اسطنبول: يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اعتباراً من الاثنين مهمة صعبة تتمثّل بتوحيد بلاده التي تشهد انقسامات عميقة، غداة فوزه في جولة إعادة تاريخية بولاية جديدة تمدد حكمه المستمر منذ عقدين حتى العام 2028.
ورغم قوة ائتلاف المعارضة والأزمة الاقتصادية الخانقة والغضب الشعبي الواسع النطاق عقب زلزال شباط/فبراير، نجح الزعيم التركي الذي قضى أطول فترة في الحكم في هزم منافسه العلماني كمال كيليتشدار أوغلو في الدورة الثانية من الانتخابات الأحد.
لكن الفارق البالغ أربع نقاط كان الأقل الذي يحققه إردوغان في أي انتخابات، ما يؤكد على الاستقطاب الذي سيواجهه الرئيس المحافظ ذو الخلفية الإسلامية في ولايته الرئاسية الثالثة والأخيرة.
حاول إردوغان (69 عاماً) تبني نبرة تصالحية في خطابه بمناسبة الانتصار أمام الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا خارج القصر الرئاسي في أنقرة، داعيا الأتراك "للاتحاد والتضامن".
واحتفل أنصاره بفوزه في أول جولة إعادة في تاريخ تركيا.
وقال بورك دورموس (24 عاماً) من أسكدار، معقل المحافظين في اسطنبول، "حقق الله أمنياتنا. إردوغان زعيم عظيم طوّر تركيا كثيراً".
أما كيليتشدار أوغلو فتعهّد "مواصلة الكفاح" ضد إردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ العام 2002.
وأفاد الأكاديمي بورا إييمايا البالغ 28 عاماً فرانس برس في اسطنبول "علمتنا الأجيال السابقة أن نكافح.. لن نخسر أو نفقد الأمل في هذا البلد بسبب انتخابات واحدة.. سنقاوم ونقاتل حتى النهاية".
"قد يصبح الوضع سيئاً"
وأكد إمره بركر من مجموعة أوراسيا الاستشارية أنه بعدما حشد ائتلافا ضم ناخبين قوميين ومحافظين ومتديّنين، "سيؤكد (إردوغان) على سياساته الشعبوية.. الاستقطاب السياسي موجود وسيبقى".
ويعد التخفيف من حدة أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بتركيا منذ تسعينات القرن الماضي من أبرز أولويات إردوغان.
تجاوزت نسبة التضخم 40 في المئة، وهو أمر فاقمته جزئياً سياسة إردوغان غير التقليدية القائمة على خفض معدلات الفائدة في محاولة للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار.
ويشير محللون إلى أن تعهّدات إردوغان خلال حملته زيادة الإنفاق وتمسكه بمعدلات الفائدة المنخفضة ستفاقم الضغط على احتياطات البنوك من العملات والليرة التي تراجعت مقابل الدولار الاثنين.
وأفاد محلل الأسواق لدى شركة "كونوتوكسيا" بارتوش ساويكي أن الآمال "بالتخلي عن نموذج اقتصادي مجنون وغير تقليدي والعودة الى ما يصب في مصلحة المستثمرين الدوليين تعرّضت إلى خيبة".
ورأى تيموثي آش من "بلو باي لإدارة الأصول" أن "النموذج الحالي غير قابل للاستدامة"، مشيرا إلى عشرات مليارات الدولارات التي ضخها المصرف المركزي لدعم الليرة.
وحذر من أنه في حال رفض إردوغان التراجع عن موقفه حيال معدلات الفائدة والتخلي عن الليرة، "فقد يصبح الوضع سيئا".
وما زالت جهود إعادة الإعمار في جنوب شرق تركيا في مراحلها الأولى بعد زلزال شباط/فبراير الذي أودى بأكثر من 50 ألف شخص ودمّر البنى التحتية ومصادر رزق العديد من الأشخاص.
وقُدّرت كلفة الأضرار بأكثر من مئة مليار دولار.
"موازنة"
وينتظر شركاء تركيا في حلف شمال الأطلسي موافقتها على طلب السويد الانضمام إلى التحالف الدفاعي الذي تقوده واشنطن.
وعرقل إردوغان المسعى متهما ستوكهولم بإيواء شخصيات من المعارضة التركية يشتبه بارتباطهم بمجموعات كردية محظورة.
وقال غالب دالاي من معهد تشاتام هاوس "خمس سنوات جديدة في ظل حكم إردوغان تعني المزيد من الموازنات السياسية بين روسيا والغرب".
وأضاف "ستنخرط تركيا والغرب في تعاون براغماتي أينما أملت المصالح ذلك" ولن تنضم إلى العقوبات الغربية على موسكو ردا على حرب أوكرانيا، وستسعى إلى علاقات مربحة اقتصاديا.
ومن المقرر أن يجري الرئيس الأميركي جو بايدن محادثات مع إردوغان الاثنين، وفق ما أفاد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن محطة A Haber التركية.
ويرجّح أن تتصدر القضايا المرتبطة بحلف شمال الأطلسي وتسليم مقاتلات "إف-16" الأميركية إلى تركيا جدول أعمال المباحثات.
ويحتاج بايدن للحصول على موافقة الكونغرس من أجل تسليمها فيما رأى كالن أن أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يستخدمون المقاتلات "كورقة ضغط سياسي".
وأضاف أنه في حال تعطّل البرنامج "فلن ينتهي العالم.. لن نسمح لهم باحتجازنا".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من بين أوائل المهنّئين لإردوغان فيما ذكر الكرملين أنه يتطلع إلى تحقيق "أهداف طموحة للغاية" مع تركيا.
ولا تزال العلاقات مع سوريا فاترة بعدما دعمت تركيا فصائل مسلحة مناهضة للرئيس بشار الأسد خلال الحرب. وفشلت محادثات جرت مؤخرا برعاية روسيا في تحقيق اختراق باتّجاه تطبيع العلاقات.
وسيتم تأكيد النتائج النهائية للانتخابات بحلول الثلاثاء بعد التعامل مع الطعون المتبقية، وفق ما نقلت وكالة أنباء الأناضول الرسمية عن رئيس السلطة الانتخابية.
وستعقب ذلك مراسم تنصيب إردوغان والكشف عن الحكومة الجديدة وانعقاد البرلمان الجديد.
التعليقات