرة "نحن (قبائل) البجا مستعدون جميعا للتسلح ولحماية أرضنا وشرفنا".

ورأى محلل الشأن السوداني بمعهد ريفت فالي مجدي الجزولي أن "هناك خطرا متزايدا أن يبدأ الناس بتسليح أنفسهم محليا، أو ربما يلجأ الجيش إلى تشكيل ميليشيا مضادة لقوات الدعم السريع".

وأوضح الجزولي أن هذا سيكون ناجما عن "استمرار الحرب وقد يصبح سمة من سمات الحياة المحفوفة بالمخاطر".

من جانبها، أفادت وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء أن البرهان أجرى اتصالين هاتفيين بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس جزر القمر، رئيس الدورة الحالية في الاتحاد الافريقي غزالي عثماني، وابدى "انفتاح الحكومة السودانية على أي مبادرة من شأنها المساعدة في التخفيف على الشعب السوداني".

قالت الأمم المتحدة إن استمرار الحرب يمكن أن يدفع 2,5 مليون شخص إلى الجوع، ما يعني ارتفاع عدد من يعانون من "انعدام غذائي حاد" إلى 19 مليون شخص في غضون أشهر.

وحذّرت من تفاقم الأزمة الإنسانية علما بأن مرافق تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى تعرضت لـ"أعمال نهب على نطاق واسع" من بينها برنامج الأغذية العالمي في الخرطوم خلال نهاية الأسبوع، على ما قال متحدث باسم الأمم المتحدة الإثنين.

كما تحاول منظمات الاغاثة غير الحكومية التفاوض على ضمان ممرات إنسانية آمنة لإيصال مساعدات إلى الخرطوم ودارفور حيث قُصفت أو نُهبت المستشفيات ومخازن المساعدات الإنسانية.

غياب القاهرة وأبو ظبي
وتلبية لمبادرة سعودية-أميركية، أرسل القائدان العسكريان ممثلين لهما الى مدينة جدة السبت لاجراء مباحثات وصفتها واشنطن والرياض بـ"المحادثات الأولية".

وأفاد دبلوماسي سعودي فرانس برس الاثنين أنّ "المفاوضات لم تحرز تقدما كبيرا حتى الآن". وتابع أنّ "وقفا دائما لإطلاق النار ليس مطروحا على الطاولة. كل جانب يعتقد أنه قادر على حسم المعركة".

وقالت خلود خير مؤسّسة مركز "كونفلوانس أدفايزوري" البحثي في الخرطوم أن وجود ممثلي الجانبين في جدة هو "غالبا نوع من التقرب إلى السعوديين والأميركيين، بدلاً من استخدام هذه المنصة بشكل موثوق للتوصل إلى اتفاق".

وأتت محادثات جدة بعد سلسلة غير مثمرة من المبادرات الإقليمية العربية، وأخرى إفريقية قامت بها خصوصا دول شرق القارة عبر منظمة إيغاد للتنمية.

واضافت خير لفرانس برس أن غياب القاهرة وأبوظبي عن محادثات جدة يضعف الآمال في التوصل إلى اتفاق، مشيرة إلى أن مشاركة المصريين والإماراتيين من شأنها أن تسهل التوصل الى اتفاق لوقف النار.

والثلاثاء، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري في جوبا رئيس جنوب السودان سلفا كير غداة زيارته لتشاد ومقابلته الرئيس محمد ادريس ديبي، للتشاور بشأن "دعم جهود وقف إطلاق النار والتعامل مع الأزمة الإنسانية التي يواجهها الشعب السوداني".