الخرطوم: اتّهم الجيش السوداني ليل الأربعاء-الخميس قوات الدعم السريع باختطاف واغتيال والي غرب دارفور، الإقليم الذي حذّرت الأمم المتّحدة من أنّ ما يشهده قد يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية".
ومع دخول النزاع شهره الثالث قالت القوات المسلّحة السودانية في بيان إنّها تستهجن "بأشدّ عبارات الاستهجان التصرّف الغادر الذي قامت به ميليشيا الدعم السريع المتمرّدة اليوم (الأربعاء)، باختطاف واغتيال والي ولاية غرب دارفور خميس عبدالله أبكر" على الرّغم من أنّ "لا علاقة له بمجريات الصراع" الدائر منذ شهرين بين الطرفين.
وكان أبكر أحد زعماء حركات التمرّد الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020، سعيا الى وضع حد لنزاع في الإقليم امتد زهاء عقدين.
وأتى مقتل أبكر بعد ساعات من تصريحات أدلى بها لقناة "الحدث" التلفزيونية واتّهم فيها قوات الدعم السريع بـ"تدمير" مدينة الجنينة.
وقال خلال اتصال هاتفي وأزيز الرصاص يُسمع قربه "الآن أنا أتكلم معكم والهجوم مستمر"، متهما قوات الدعم بإطلاق قذائف "على رؤوس المواطنين" في الجنينة حيث كان موجوداً.
ووصف أبكر ولايته بأنّها "منكوبة"، مضيفاً "اليوم الجنينة مستباحة كلّها... كلّها، كلّها دُمّرت".
"جرائم ضد الإنسانية"
وأتى هذا التطوّر بعد أقل من 48 ساعة على تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس من أن أعمال العنف في دارفور قد ترقى الى "جرائم ضد الإنسانية".
وقال بيرتس "مع استمرار تدهور الوضع في دارفور، يساورني القلق بشكل خاص إزاء الوضع في الجنينة (غرب دارفور) في أعقاب موجات العنف المختلفة منذ أواخر نيسان/أبريل والتي اتخذت أبعادا عرقية".
وتحدث بيرتس عن "نمط ناشئ من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية والتي يُزعم أنها ارتُكِبَت من ميليشيات عربية وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع. هذه التقارير مقلقة للغاية، وإذا تمّ التحقق منها، فقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريبا. في العقدين الماضيين، تسبب النزاع فيه بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون آخرين، بحسب الأمم المتحدة.
ووجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات الى الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من مساعديه، بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
ووصف حزب الأمة القومي، أبرز الأحزاب السياسية في السودان، ما يحدث في الجنينة بأنه "جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان جعلت منها منطقة منكوبة بلا شك، مما يتطلب إعلان ذلك بصورة رسمية لتضطلع المنظمات الدولية بدورها حيال الوضع فيها".
مناطق "منكوبة"
وأتى مقتل أبكر في يوم أتمّ فيه النزاع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو شهره الثاني.
وحوّلت الحرب التي تستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة والطائرات الحربية والمسيرات، العديد من أجزاء البلاد إلى مناطق "منكوبة".
وقال أحمد طه، أحد سكان الخرطوم، لوكالة فرانس برس الأربعاء "أصبحنا بلا طعام ولا شراب ولا دواء.. الرصاص والدانات (القذائف) في كل مكان".
وأضاف "أي منطقة في السودان الآن أصبحت منكوبة".
وقال مواطن آخر في الخرطوم "لا نعرف ما هي نهاية هذه الحرب.. فقط ندعو الله أن يرفع البلاء".
وذكر شهود في مدينة الأُبيّض الأربعاء أن طائرات تابعة للجيش نفذت "غارات جوية للمرة الأولى في محيط الأبيض"، عاصمة ولاية كردفان والواقعة على بُعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم وتطوقها قوات الدعم السريع.
وفي العاصمة، قال مسؤول عسكري طلب عدم كشف اسمه إن قوات الدعم استخدمت الثلاثاء "طائرات بدون طيار ما يثير شكوكاً من أين حصلوا عليها".
في المقابل، قال مصدر من قوات الدعم السريع "حصلنا عليها من مراكز الجيش التي سيطرنا عليها".
ويرى خبير عسكري أن هذا التطور "سيكون له أثر على سير الحرب"، متوقعا أن تكون قوات الدعم "حصلت عليها من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية" في جنوب الخرطوم.
تبعات المعارك الطاحنة
وتدور منذ 15 نيسان/أبريل معارك طاحنة تتركّز في الخرطوم ودارفور.
وأسفر القتال عن مقتل أكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح نحو مليوني شخص بينهم أكثر من 900 ألف فرّوا من العاصمة بسبب العنف وأكثر من 475 ألف لجأوا إلى البلدان المجاورة.
وأبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف النار لم يصمد أي منها. لكن الطرفين التزما بشكل كبير بهدنة مدتها 24 ساعة بوساطة أميركية-سعودية انتهت صباح الأحد، أفاق سكان الخرطوم بعدها على تجدد المعارك.
وقالت السودانية سهى عبد الرحمن المقيمة في العاصمة "نحن نعاني، نعاني من ويلات الحرب، ولا يعلم بحالنا إلا الله".
وتواجه شبكة الاتصالات في السودان صعوبة بالغة، والمعلومات عما يجري عن الأرض غير متوافرة بدقة من مصادر مستقلة، لا سيما من دارفور. ويعاني السودانيون من أزمات متعددة من نقص في الوقود والمواد الغذائية والسيولة.
وأعلنت السعودية الثلاثاء أنها سترأس بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، مؤتمراً لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان، سيعقد في 19 حزيران/يونيو.
ويحتاج 25 مليون شخص، أكثر من نصف السكان، إلى المساعدة والحماية، وفقا للأمم المتحدة، ولكن حتى أواخر أيار/مايو، تم تمويل 13 في المئة فقط من حاجات المنظمة العالمية التي تحتاج إلى 2,6 مليون دولار لمعالجة الأزمة.
وباتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة، وفق مصادر طبية.
التعليقات