رافد جبوري: في مطلع هذا العام، استقال طارق حبش وهو مواطن أميركي من اصل عربي فلسطيني من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن احتجاجا على سياسة الإدارة الأميركية التي اتهمها حبش بالانحياز لإسرائيل ودعمها.

و كان حبش يشغل منصبا رفيعا في وزارة التعليم، إذ كان مساعدا للوزير في إدارة سياسة التعامل مع ديون الطلبة في الجامعات.

لم تثر استقالة طارق حبش ضجة كبيرة في الإعلام الأميركي إلا أنها قد تشكل في الواقع مؤشرا مقلقا لبايدن في نقطة في غاية الأهمية تتعلق بحظوظ الرئيس الأميركي الانتخابية في إطار حملته من أجل الفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجري بعد تسعة اشهر.

التقيت بطارق حبش بعد أسابيع من استقالته، وحدثني عن آماله التي خابت بسياسة إدارة بايدن المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

يقول ان إدارة بايدن كانت وعدت في بدايتها باتباع سياسة خارجية تراعي المبادئ الأخلاقية وفيما يتعلق بقضية غزة تحديدا كان يأمل أن تتبع واشنطن سياسيات تحمي المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

لكنه يرى فيما حدث بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) "دعما أميركيا مطلقا لإسرائيل". ويرى أن رد إسرائيل على الهجوم "تجاوز الأهداف الدفاعية ولم يكن سعيا لإطلاق سراح الرهائن بل إمعانا في قتل الفلسطينيين"، كما أن إدارة بايدن "لعبت دورا في دعم إسرائيل على ذلك النهج" بحسب اتهاماته ورؤيته.

شغل طارق حبش منصبه بعد تعيين سياسي. أي ان اختياره قد تم وفقا لاعتبارات سياسية بالإضافة الى اعتبارات الكفاءة اذ تنقسم الوظائف الإدارية الكبيرة إلى قسمين أولهما المسار الإداري غير المرتبط حكما بالتدخل السياسي في اختيار الشخص للوظيفة. أما القسم الآخر، الذي يندرج تعيين حبش تحته، فيأتي بقرار رئاسي أو وزاري مبني على أسس سياسية بالإضافة لاعتبارات مهنية نظريا.

وقد كان حبش واحدا من الأميركيين العرب القلائل الذين شغلوا منصبا رفيها في إدارة بايدن.

وقد درس حبش موضوع العدالة الاجتماعية وسياسة تحسين أوضاع الطلبة الجامعيين وحصل على شهادة عليا في هذا الاختصاص من واحدة من أكبر الجامعات الأميركية وهي جامعة هارفارد، لذلك فهو يصف وظيفته بانها الوظيفة الحلم بالنسبة له وبان التخلي عنها لم يكن سهلا.

وما يزال قطاع كبير من الراي العام الأميركي مؤيدا لإسرائيل ومتعاطفا مع ما تعرضت له في هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حركة حماس.

يبدو هذا واضحا من عدم وجود حركة ضاغطة ضد سياسات إسرائيل في الكونغرس، إذ يهتم الأعضاء كثيرا باتجاهات الناخبين.

فقواعد الناخبين الأميركيين المحافظين المؤيدين للحزب الجمهوري تبدو مؤيدة للاستمرار بالدعم التقليدي لإسرائيل.

لكن استمرار الحرب وسقوط ضحايا مدنيين في غزة وتزايد معاناتهم زادت من عدد المؤيدين لإنهاء الحرب.

رافد جبوري وطارق حبش
BBC
رافد جبوري وطارق حبش

أما الصورة في حزب بايدن فمثيرة للاهتمام بدرجة كبيرة، فالجناح التقليدي للحزب والناخبون المؤيدون له يبدون في موقع المقتنع بسياسة بايدن التي حاولت موازنة دعمها لإسرائيل والتزامها الثابت بأمنها بالضغط في سبيل زيادة المساعدات للفلسطينيين والبحث عن سبل للوصول إلى هدنة لإطلاق سراح الرهائن.

لا بل إن إدارة بايدن أعادت الحديث عن حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل بعد انتهاء الحرب.

لكن الجناح التقدمي في الحزب يعبر بطرق مختلفة عن غضبه من بايدن وسياساته إذ تطالب التظاهرات التي خرجت في أكثر من مدينة بفرض وقف إطلاق النار في غزة.

وعلى هذا الجناح تحديدا، وهو يضم كثيرا من طلاب الجامعات، قد يتحدد مصير بايدن السياسي، إذوصل بايدن إلى الرئاسة بعد أن استطاع أن يوحد ناخبي الجناحين التقليدي والتقدمي في الانتخابات الماضية وهذه المعادلة تبدو مهددة الآن.

طارق حبش يقول إن الانتخابات تسير باتجاه لا يريده الأميركيون وهو وصول بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب إلى المنافسة النهائية.

ويأمل حبش في أن تؤدي تحركات التقدميين في حزبه إلى اختيار مرشح آخر في الحزب الديمقراطي وليس بايدن.

لا يبدو هذا واقعيا لكن حبش يعبر عن الأمل في أن يحدث.

حدثني طارق حبش عن شغفه بتحسين أوضاع الطلبة الذين يواجهون تحديات كبيرة مادية ومعنوية أهمها يتمثل في العبء المالي الكبير الناجم عن أجور الدراسة الباهظة في الجامعات الأميركية والتي يدفعها معظم الطلبة عن طريق الاقتراض ثم دفع الدين على مدى سنوات طويلة وبأقساط ليست بالقليلة لمن يبدأ حياته المهنية بمرتبات متدنية في الغالب.

وكانت مبادرة بايدن في دفع جزء من ذلك العبء قد شكلت مكسبا كبيرا محركا للطلبة ودافعا لهم للتصويت لصالح بايدن وحزبه الذين يأملون في استمرار ذلك وتعزيزه.

لكن حبش يرى أن هناك ترابطا بين موقف قطاعات طلابية تتمسك بحق آخر أكبر من الوضع المادي يتمثل في حرية التعبير التي يراها مهددة بسياسة خارجية يتبعها بايدن لا تراعي معايير العدالة بل ويذهب إلى اتهام إدارة بايدن بالتدخل لتغيير من يشغلون مناصب قيادية في الجامعات للحد من أصوات الطلبة العالية في تأييد الموقف الفلسطيني وفي انتقاد اسرائيل.

ستكون مواقف الطلبة الجامعيين مؤثرة فعلا في الانتخابات المقبلة ولا سيما أن الأوساط المحافظة ترى أن الجامعات تحولت الى أوساط تشيع فيها ممارسات ومواقف معادية للسامية من طرف الطلاب التقدميين وسط تساهل وتهاون من إدارات الجامعات بحسب تلك الاتهامات.

جو بايدن
Getty Images

بالإضافة إلى أهمية أصوات شريحة الطلبة التي يعرفها حبش وتعامل معها كثيرا فإن أصوات شريحة أخرى قد تكون حاسمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

تلك هي الشريحة التي ينتمي لها حبش أصلا وهي شريحة الناخبين العرب المستاءة من سياسة بايدن.

يعتقد هو أن أصوات الأميركيين العرب في ولايات مؤثرة يشتد فيها التنافس بين الحزبين مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا وجورجيا قد تغير الموقف بطريقة حاسمة.

في الواقع سيعتمد الأمر على مدى التقارب في التنافس بين بايدن وترامب إن وصلا هما الاثنان إلى المرحلة النهائية.

فمجرد امتناع الناخبين ذوي الأصل العربي عن التصويت لبايدن في تلك الولايات قد يفتح الطريق واسعا أمام ترامب، الذي يرفضه طارق حبش ولا يريد عودته رئيسا. لكنه في مواجهة تلك المعضلة يقول إن الوضع يجب أن يتغير ولا يجب أن يختار الأميركيون دائما بين أفضل الخيارات السيئة من وجهة نظره.

منذ الاستقالة أصبح طارق حبش عاطلا عن العمل لذلك فقد عبر لي عن تفهمه لوضع كثير من الموظفين الكبار الذي شاطروه وجهة نظره أو دعموه كما يقول لكنهم لم يستقيلوا.

يقول إن من يستقيل قد يفقد مصدر رزقه من غير بديل وإن الاستقالة قرار شخصي يتخذه كل إنسان حسب ظروفه.

لم يعد سرا ان موظفين اميركيين تحدثوا مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ومع مسؤولين آخرين في الإدارة معبرين عن احتجاجهم واستيائهم من سياسة بايدن إزاء الحرب في غزة.

رغم ذلك ورغم الهاجس الانتخابي فإن توقع حصول تغيير كبير في السياسة الأميركية باتجاه فرض وقف لإطلاق النار على إسرائيل مثلا في هذه المرحلة ليس أمرا واقعيا. مع ذلك يقول طارق حبش بأنه متفائل بأن التغيير سيتحقق ولكنه سيتطلب وقتا وجهدا وتضحيات.