إيلاف من بيروت: منذ اشتعلت الجبهة اللبنانية مع إسرائيل في 8 أكتوبر الماضي، كان العالم كله متخوفًا من توسع الحرب في غزة إلى المنطقة، وأتى المبعوثون من جنسيات مختلفة في زيارات مكوكية بين بيروت وتل أبيب، محاولين فك فتيل التفجير في طرفي الخط الأزرق.

أبرز هؤلاء المبعوثين الأميركي آموس هوكستين، الذي لمع نجمه حين استطاع أن يرسّم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بمباركة حزب الله. فهوكستين يجول في المنطقة حاملًا تفويضًا من الإدارة الأميركية كي يسعى بجهد حثيث كي يقنع لبنان - أي حزب الله في لبنان – بالتراجع عن الحدود الشمالية لإسرائيل، تجنبًا لعمليات عسكرية إسرائيلية "قوية"، تتجاوز بأشواط ما شهده لبنان في حرب عام 2006.

وأكد هوكستين الإثنين إن "الحل الدبلوماسي هو المخرج الوحيد" لوقف التصعيد بين لبنان وإسرائيل، وإن وقف إطلاق النار المؤقت "ليس كافياً"، مضيفًا: "في حال نشوب حرب ولو محدودة عبر الحدود الجنوبية للبنان، فإنها لن تكون قابلة للاحتواء".

ماذا تريد المعارضة؟
في جولته الأخيرة، وسّع هوكستين دائرة لقاءاته، متجاوزًا الجناح "الإيراني" في لبنان المتمثل في حزب الله ورئيس البرلمان بيه بري، ليلتقي أقطابًا في المعارضة اللبنانية، التي ترفع الصوت في كل فرصة مطالبة بتطبيق القرارات الدولية، وفي مقدمها القرار 1701، الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2006، والذين يخوّنهم حزب الله لأنهم يعارضون تورطه في حرب غزة، وربط مصير لبنان بمصير القطاع، ويرفون مبدأ وحدة الساحات، الذي يتلطى وراءه الحزب ليستمر في تنفيذ أجندة إيرانية.

ما سمعه هوكستين من أقطاب المعارضة اللبنانية ملخص في الآتي: الموقف الرسمي الحالي لا يمثل عن حقيقة الموقف اللبناني، ما دام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب يتكلمان بلسان حزب الله، ويوافقانه في ربط وقف النار في جنوب لبان بوقف النار في غزة، وبالتالي تعتبر الدولة اللبنانية رهينة حزب الله وأجندته الإيرانية التي تمتد من غزة إلى سوريا والعراق واليمن.

كذلك، طالبت المعارضة اللبنانية الموفد الأميركي العمل على تفعيل القرار 1701 في إسرائيل كما في لبنان، لسحب البساط من حت حزب الله ومشغله الإيراني.

تسلل فاشل
قبيل وصول هوكستين الإثنين إلى بيروت، حدثت أول محاولة تسلّل إسرائيلية في الأراضي اللبنانية. تقول التقارير من الجنوب اللبناني إن مجموعتين إسرائيليتين حاولتا التسلّل من موقعين متقاربين في عملية وضعها الخبراء العسريون في خانة "جس النبض"، واختبار جاهزية حزب الله إذا قرر الإسرائيليون التوغل بريًا في لبنان.

حصلت هذه المحاولة، التي أعلن حزب الله إفشالها، بعد أيام قليلة من حديث أميركي عن استعداد إسرائيلي لاجتياح بريّ حتى الليطاني، إن فشل هوكتسين في إبعاد مسلحي الحزب عن الحدود. وتزامنت مع تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن "عدوان حزب الله يقرب إسرائيل من نقطة الحسم بشأن عمل عسكري ممكن".

إلا أن حزب الله، وعلى لسان مسؤوليه، فصل محاولة التسلل الفاشلة عما أسموه "التهويل الإسرائيلي بضرب لبنان"، واضعين العملية في إطار ضيق، الهدف منها جس نبض الحزب، وتشتيت انتباهه الميداني.

إلى ذلك، يلفت مراقبون إلى أن إسرائيل تنفذ بالنار منطقة عازلة في الجنوب اللبناني، من خلال تدمير منهجي للأبنية والمساكن في المناطق المحاذية للخط الأزرق، كي تسهل عليها مراقبة أي تحرك عسكري ينفذه حزب الله، خصوصًا أن تل أبيب تطلب إبعاد حزب الله مسافة تزيد على 5 كيلومترات عن الحدود، كي يتسنى للقبة الحديدية إسقاط الصواريخ التي يطلقها الحزب على إسرائيل.

رهينة إيران
في ضوء هذا الوضع المتفجر، وعلى الرغم من قول نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم في حوار متلفز إن لا حرب كبيرة في لبنان، تبقى العيون شاخصة إلى تبادل النار في جنوب لبنان، خصوصًا أن إسرائيل توسع دائرة استهداف كوادر الحزب خارج نطاق "قواعد الاشتباك"، ما يجر ردًا من حزب الله، ولذا يتخوف هوكستين من انفلات الأمور بطريقة لا يمكن احتواءها.

إن تدحرج الوضع في الجنوب اللبناني نحو الحرب الواسعة يع المنطقة برمتها على فوهة بركان. فإسرائيل تعرف أن حربها مع حزب الله ليست كحربها مع حماس. فإيران زودت الحزب بأفضل وأحدث ما لديها من ترسانة صواريخ ومسيرات، يمكن أن تنزل بالداخل الإسرائيلي خسائر فادحة. من جهة أخرى، سيكون لبنان أمام مصير قاتم إن بدأ الطيران الإسرائيلي جولات قصفه العنيفة في المدن اللبنانية، التي يرزح سكانها تحت أعباء اقتصادية ثقيلة، في ظل الانهيار الاصل.

تقول المعارضة اللبنانية إن تجنب هذه الحرب القاتلة بيد إسرائيل وإيران، وليس بيد الحكومة اللبنانية التي لا حول لها ولا قوة، ولا حتى بيد حزب الله. وفي هذا التفضيل تكمن كل الشياطين.