في عددها الصادر في الأسبوع الأخير من شهر مايو-أيار من السنة الحالية، نشرت الأسبوعية الفرنسية"لوبوان" تحقيقًا عن تفاصيل عمليات الترميم التي شرعت مؤسسة "أليف" الفرنسية-العراقية في القيام بها بمدينة الموصل التي احتلتها داعش، وجعلت من معالمها ومبانيها الرسمية وكنائسها ومنازلها معتقلات للتعذيب والقتل، ومقرّات لقياداتها وجلاديها.
ويقول شاب يدعى شاكر زكريا بإن جدران الموصل لا تزال تطلق إلى حد هذه الساحة روائح الموت. ومع شبان آخرين قام هذا الشاب الذي له ميول فنية بجمع صور عن سنوات الإرهاب والخوف التي عاشها سكان الموصل. وهو يقول: "أنا وأصدقائي ننظم جلسات فيها نستحضر كتابنا وشعراءنا، ونستعرض أنواع الملابس القديمة، وأيضا الأدوات التي كانت تستعمل من قبل في الحياة اليومية.
وفي البداية، وعلى مدى سنة تقريبًا، لم ينضم إلينا أحد. مع ذلك صمدنا. وفي النهاية بدأ كثيرون يطرقون باب النادي الذي أسسناه بإمكانياتنا الخاصة، والذي سميناه "بيوتنا"، وأخذ شبان من الجيل الجديد يكتشفون جوانب من تاريخ الموصل ومن تقاليدها وعاداتها التي كانت مجهولة بالنسبة لهم".
ويشير كاتب تحقيق "لوبوان" إلى أن الحي الذي يوجد به "المسجد النوري" الذي من أعلى منبره نصّب أبوبكر البغدادي نفسه سنة 2014 خليفة للمسلمين، لا يزال شاهدًا على عمليات التخريب والتدمير التي عرفتها مدينة المواصل خلال فترة احتلالها من قبل داعش، والتي استمرت ثلاث سنوات.
مع ذلك يلاحظ زائرها أن سكانها يقومون راهنًا بعمليات ترميم في كل شارع، وفي كل حي". ومتحف الموصول ذو الطراز المعماري الذي يعود إلى الخمسينات من القرن الماضي، هو من بين المعالم التي خربتها داعش. إذ قامت بتهشيم وتحطيم العديد من كنوزه التي تعود إلى العصور القديمة حتى أن البعض منها أصبح من الصعب ترميمه. ويشير الفرنسي دانيال ايبلاد الذي يشرف على عمليات الترميم مع فريق من العراقيين أن هناك آلافًا من القطع يتوجب جمعها لإعادتها إلى أماكنها الأصلية. وهي عملية في غاية الصعوبة. لذلك فإن عمليات الترميم تتطلب صبرًا وجهودًا مضنية ووقتًا طويلا.
ويقول فاليري فرولون المدير المشرف على مؤسسة "أليف" المكلفة بعمليات الترميم: ولدت "أليف" بعد عمليات التدمير والتخريب التي اقترفتها داعش بعد احتلالها لمدينة الموصل. ومهمتنا تقتضي ترميم المتحف، وكل المعالم التاريخية في المدينة وضواحيها، وفي أماكن أخرى. ومن جملة مشاريعنا التي يبلغ عددها 180، هناك 40 مشروعًا مخصصًا للعراق".
وقد شجعت عمليات الترميم، وأيضا استباب الأمن في المدينة، عددًا كبيرًا من سكانها، وجلّهم من المسيحيين، على العودة إلى بيوتهم. وكانت داعش قد دمرت معبد "الحيرة" الذي يُعدّ من أقدم المعابد المسيحية في منطقة الشرق الأوسط. وقد تعهدت "أليف" بإعادة ترميم هذا المعلم التاريخي الشاهد على تعايش الأديان والمعتقدات. كما ستقوم المؤسسة بترميم المعبد السرياني الأورثوذكسي "مار توما"، وأيضا مدينة "الحضر" القديمة، وهي من أهم المعالم التاريخية على المستوى العالمي حيث أنها كانت ملتقى بين القوافل التجارية في بلاد الرافدين والقوافل القادمة من بلدان حوض البحر المتوسط ومن الصحراء العربية.
التعليقات