في افتتاحيتها التي حملت عنوان: "إردوغان واضطرابات الإسلام السياسي"، أشارت الأسبوعية الفرنسية "لوبوان" إلى أن البعض من أمثال جيل كيبال المتخصص في الحركات الأصولية والجهادية، ظلوا يرددون على مدى العقدين الأخيرين أن الإسلام السياسي يحتضر، وأن زمنه بات محدودًا... إلاّ أن الكثير من الأحداث والظواهر أثبتت أن هؤلاء لم يكونوا مُصيبين في توقعاتهم.
وبعد عشرين سنة، لا يزال إردوغان على كرسي السلطة من دون أن يكون تأثير على سلطته المطلقة لا عمليات القمع الرهيبة التي استهدفت المعارضين له، ولا الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها بلاده، ولا الزلزال الأخير الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الضحايا، والذي فضح عمليات فساد خطيرة.
ورغم أن المعارضة بقيادة كمال كليتشادار أوغلو تمكنت من أن تفرض على أردوغان التقدم لدورة ثانية، فإن ذلك لا يمكن اعتباره إشارة لأفول نجمه الساطع على بلاد العلماني مصطفى كمال أتاتورك.
وقد دلت الانتخابات الأخيرة التي جرت في الرابع عشر من شهر مايو-أيار2023، أن الشعب التركي الذي صوت بنسبة90 بالمئة لا يزال متعلقًا بمن كان يُسمّى في بداية مسيرته السياسية بـ"عندليب القرآن".
ومن المؤكد بحسب الأسبوعية "لوبوان" أن المواجهة الساخنة بين إردوغان وخصمه كمال كليتشدار أوغلو ستكون لها تأثيرات هامة على المستوى العالمي، وعلى مستوى أوروبا القريبة من تركيا، وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وليس إردوغان فقط الحاكم الذي يهيمن على الحياة السياسية في بلاده تمامًا مثلما كان حال مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية على انقاض الإمبراطورية العثمانية، وإنما هو أيضا أحد القادة الكبار لحركة الاخوان المسلمين التي ترى أن الإسلام يمكن أن يجد حلولا إيجابية للقضايا والأزمات التي تفرّعت عن الحداثة وما بعد الحداثة، وأيضا عن العولمة وما بعدها.
وخلال العقدين الأخيرين، أثبت إردوغان قدرته على مواجهة الأزمات. أما حركة الاخوان في مصر التي صعدت إلى الحكم بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك في عام2011، فقد أزيحت من السلطة بسرعة بعد أن خرج المصريون بالملايين للتعبير عن استنكارهم لطريقتها في إدارة شؤون الدولة.
وفي الجزائر والمغرب لم يفلح الإسلاميون في المحافظة على السلطة.
وفي تونس قامت السلطة مؤخرًا باعتقال رؤوس حركة النهضة بمن في ذلك زعيمها راشد الغنوشي.
وفي ايران، يواجه الملالي صعوبات كبيرة يمكن ان تؤدي بهم إلى الخروج من السلطة.
وفي المملكة العربية السعودية، يقوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمجهودات جبارة لإبعاد المتشددين عن مراكز القرارات الكبرى.
أما في البلدان الأوروبية، فإن الحركات الإسلامية لا تزال مؤثرة في الجاليات القادمة من البلدان العربية والإسلامية.
ومعنى هذا أن الإسلام السياسي لا يزال يقاوم. وآخر قلعة له على ما يبدو هي تركيا إردوغان، وأوروبا العلمانية والديمقراطية.
التعليقات