تساعد الحرب الأسد على الخروج من حالة المنبوذ، لكن القصف الإسرائيلي والتهديد بالتوسع يشكلان تهديدات خطيرة

إيلاف من بيروت: لحكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد مصالح كبيرة في الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عشرة أسابيع على غزة، والتي امتدت إلى سوريا. ففي نهاية المطاف، يتقدم الصراع في غزة، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى انتكاسة لمصالح دمشق في وقت يحاول فيه الأسد التعافي من أكثر من عقد من الحرب الأهلية الوحشية. على دمشق أن تتعامل بحذر مع تداعيات القصف الإسرائيلي والغزو البري لغزة، وفقًا لمقالة كتبها جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics الاستشارية المتخصصة في المخاطر الجيوسياسية، ونشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" الأميركي.

فائدة كبرى

بحسب كافييرو، ارتكب الأسد جرائم حرب خطيرة للحفاظ على السلطة منذ الربيع العربي في عام 2011. فقد اصدرت محكمة فرنسية في الشهر الماضي مذكرة اعتقال دولية بحق الأسد وآخرين في الحكومة السورية والجيش بسبب الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية. مع ذلك، تحاول دمشق الاستفادة من الغضب السائد في العالم الإسلامي ومعظم دول الجنوب بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية الدموية في غزة والدعم غير المشروط الذي تلقته من الولايات المتحدة.

يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "إن الفائدة الكبرى التي تشهدها سوريا من حرب غزة هي الضرر الذي ستلحقه بهيبة أميركا ومكانتها في العالم العربي. فمساعدة بايدن الثابتة لإسرائيل ستقلل من قدرة واشنطن على حشد الدول العربية والإسلامية ضد سوريا وإيران". يضيف كافييرو: "أصبح التركيز أقل على انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان بعد أن أولى العالم أزمة غزة اهتمامه، ودمشق مستعدة للقول الآن إن وحشية إسرائيلية طهرت أفعالها"، وفقاً لجوزيف كشيشيان، الزميل البارز في مركز الملك فيصل في الرياض، كما تشعر دمشق بسعادة غامرة لرؤية توقف اتفاقات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

مصالحات عاجلة

يضيف كافييرو أن أزمة غزة لا تؤدي إلى ترسيخ تحالفات سوريا القائمة منذ عقود من الزمن فحسب، "بل تعمل أيضاً على التعجيل في عملية المصالحة بين الأسد وأعدائه السابقين في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية، وتأكد ذلك بمشاركة الأسد في القمة الطارئة المشتركة بين منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بشأن غزة التي عقدت في الرياض في 11 نوفمبر الماضي". ويقول كريم إميل بيطار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف ببيروت: "يحاول الأسد إعادة تموضعه عضوًا في النادي الدولي بعد استبعاده بين عامي 2011 و2022".

وبعيداً عن المفارقة التي يمثلها خطاب الأسد في القمة بالرياض، ففي نهاية المطاف تم استهداف السوريين، بين أطفال، بالأسلحة الكيميائية، ودمرت قواته المستشفيات وحاصرت وقصفت الفلسطينيين اللاجئين في سوريا. وفي حين أن الحرب في غزة تعزز جهود الأسد للهرب من وضع المنبوذ بين الدول العربية، فإنها تشكل أيضاً تهديدات للأسد. يقول لانديس: "إنه بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، والسوريون بحاجة ماسة إلى الاستقرار. هذه الحرب تذكر الجميع بأن الاستثمار في الشرق الأوسط أمر محفوف بالمخاطر".

دور محوري يهددها

وفقاً لجواد هيران نيا، مدير مجموعة دراسات الخليج الفارسي في مركز البحث العلمي ودراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية في إيران، فإن سوريا تؤدي دوراً لوجستياً في هذه الحرب، فهي الطريق الرئيسي لإرسال الأسلحة والمعدات من إيران إلى حماس وحزب الله. يضيف: "القوات الإيرانية موجودة أيضًا في سوريا، وفي هذه الحرب، نقلت إيران قواتها في سوريا من شمال سوريا إلى جنوبها. ولذلك فإن الهجمات على المواقع الأميركية في سوريا تهدف إلى تنفيذ التهديد الإيراني ضد أميركا وإسرائيل لمنع امتداد الحرب إلى مناطق أخرى".

ونظراً لوضع سوريا كدولة مزقتها الحرب وتخضع أجزاء من أراضيها لاحتلال عسكري أجنبي، يتعين على دمشق نفسها أن تفهم أنها معرضة بشكل خاص للهجوم. يقول كافييرو: "يعلم الأسد أنه يمكن أن يكون الحلقة الأضعف إذا أثبتت إسرائيل عدم قدرتها على توجيه ضربة قاسية لحماس وعدم قدرتها على مهاجمة حزب الله في لبنان. يعتقد بعض السوريين أن إسرائيل قد تميل إلى محاولة مهاجمة النظام السوري، لحرمان إيران من أحد أهم حلفائها".

العوامل نفسها دفعت إسرائيل إلى التخلي عن التحركات الرامية إلى إطاحة نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية، عندما كانت أكثر هشاشة. وقد ساعدت حال عدم اليقين بشأن أي نظام جديد على كبح جماح إسرائيل في ذلك الوقت، وقد تؤدي الاعتبارات نفسها إلى تحفيز مماثل الآن.

المصدر: موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" الأميركي