في ما يشبه الرد على مقالة بنيامين نتنياهو، كتب يحيى السراج مقالة في "نيويورك تايمز"، تحدث فيها عن حياة غزة التي طمرت تحت أنقاض المدينة التي يستمر الإسرائيليون في قصفها

إيلاف من بيروت: كتب الدكتور يحيى السراج، رئيس بلدية مدينة غزة والرئيس السابق للكلية الجامعية للعلوم التطبيقية هناك، مقالة في "نيويورك تايمز" الأميركية، ترجمتها "إيلاف"... هذا نصها:

عندما كنت مراهقًا في الثمانينيات، شاهدت بناء مركز رشاد الشوا الثقافي ذات التصميم المعقد في مدينة غزة، والذي سمي تيمنًا باسم واحدة من أعظم الشخصيات العامة في غزة، ورأيت مسرحه وقاعته الكبيرة والمكتبة العامة والمطبعة والصالون الثقافي.

كان الطلاب والباحثون والعلماء والفنانون يأتون لزيارته من جميع أنحاء قطاع غزة، وكذلك فعل الرئيس الأميركي بيل كلينتون في عام 1998. وكان المركز درة غزة. ألهمتني مشاهدته قيد البناء لأن أصبح مهندسًا معماريًا، الأمر الذي رسم معالم مسيرتي المهنية أستاذًا جامعيًا، وعلى خطى الشوا، رئيسًا لبلدية مدينة غزة.

الآن، أصبحت تلك الدرة ركامًا، بعدما دمره القصف الإسرائيلي.

تسبب الغزو الإسرائيلي في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة، ودمر أو ألحق أضرارًا بنحو نصف المباني في القطاع. سحق الإسرائيليون أيضاً شيئاً آخر: ثروات غزة الثقافية ومؤسساتها البلدية.

التدمير المتواصل لغزة – رموزها المميزة، وواجهتها البحرية الجميلة، ومكتباتها وأرشيفها، ومهما كان الرخاء الاقتصادي الذي كانت تتمتع به – حطم قلبي. تم تدمير حديقة حيوان غزة، ونفق العديد من حيواناتها أو جوعت حتى الموت، بما في ذلك الذئاب والضباع والطيور والثعالب النادرة. من بين الضحايا الآخرين المكتبة العامة الرئيسية بالمدينة، ومركز سعادة الأطفال، ومبنى البلدية وأرشيفه، والمسجد العمري الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع. كما ألحقت القوات الإسرائيلية أضرارًا كبيرة بالشوارع والساحات والمساجد والكنائس والحدائق العامة.

كان أحد أهدافي الرئيسية بعد أن عينتني حماس رئيسًا للبلدية في عام 2019 تحسين الواجهة البحرية للمدينة وتعزيز إطلاق الأعمال التجارية الصغيرة على طولها لخلق فرص العمل. استغرق إنهاء المشروع الذي تضمن متنزهًا ومناطق ترفيهية ومساحات لتلك الشركات أربع سنوات، ولم تحتج إسرائيل سوى لأسابيع قليلة لتدميرها. كانت نيفين، وهي امرأة مطلقة أعرفها، تخطط لأن تفتتح مطعمًا صغيرًا في نوفمبر، لكن حلمها ضاع. وفقد محمد مقهاه الصغير.

لماذا دمرت الدبابات الإسرائيلية الكثير من الأشجار وأعمدة الكهرباء والسيارات وأنابيب المياه؟ لماذا تضرب إسرائيل مدرسة تابعة للأمم المتحدة؟ إن طمس أسلوب حياتنا في غزة أمر لا يوصف. ما زلت أشعر أنني في كابوس لأنني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أي عاقل أن يشارك في مثل هذه الحملة المروعة، قتلًا وتدميرًا.
تأسست بلدية غزة الحديثة في عام 1893، وهي واحدة من أقدم البلديات في الشرق الأوسط، تخدم نحو 800 ألف نسمة، وهذه من أكبر التجمعات الفلسطينية في العالم. حتى بعد أن قامت إسرائيل بتهجير ما يزيد على مليون فلسطيني قسراً من شمال غزة بعد بدء الحرب، بقي معظم السكان في المدينة.

عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة رداً على الهجوم المميت الذي شنته حماس، كنت في الخارج. قطعت جولتي لأعود لمساعدة شعبنا. أنا أرأس لجنة طوارئ مكونة من عمال ومتطوعين في البلدية يحاولون إصلاح أنابيب المياه وفتح الطرق وإزالة مياه الصرف الصحي والقمامة المسببة للأمراض. مات ما لا يقل عن 14 من موظفي بلديتنا، وفقد كل فرد في اللجنة تقريبًا منزلًا أو قريبًا.

أنا أيضاً فقدت شخصاً عزيزاً. من دون سابق إنذار، تسببت غارة مباشرة على منزلي في 22 أكتوبر في مقتل ابني البكر رشدي، وهو مصور صحفي ومخرج سينمائي. كان يعتقد أنه سيكون أكثر أمانًا في منزل والديه. جعلني ذلك أتساءل عما إذا كان يمكن أن أكون الهدف. لن نعرف أبدًا. دفنت رشدي وعدت سريعًا للعمل مع لجنة الطوارئ.

إنني أدعو بلديات العالم إلى الضغط على زعماء العالم لوقف هذا التدمير الطائش.

لماذا لا يمكن معاملة الفلسطينيين على قدم المساواة مثل الإسرائيليين وجميع الشعوب الأخرى في العالم؟ لماذا لا نستطيع العيش في سلام وحدود مفتوحة وتجارة حرة؟ يستحق الفلسطينيون أن يكونوا أحرارًا وأن يتمتعوا بحقهم في تقرير المصير. شعار غزة هو طائر الفينيق الذي ينهض من الرماد، ويصر على الحياة.

المصدر: "نيويورك تايمز"